كتب- أحمد مطاوع: فتش عن المصريات إن كنت تبحث عن تعريف النجاح والتفوق، ليست عبارة فارغة أو مطروحة للسخرية، فهن من رفعن راية مصر عالية هذا الأسبوع، ويمكننا وبكل فخر لا تشوبه أية مبالغات أن نطلق عليه "أسبوع المرأة المصرية"، فعندما نتحدث عن أول عربية تفوز بمقعد داخل البرلمان الإسبانى، يوم الأحد الماضى، وتكون أصغر نائبة فى تاريخه، وأنها ستتولى -وفقًا للائحة- رئاسة أولى جلسات المجلس، نجدها المصرية الشابة ذات ال24 عامًا، نجوى جويلى. وحينما تفتح صفحات الجرائد وتتصفح المواقع الإخبارية وتتنقل بين نشرات الأخبار والبرامج التليفزيونية، وتجد خبرا متداولا حول إعلان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، أمس الأربعاء، تعيين العربية الأكثر نفوذًا فى العالم والتى تشغل موقع نائب محافظ بنك إنجلترا، المسؤولة عن الأسواق والخدمات المصرفية، وعضوة بنك إنجلترا في لجنة السياسة النقدية، في منصب عضوة مجلس أمناء المتحف البريطاني لمدة أربع سنوات، بجانب أربع شخصيات أخرى، وفى تبعات الخبر تكتشف أن الاقتصادية المصرية الدكتورة نعمت شفيق، فعليك أن تشعر حقا بالفخر وبقيمة المصريين وعظمتهم إذا أتيحت لهم فرصة حقيقية للإنجاز. نجوى الجويلى.. الصورة الحقيقية لمعدن شباب مصر رغم الأجواء العامة المحبطة والحالة النفسية الصعبة التى يعيشها الشباب المصرى، فى ظل انتشار البطالة، وغياب مساحات الإبداع وإثبات الذات أو حتى أى فرصة حقيقية أو ضعيفة فى سبيل ذلك، نجد بصيص أمل يتجدد كل حين يصحبه نور يضعنا أمام تساؤلات عديدة حول الواقع والماضى والمستقبل المأمول أو حتى المشؤوم -حسب ما ترى- فنتساءل مثلًا عن تلك الشابة "نجوى" التى درست علم النفس فى الجامعة، ابنة النوبى أحمد الجويلى عضو الجمعية الوطنية للتغيير، من أشد المؤيدين لثورة يناير التى أصبحت موضع تخوين واتهام، وسط نخبة كارهة من المتصدرين للمشهد المصرى الإعلامى والسياسى. ابنة الجويلى التى رشحها حزبها "بوديموس" -ويعني بالعربية "نحن نستطيع" أو" قادرون"- حديث التأسيس كأول حزب "عربى إسبانى"، انضم له 100 ألف شاب بعد 20 يومًا فقط من تأسيسه، وتعد أحد مؤسسيه وعضو لجنته المركزية، كانت مسؤولة عن وجود الحزب في وسائل التواصل الاجتماعي، وهي مسؤولة أيضًا عن تواصل الحزب مع الإعلام، مواجهة الشائعات والرد عليها. تلك الشابة التى لم تكمل عقدها الثالث بعد، واجتهدت فى بلد ليس موطنها وسط أناس ليسوا من طينتها السمراء النوبية، ونجحت وحازت ثقة هؤلاء الأوروبيين، فى ظل هجمة غربية شرسة على العرب والمسلمين، لتكون نائبة فى البرلمان بأعلى نسبة أصوات على مستوى إسبانيا، تضعنا أمام أسئلة احتمالية كثيرة، مثل، ماذا لو كانت فى مصر؟ وكيف سيكون مصيرها؟ فى ظل تضييق سياسى على أبناء جيلها خاصة المنتمين منهم لثورة يناير! الإجابة صعبة والواقع مؤلم فأصدقاء فكرة التغيير اليوم يتم تخوينهم. نعمت شفيق.. أقوى امرأة في بريطانيا نتوجه فى جانب آخر عن مصرية هى الأكثر نفوذًا فى العالم، الدكتورة نعمت شفيق، أو "مينوش" كما تطلق عليها الصحف الأجنبية، التى تتنبأ لها بأن تكون أقوى امرأة في لندن.. بنت الإسكندرية التى تحمل 3 جنسيات "المصرية والبريطانية والإنجليزية"، وتتحدث 3 لغات "العربية والإنجليزية والفرنسية"، في عام 2004 كانت أصغر نائبة في البنك الدولي، وكانت مسؤولة عن تحسين أداء القطاع الخاص المصرفي واستثمارات بقيمة 50 مليار دولار. وأشرفت على إعداد برنامجي إنقاذ اليونان والبرتغال، كما أسهمت أثناء عملها في البنك الدولي في أن يشارك رأس المال الخاص في مشروعات البنية التحتية، وكانت مسؤولة في صندوق النقد عن عمل البلدان في أوروبا والشرق الأوسط، وأشرفت على ميزانية إدارية للصندوق تقدر بمليار دولار، واستقالت من منصبها في صندوق النقد من أجل تولي منصب نائب محافظ بنك إنجلترا في 2014، لتكون واحدة من نائبين لمحافظ البنك والمرأة الوحيدة العضوة في لجنة السياسة النقدية، المؤلفة من 9 أعضاء والتي تحدد أسعار الصرف والسياسة النقدية في بريطانيا، وأول سيدة تعمل في لجنة السياسة النقدية منذ خروج المصرفية، كيت باركر، التي كانت عضوة في اللجنة في الفترة بين عامي 2001 و2010، ورابع سيدة تشغل منصب نائب محافظ البنك منذ تأسيسه عام 1694، حسبما أفادت صحيفة "الجارديان"، وأول سيدة تتقلد منصبا قياديا في البنك منذ 2010، وفقًا ل"فوربس". السيدة صاحبة السيرة الذاتية الطويلة فى مجال الاقتصاد، والتى قالت عنها مديرة صندوق النقد الدولي، كريستين لاجارد، إنها تتصف ب"الإخلاص والنزاهة"، وإنها "قائدة رائعة"، اختارتها مجلة "فوربس" الاقتصادية الأمريكية لأول مرة ضمن قائمة النساء الأكثر نفوذًا في العالم لعام 2015، وجاءت في المركز 66 بالقائمة التى جاء على رأسها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وفى ظل هذه الخبرة العظيمة، فى وقت يعانى فيه الاقتصاد المصرى من أزمة كبيرة، تحت إدارة هى أقرب للهواة مقارنة ب"مينوش"، كيف لم نسمع عنها من قبل؟ ولماذا لم تستفد منها مصر؟ و السؤال الأهم والأخطر هو: ماذا لو ظلت الدكتورة نعمت فى مصر ولم تغادرها؟ هل كان سيمكنها أن تصبح عظيمة كما هى الآن؟ أم أن ضيق الأفق ونظرة المجتمع المحدودة للمرأة كانت ستقتل طموحها وستتحول إلى امرأة عادية "تربى العيال" كملايين من السيدات المصريات؟! داليا مجاهد.. أول مسلمة فى البيت الأبيض سجل المصريات يحوى الكثير من النجاحات، ومن بينهن الباحثة المصرية، داليا مجاهد، عينها الرئيس الأمريكى باراك أوباما، عام 2009، فى مجلسه الاستشاري الخاص بالأديان المكون من ممثلي 25 طائفة وشخصيات علمانية، لتكون أول مسلمة محجبة تشغل منصبًا من هذا النوع فى البيت الابيض، لتصبح مستشارة لشؤون العالم الإسلامى لأوباما، وتعرضت لانتقادات كثيرة، إلا أنها واجهتها بشجاعة، وأكدت خلال تلك المواجهة أنها وافقت على هذا المنصب لخدمة الإسلام والمسلمين من خلال القضاء على الصورة المغلوطة عن الإسلام فى أمريكا والغرب، وترأست مركز جالوب للدراسات الإسلامية والذي يقوم بأبحاث وإحصاءات تتعلق بالمسلمين في جميع أنحاء العالم، وتظهر دراساتها في صحف ودوريات بارزة مثل "وول ستريت جورنال" و"هارفارد إنترناشونال ريفيو"، وسبق لها أن درست أيضًا إدارة الأعمال والهندسة الكيميائية. ووضعت داليا ابنة حى السيدة زينب بالقاهرة، كتاب "من الذي يتكلم نيابة عن الإسلام؟ ما يفكر به مليار مسلم" بالمشاركة مع جون إسپوزيتو، ويركز على 6 سنوات من البحوث وأكثر من 50 ألف مقابلة تمثل أكثر من مليار مسلم في أكثر من 35 دولة تسكنها غالبية مسلمة أو عدد لا بأس به من المسلمين، ويعتبر هذا الاستطلاع، الذي يمثل أكثر من 90% من المجتمع الإسلامي في العالم، الدراسة الأكبر والأكثر شمولية من نوعها. وحققت المصرية داليا العديد من النجاحات، والتى ربما لم تكن تتيح لها الظروف داخل مصر تحقيق مثل هذه الإنجازات والسمعة العالمية المغلفة بالكفاءة والعلم، حيث شهدت أرض الكنانة على مدار العقود الماضة، حالة من الفوضى العلمية والتراجع العام، جعلها تعد أبرز دول العالم طردًا للعلماء برقم تخطى ال85 عالما صدرتهم مصر للعالم، ومصر الآن فى أمس الحاجة إليها فى ظل انتشار التشدد والتطرف، الذى تطور إلى إرهاب يهدد الشعب المصرى، وهو ما يحتاج إلى معالجة فكرية تطهيرية بشكل علمي هى أقرب لها. والوقت الذى تتعرض فيه المرأة المصرية للتحرش والنظرة المجتمعية الضيقة وتهميش دورها السياسى والاجتماعى، وحرمانها من تولى مناصب هامة وقيادية، على مدار عقود متتالية من الضياع الذى صب فى كل أرجاء مصر تقريبًا، مع استعراض قصص ل3 من آلاف الناجحين والناجحات من أبناء الشعب المصرى على مستوى العالم، من المسؤول؟ من سيحاسب على ما أصبحت عليه مصر من حالة التوهان الت ما زالت تحاول أن تلملم فيها شتاتها؟!