ربما يزعم تنظيم داعش أنه يشن حربًا مقدسة من أجل الإسلام، ولكن الحقيقة أن الفساد الذي يضرب بجذوره في المنطقة طال "دولة الخلافة"، على غرار الأنظمة العراقية والسورية التي حل محلها. وفي تحقيق حول الفساد داخل التنظيم الإرهابي، نشرته صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، قالت: إن ثمة "أدلة من مقاتليه ومسؤوليه السابقين تشير إلى أن ما يعرف بجيوش الأشباح يقاتلون على جانبي الصراع". و"جيوش الأشباح"، عبارة عن مئات المقاتلين على الجبهات الأمامية، الذين لا وجود لهم إلا في كشوف الرواتب فقط، يتم الاستعانة بهم للتحايل وسرقة مخصصات التجنيد من خزانة التنظيم المكدسة بالمليارات من الذهب المسروق والنفط المهرب. وقبل عام استنكر العراق الفساد العميق داخل جيشه، زاعمًا أن 50 ألف جندي "شبح" يتقاضون رواتب من الجيش من دون خدمة، والشيء نفسه يحدث في صفوف "داعش"، وفقًا ل"عمر"، وهو أحد القادة الذين قاتلوا مع التنظيم لأكثر من عام، قبل أن يلوذ بالفرار، طالبًا عدم الكشف عن هويته الحقيقية. وأوضح عمر أن القائد الميداني (مع داعش)، يتقدم بطلب للحصول رواتب 250 شخصًا، ولكنه في الحقيقة يكون لديه 150 فقط"، مضيفًا "عندما اكتشف المسؤولون هذه الحيل، بدؤوا بإرسال إداريين ماليين لتسليم الرواتب، ثم بدأ الإداريون الاتفاق مع القادة على الغش أيضًا". وأشار إلى أنه في محافظة دير الزور شرقي سوريا، أمير يعرف باسم "أبو فاطمة التونسي"، هرب بمبلغ 250 ألف دولار من أموال الزكاة، وترك رسالة لزملائه على موقع تويتر يقول فيها: "عن أي دولة، وأي خلافة تتحدثون، أيها الأغبياء؟". ونقلت الصحيفة على لسان مقاتلين وموظفين سابقين في التنظيم قولهم: إنه "رغم كل أحاديث الجهاديين عن رفض الحكومتين العلمانيتين العراقية والسورية الذين أزاحوهم، يحاكي مسؤولوهم في كثير من الأحيان، تلك الأنظمة في الميل للبيروقراطية والكسب غير المشروع". وأوضحوا أنه "من الإدارة الزراعية لدعم المواد الغذائية، يتبنى المسؤولون الذين يعينهم (داعش) غالبا نفس الأنظمة التي وضعها الحزبان الحاكمان في سورياوالعراق، بما في ذلك الاستخدام المفرط لها من الأوراق والطوابع". وبالمثل، قال سكان محليون: إن "داعش يستميل مؤسسات يعود تاريخها لعقود، والتي تضمن الولاء من خلال المحسوبية. وكلما توسع التنظيم يعتمد على مسؤولين ومقاتلين يقدرون المكافآت المالية على أيديولوجيته المتطرفة في سوريا، فبعض المسؤولين الذين عينهم، داعش هم نفس الأشخاص الذين عينهم فيما مضى نظام الرئيس بشار الأسد". ونقلت الصحيفة عن "أبو رشيد"، وهو صيدلي بأحد مستشفيات مدينة الميادين شرقي سوريا، طلب استخدام اسم مستعار من أجل سلامته، قوله: إنه "تفاجأ عندما عين داعش مسؤولًا طبيا فصلته حكومة الأسد، بعد اتهامه بالاختلاس، ويبدو أنه حاول نفس الحيل مع داعش"، وكتب العشرات من طلبات لشراء الأدوية الوهمية، وبعد استلام الأموال، أحرق المستوصف لتجنب اكتشاف أمره. وفي هذا السياق، أفاد مسؤول استخبارات غربية يراقب "داعش"، أنه ليس هناك شك في أن بعض آثار هذه السلطة، تحولهم إلى شيء ندرك أنه نظام استبدادي فاسد. وأضاف المسؤول الغربي، "الحقيقة هي أنه قبل سيطرة (داعش) على الموصل، كانت الأمور ربما أكثر فسادًا، ولكنهم يتعاملون مع الفساد بشدة". ورغم ذلك يقول مسؤولو استخبارات آخرون: إن "داعش" يتسامح أقل بكثير من الأنظمة السابقة مع الكسب غير المشروع، حيث تحدث سكان محليون عن الكفاءة النسبية للجماعة، وعدم وجود الفساد بشكل متكرر أثناء سيطرة الجهاديين (على بلادهم)، باعتباره سبب استعدادههم لقبول التنظيم، وهي حقيقة صادمة للتحالف، الذي يحتاج إلى العمل مع شركاء مثل الحكومة العراقية لهزيمة داعش. ولكن هذه الشدة ليست كافية بالنسبة ل"أبو رشيد"، الذي قال: إنه "عندما اكتشف قادة داعش الفضيحة الطبية، ألقوا القبض على المسؤول وحلقوا شعره ولحيته لفضحه، وأجبروه على الالتحاق بدورة لدراسة الشريعة الإسلامية"، لافتا إلى أنه وفقًا لقوانينهم الخاصة، يجب أن تقطع يده. بينما يقول سوريون وعراقيون، ممن يعيشون تحت حكم داعش: إنهم "يشعرون على نحو متزايد بنقاط الضعف في النظام الذين يعتقدون أنها نتيجة الفساد المستشري، ويشيرون إلى انتشار تهريب البشر من أراضي داعش، حيث منعت القيادة السكان من مغادرة معظم أنحاء دولة خلافته التي أعلنها، وفي كثير من الأحيان يرشي السكان المحليون مقاتلي التنظيم حتى يغضوا الطرف عنهم عند نقاط التفتيش، مما يجعل حدود دولتهم أكثر مسامية". واختتمت بأن فضائح فساد "داعش" أصبحت معرفة تقليدية بين المقاتلين السابقين، الذين يثرثرون حول الأمراء الذين ينقلون ثروات عبر الحدود إلى تركيا ومن ثم يختفون.