وزير دفاع روسيا في القاهرة بين سقوط طائرتين.. تعاون مخابراتي لتعقب الإرهاب.. مناورات عسكرية مشتركة بين القاهرةوموسكو.. مصر حصلت على دعم روسي غير محدود لحماية أمنها خارج أراضيها وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو.. جاء على رأس وفد عسكري تسبقه غيوم الطائرة المدنية المنكوبة بوسط سيناء، نهاية أكتوبر الماضي، في حادث راح ضحيته 224 شخصًا، فاصطدم بعاصفة إسقاط مقاتلة روسية من قبل سلاح الجو التركي، بدعوى أنَّ المقاتلة انتهكت المجال الجوي التركي، وهو الأمر الذي تنفيه موسكو. شويجو أجرى زيارة للقاهرة، التقى خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي، فتبادر إلى الذهن تساؤل هو أي من الطائرتين تصدَّرتا مباحثات الرئيس والوزير؟، ملف سقوط الطائرة المدنية فوق سيناء بعمل إرهابي أم ملف إسقاط الطائرة العسكرية الروسية من قبل القوات التركية؟ وما الدور المصري الذي طلبه الرئيس فلاديمير بوتين في رسالته الشفوية التي أرسل بها شويجو؟ الوزير الروسي جاء للقاء الرئيس السيسي في قصر الاتحادية، بحضور الفريق أول صدقي صبحي وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الذي كان في استقباله بالمطار، وكذا السفير الروسي بالقاهره سيرجي كيربيتشينكو. شويجو كان يحمل ملف الطائرة الروسية التي سقطت بوسط سيناء، وقبل وصوله للقاهرة بساعات كان فريق التحقيق الروسي قد سبق بالهبوط في مطار القاهره الدولي برئاسة ألكسندر باستريكين، الذي اصطحب عشرة محققين للقاء المسؤولين المصريين حول مسار التحقيق الذي يقوده الجانب المصري عن حادث تحطم الطائرة، لكن قبل دخولة القصر كانت أنباء إسقاط المقاتلة الروسية قد أعلنت، ومقتل أحد الطيارين بالرصاص أثناء الهبوط بالمظلة وتمَّ تصويره في أيدي مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميًّا ب"داعش"، أمَّا الآخر فقد أعلن صباح اليوم أنَّ وحدات خاصة روسية وسورية تمكَّنت من إنقاذه ونقل إلى قاعدة روسية. البيان الرسمي عن لقاء شويجو بالرئيس أعد متضمنًا كافة العناصر المسموح بالكشف عنها والتي أيضًا أخذت الشكل النمطي لدوائر السياسة المصرية، ما سمح بتعامل إعلامي موازٍ تضمَّن طرح سناريوهات غامضة وسرية وضمنية كما وصفتها التقارير أو التسريبات. مؤسسة الرئاسة حرصت على تضمين رسالة شفوية من الرئيس بوتين حملها وزير دفاعه وأبلغها للرئيس السيسي، فنقل إليه تحيات الرئيس الروسي، مؤكِّدًا عمق العلاقات الوثيقة والمتميزة التي تربط البلدين في تعامل ضمني مع تقارير تتحدث عن تدني العلاقات الودية بين البلدين على خلفية "حادث الطائرة الروسية". وأضاف شويجو، وفقًا للبيان الرسمي، أنَّ روسيا تُقدِّر دور مصر في تحقيق الأمن والاستقرار بالمنطقة، وتتطلع لتدعيم علاقات التعاون القائمة بين البلدين، لا سيَّما في المجال العسكري، مؤكِّدًا أنَّ روسيا تحرص على التنسيق والتشاور بشكل متواصل مع مصر في عددٍ من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب والتطرف ومواجهة التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط، وجهود تسوية النزاعات القائمة بالمنطقة. وبدا واضحًا أنَّ محور اللقاء بل والزيارة التي جاءت في توقيت صعب، هو سوريا والإرهاب، فالأول تقف فيه مصر موقفًا سياسيًّا، والثاني تقف فيه موقفًا تفاعليًّا وتواجهه على الأرض. أمَّا السيسي فطرح التصدي لملف الإرهاب على رأس الملفات المشتركة في جهود البلدين وتعزيز التعاون الدولي في مواجهة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة من خلال مقاربة شاملة تضمن وقف الانتشار السريع لتلك الجماعات والحد من قدرتها على جذب عناصر جديدة وتجفيف منابع تمويلها، ليشمل ذلك المواجهات العسكرية والتعاون الأمني، وكذا الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والأبعاد الفكرية والثقافية. بالتوازي، اجتمع شويجو ومساعدوه بكبار قادة الجيش المصري في مقر وزارة الدفاع، وكان لافتًا أن يحضر مراسم استقبال الوزير قادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة "الدفاع الجوي والبحرية والجوية"، ما يؤكِّد أنَّ زيارة لم تكن بروتوكولية كما عنونها البيان العسكري الرسمي الذي كان مميزًا بالمقارنة بالبيانات التي تخرج عن القوات المسلحة والمتحدث العسكري، حيث حوى عناوين ورؤوس موضوعات دون التطرق لمعلومات حول ما يدور وبما يتناسب مع ما اعتادت عليه المؤسسة العسكرية المصرية من حساسية مفرطة لحجب كل الحقائق مهما كانت قيمتها. وأشارت المؤسسة العسكرية في مصر للتحديات الإقليمية والدولية والحرب على الإرهاب والجهود المشتركة لاستعادة الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط الذي قابله انعقاد الاجتماع الثاني للجنة العسكرية المشتركة بين البلدين، التي ترأسها الوزيران وتناولت ملفات الشراكة الاستراتيجية والتعاون العسكري بين البلدين، وكان لافتًا أن يقف العسكريون مجدَّدًا حدادًا على أرواح ضحايا الطائرة الروسية في لفتة لوجود ملف حادث الطائرة على مائدتهم وليس فقط على مائدة السياسة ولجنة التحقيق أو حتى الدوائر الجنائية التي دخلت طرفًا رئيسيًّا في الملف لكنها وفقًا لدوائر مخابراتية لن تدير تحقيقًا جنائيًّا إلا بإشراف ومتابعة لجنة تحقيق مخابراتي وعسكري تتعقب مصدر زرع القنبلة في الطائرة سواء في مطار شرم الشيخ الذي يخضع بشكل مباشر ضمن مطارات البحر الأحمر لإشراف عسكري أو زرعت في أنطاليا حيث تزودت الطائرة بالوقود ضمن اتفاقات تنظم رحلات السياح الروس عبر شركات تركية.
وزير الدفاع الروسي أكَّد أيضًا دعم بلاده الكامل لمصر والتعاون معها في الحرب على الإرهاب في سيناء وفي مناطق أخرى من الإقليم في إشارة واضحه إلى ليبيا التي تمثِّل هاجس مصر الأول في تهديد أمنها القومي بما تمثله من حاضن للبؤر الإرهابيه وتدخل فيها بشكل مباشر وغير خفي لحماية أمن شعبها وأراضيها باعتباره ضرورة ملحة تخدم جميع شعوب العالم، وشدَّد شويجو على الدور الرئيسي لمصر في تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وفيما لم يكشف البيان المصري عن تفاصيل البروتوكولات التي وقعها الجانبان، بادر وزير الدفاع الروسي عقب انتهاء الجلسه بإعلان اتفاق مصر وروسيا على إجراء مناورات عسكرية مشتركة، لتعزيز جهود الدولتين لمكافحة الإرهاب وإجراء تدريبات بحرية مشتركة. ونقل عن شويجو، في تصريحات نشرتها وكالة "إيتار تاس" الروسية، أنَّ موسكو تسعى لتطوير العلاقات بين القوات المسلحة المصرية والروسية لما فيه من مصلحة لأمن البلدين، وأنَّ التدريبات المشتركة بين البلدين من أهم انواع التعاون العسكري، بما فيها التعاون الجوي والبحري والجوي وأيضا البري، مقترحًا إضافة تمارين مكافحة الإرهاب إلى المناورات المشتركة بين البلدين والتي تتضمن المناورات البحرية، وقال: "لقد كانت مصر ولا تزال شريكًا استراتيجيًّا لروسيا في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وعلى ذلك فنحن مصممون على مواصلة التعاون الفعال معها في شتى المجالات". وربما كان استخدام توصيف الشريك الاستراتيجي لروسيا إشاره أخرى في رسالة بوتين السريه تمثل بلورة لشهور وسنوات من مد جسور التقارب المصري الروسي ويمثل أيضًا قفزة مشتركة لتجاوز ضباب ما بعد حادث الطائرة للتصدي لعواصف الخلاف مع المقاربة الغربية للتعامل مع الإرهاب وخطره على مصر والمنطقة، فالشريك الروسي يبدو الوحيد المقتنع بخطر ما يحدث في سوريا وليبيا على الأمن القومي لمصر ودول المنطقة بينما تقف أوروبا عند حدود اشتعال حدودها أو بالكثير بعض مدنها بتفجيرات إرهابيه ولا تعبأ بما يعانيه سكان جنوب البحر المتوسط جراء سياساتها.