في ظل عوالم قاتمة تمسك بخناق الكثير من الدول العربية، تشرق بارقة أمل قادمة من دولة الإمارات العربية الحبيبة، إذ تصعد إلى قمة رئاسة المجلس الوطني الاتحادي (البرلمان) سيدة جليلة، في سابقة لم تحدث من قبل في العالم العربي كله، هي الدكتورة أمل القبيسي، الأمر الذي ينبئ أننا أمام قفزة نوعية مدهشة في مجال احترام حقوق المرأة والاعتراف بمهاراتها الاجتماعية والإيمان ببراعتها السياسية. لم نلتفت للحدث بما يكفي في مصر ولا في العالم العربي، رغم أهميته القصوى، ذلك أن تطور الأمم مرهون دومًا بقدرتها على تمكين المرأة ومنحها الحقوق التي تليق بدورها وتقر بفرادتها، ورغم أننا في مصر عرفنا المجلس التشريعي منذ نحو 150 عامًا تقريبًا، فإننا لم نحظ بسيدة تترأس هذا المجلس على الإطلاق. لم تصل الدكتورة أمل القبيسي إلى موقعها المرموق من باب الصدفة، فقد نجحت في أول انتخابات برلمانية أجريت في الإمارات عام 2006، فكانت بذلك أول إماراتية وخليجية تدخل البرلمان عن طريق صناديق الاقتراع، ولأنها درست الهندسة المعمارية في جامعة الإمارات، ونالت الدكتوراه من المملكة المتحدة في التخصص نفسه فإنها تمتعت بنعمة الرؤية العلمية العقلانية لقضايا المجتمع، وهكذا حققت نجاحًا مشهودًا في المجلس. لذا لم يكن غريبًا أن تصبح الدكتورة أمل نائبة رئيس المجلس الوطني في الدورة الأخيرة، وبالمناسبة، فقد ترأس هذه الدورة مثقف موسوعي وأديب إماراتي متفرد هو الأستاذ محمد المر، ولعلها أيضا كانت المرة الأولى التي يرأس فيها برلمان دولة عربية رجل أدركته حرفة الأدب. لا ريب في أن نجاح أمل القبيسي في موقع نائب الرئيس في المجلس الوطني الأخير منحها خبرة وثقة واعترافًا بقدرتها على تولي رئاسة البرلمان في دورته الجديدة التي انطلقت قبل أيام قليلة، وهو ما كان وسط حفاوة بالغة من قبل القيادة والحكومة والشعب. لا يغيب عن فطنة اللبيب أن المرأة لا يمكن أن تحقق كل هذا المجد لولا إيمان القيادة السياسية بضرورة إشراكها في إدارة الوطن، وهو ما يثبته بحق الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، وبقية حكام الإمارات، لذا لا عجب ولا غرابة في أن تصبح هذه الدولة العربية العفية نموذجًا مدهشًا يجذب إليه سكان الأرض من كل بلدان العالم. في لحظة تنوير كاشفة كتب الشاعر الفرنسي لويس أراجون: (المرأة مستقبل العالم)، وها هي الأيام تثبت أن الإمارات أول دولة عربية تنتبه إلى مقولة أراجون، وتختار الدكتورة أمل القبيسي لتقود البرلمان. مع خالص الأمنيات بالتوفيق والسداد سيدتي الفاضلة.