لو كان الأمر يتعلق بالنظام الحاكم فى سوريا فلا أحد سوف يأسف على سقوطه بعدما ارتكبه من أخطاء وخطايا.. لكن القضية هى سوريا نفسها التى يجرى تدميرها تدميرا كاملا، التى يكشف العدوان الإسرائيلى الأخير عليها والتأييد الأمريكى له أن القضية لم تعد إسقاط نظام بل شطب سوريا من معادلة القوى فى المنطقة، وإدخالها جحيم الفوضى والتقسيم، بكل ما يعنيه ذلك من آثار استراتيجية على المنطقة كلها. منذ البداية كان هناك فريق مهم من قوى الثورة السورية يرفض «عسكرة» الثورة، ويدرك أن النضال السلمى هو الطريق الصحيح لحسم الموقف لصالح الشعب السورى، لكن قوى أخرى لم يكن هدفها إسقاط النظام فقط، بل تدمير سوريا والقضاء على قوتها العسكرية والاقتصادية وتأثيرها السياسى.. وربما وجودها كدولة موحدة بعد أن يغتالها الدمار وحروب الطوائف. عقب الغزو الأمريكى للعراق، كان الإعلان الرسمى بأن الهدف التالى بعد العراق هو سوريا!! لكن الخيبة القوية التى واجهتها أمريكا فى العراق، والتطورات المعاكسة فى المنطقة أرجأت العملية. مع مجىء أوباما كان المفترض أن تبدأ مرحلة مختلفة، وأن تتغير نظرة أمريكا للمنطقة. بعد اندلاع الثورات العربية التى فاجأت أمريكا وأسقطت أنظمة موالية لها كان القرار الأمريكى المهم بالتحالف مع تيار الإسلام السياسى، وفى مقدمته «الإخوان»، ودعم وصولهم إلى السلطة مقابل الحصول على التنازلات المطلوبة، وفى مقدمتها ضمان المصالح الأمريكية والإسرائيلية وإنهاء الصراع حول فلسطين، وفقا للرؤية الأمريكية التى ترى الأوضاع فى المنطقة كلها بعين إسرائيل وحدها!! عندما اندلعت ثورة الشعب السورى كان الأمل كبيرا فى نهاية سريعة وحاسمة لمصلحة قوى الديمقراطية والتقدم، لكن كان هناك من يخطط لإغراق سوريا فى بحر الدماء، ولإطالة أمد القتال حتى يتم تدمير سوريا تدميرا كاملا، وفى هذا الإطار يأتى العدوان الإسرائيلى الأخير.. ربما لإزالة بعض العراقيل أمام المخطط المرسوم، وربما يجر المنطقة إلى مرحلة أخرى من الصراع استغلالا للموقف العربى المتهالك فى هذه الفترة المضطربة من تاريخ الأمة. قبل أيام فقط من هذا العدوان الإسرائيلى كان وفد الجامعة العربية يشكر الإدارة الأمريكية على اهتمامها بالقضية الفلسطينية !!، ويعلن قبول مبدأ تبادل الأراضى الذى يعنى بقاء المستوطنات الإسرائيلية كما هى وبقاء القدس فى قبضة إسرائيل مقابل أراض فى الصحراء!! ومع أن المبدأ كان مقبولا قبل ذلك من جانب السلطة الفلسطينية فإن الجديد هنا هو القبول العربى الكامل، وبالأخص من جانب حكومات تستطيع إلزام باقى القوى الفلسطينية المرتبطة بها!! فى هذه الظروف يأتى العدوان الإسرائيلى ليؤكد أن المخططات الإسرائيلية الأمريكية ماضية فى طريقها، لا يهمها إسقاط النظام السورى أو بقاؤه، وإنما يهمها تدمير سوريا!! ولا يهمها استقرار المنطقة أو مصالح شعوبها، وإنما يهمها أن تبقى الفوضى وعدم الاستقرار حتى توضع الخريطة الجديدة للمنطقة وفقا للمصالح الأمريكية.. والإسرائيلية!! ولا يهمها أن تمتد النار من سوريا إلى بلدان عربية أخرى.. بل لعل هذا هو المطلوب!! وسط هذا كله لا ينبغى أن نفقد انتباهنا لخطة واحدة عما يجرى على أرض مصر، خصوصا ما يتعلق بجيش مصر.. الجيش العربى الوحيد من بين قوى المواجهة الذى ما زال ورغم كل ما حدث محتفظا بقدراته، وذلك بعد تدمير جيوش العراق وسوريا، وإنهاك جيوش عربية أخرى فى مواجهات داخلية قاسية، كما حدث فى الجزائر. لا ينبغى أن نفقد انتباهنا لحظة واحدة.. فزرع الإرهاب فى سيناء ليس بعيدا عن هذا المخطط، ومحاولة استنزاف قواتنا المسلحة فى معارك مفتعلة أمر مقصود، والحملة لتشويه جيش مصر الوطنى فى هذا الوقت بالذات أمر له مغزاه، وحين يتوافق موقف «الإخوان» بهذا الشأن مع الموقف الأمريكى كما عكسته تصريحات السفيرة الأمريكية مؤخرا.. فليس فى الأمر مصادفة!! وحين يتم الدفع ببعض الصعاليك من هنا أو هناك لإطلاق التصريحات التى تسىء إلى الجيش وقياداته، دون أن تتحرك السلطات الرسمية لمواجهة ذلك.. فعلينا أن نترك الصعاليك ونمسك بالفاعل الأساسى!! كل ما حولنا يقول إن علينا أن لا نفقد الانتباه لحظة واحدة.. العدوان على سوريا بداية لمرحلة جديدة من الحرب على مستقبل المنطقة. عصابات الإرهاب فى سيناء ليست بعيدة عن مخططات الأعداء. محاولة استهداف جيشنا هو عداء إذا جاء من الخارج وخيانة إذا كانت من الداخل.. آخر الرسائل لتوضيح المواقف جاءت من «الصديق الوفى» رئيس الكيان الصهيونى شيمون بيريز، بالأمس قال إنه يقدر الصعوبات التى يواجهها الرئيس المصرى، ويتمنى له كل التوفيق والنجاح!! لا أعرف كيف سيرد الأخ الرئيس على أمنيات السفاح الإسرائيلى، ولكن أعرف أن علينا، شعبا وجيشا، أن نستعد لكل الاحتمالات!!