كنت أعتزم الالتزام بتعليمات الأطباء وأتجنّب الفسيخ فى شم النسيم، تضحية كبرى ولا شك من واحد مثلى «ابن بحر» كما يقولون، يعيش على السمك معظم الأيام، وكان الفسيخ والسردين يجدان طريقهما لمائدته طوال العام، وليس فى شم النسيم فقط! كنت سأتجنب الفسيخ مرغمًا هذا العام، حتى قرأت آخر فتاوى فقهاء آخر الزمان الذين ابتلى بهم الإسلام ونكبت بهم أرض الكنانة. تقول «فتوى الفسيخ» إن أكل الفسيخ أو الرنجة إما حرام أو مكروه، ولكن الكارثة أن تأكلهما فى شم النسيم أو قبله بيوم، لأن ذلك يعنى الاعتراف بعيد القيامة، وتحذّر الفتوى من الإثم الكبير إذا احتفلنا بشم النسيم بأى صورة من الصور!! شم النسيم هو عيد المصريين جميعًا منذ آلاف السنين.. وما هو مطلوب فى الفسيخ والرنجة هو التأكد من سلامتهما من الناحية الصحية، وبعيدًا عن التحليل والتحريم باسم الدين المفترى عليه، أما ربط الموضوع بأعياد الإخوة الأقباط التى حذَّر «فقهاء الفسيخ» من تهنئتهم فيها، فليس إلا استمرارًا فى «التنطّع» الذى يسىء إلى الدين ويهدم فكرة الوطن! سأحتفل بشم النسيم مع كل المصريين، وسأتناول القليل من الفسيخ، وكم أتمنى لو سمحت الظروف بالذهاب إلى مدينتى بورسعيد، حيث أجمل احتفال بهذا العيد المصرى الأصيل، أشاهد زفة «الألمبى» وحرقه، وأسمع أغانى السمسمية، وأتابع كيف تجمع المدينة التى تعودت على النضال بين جمال الاحتفال بالربيع، وبين الموقف الوطنى الذى لم تتوقف عن إعلانه بشجاعة فى أى يوم أو تحت أى ظروف. الخطير أن «التنطّع» ينتقل من «فتاوى الفسيخ» إلى ما هو أدهى وأمَر، والجهل بالإسلام ينتقل من «تحريم الرنجة» إلى تحريم تهنئة الإخوة الأقباط بأعيادهم، والتطرّف لا يقف عند الموقف من شم النسيم، بل يمتد ليهدد الوحدة الوطنية، وليهدم أهم مؤسسات الدولة، وليسير بالبلاد خطوات على طريق «الصوملة» حيث كل فريق يدّعى أن الله قد اصطفاه، وأن باقى المجتمع ليسوا إلا كفارًا وملاحدة ذاهبين إلى جهنم وبئس المصير! تنطّع «فقهاء الفسيخ» وتطرّفهم وجهلهم بالإسلام وعداؤهم لمعنى الوطن وقيمة القانون.. كل ذلك تجسّد فى الحملات المنظمة لهدم مؤسسات الدولة، وفى الحرب التى تشاهد فصولها من ميليشيات الجاهلية ضد قضاء مصر العظيم، وضد صحافتها المستقلة، والآن.. ضد جيشها الوطنى الذى يمثّل حائط الصد الأساسى القادر على حماية الوطن من الوقوع فى الفوضى أو الحروب الأهلية على يد حكم فاشل وميليشيات لا تملك ما تقدّمه للوطن إلا التخلّف والإرهاب! «حملات الهجوم» التى بدأها «الإخوان» نثرًا وشعرًا ومن أعلى القيادات إلى أصغر الميليشيات، تتواصل الآن بواسطة «الكومبارس» الذين يلعبون أدوارهم الصغيرة بمستوى بائس من الرداءة وعدم المصداقية.. هؤلاء من أمثال الأخ أبو إسماعيل لا أحد يأخذهم مأخذ الجد، فآخرهم ذبح عجلًا ووزع لحمه ثمنًا لهتافات خائبة، ثم موبايل «فاصل شحن».. ودمتم! لكن الوضع يتغيّر، حين يصبح التهديد مرتبطًا بإعلان الخروج على الدولة، والاستعداد لمواجهة الجيش بالسلاح كما أعلن متحدث باسم أحد الأحزاب التابعة لتنظيم الجهاد! والوضع يتغيّر أكثر حين يكون هناك مَن يدعم مثل هذه الجماعات، لكى تعبث فى سيناء، وترتكب الجرائم ضد الدولة وجيشها، وتهدّد بنقل ذلك إلى كل أنحاء مصر.. ثم تقول إنها تنسق مع «الإخوان»، وأن مسئولين مثل خيرت الشاطر يطلبون منها المساندة فى الأزمات! أعرف أن الوضع معقّد وخطير، وأن الحسابات لا بد أن تكون دقيقة فى كل ما يتعلّق بجيش مصر المستهدف من قوى عدمية من الداخل والخارج. لكن -على الوجه الآخر- فإن استمرار هذه الأوضاع مستحيل. حين يكون الحديث علنيًّا من ميليشيات وتسليح خارج القانون.. وحين تكون سيناء خارج السيطرة. وحين يتم التطاول على جيش مصر والتهديد علنًا بالخروج لمواجهته. وحين نرى بوادر ذلك فى هجمات سابقة فى سيناء راح ضحيتها شهداء لم يتم القصاص لهم حتى الآن. حين يكون الأمر كذلك، فإن السكوت لا يعنى إلا فتح الطريق لتحويل مصر إلى «صومال» جديدة، أو إمارة تحكمها «طالبان» أخرى أو عصابة مثل «بوكوحرام». والشىء المؤكد أن مصر -شعبًا وجيشًا- لا يمكن أن تقبل هذا المصير!!