فى ظل أزمات اقتصادية خانقة، وتضييق سياسى على المشاركة فى الممارسة الديمقراطية، وغياب ملامح العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والحس المشترك والقيم الجماعية، يلوح الانتحار فى الأفق بالنسبة إلى من يشعرون بالقلق وينشدون الخلاص، ويريدون التعبير عن رفضهم لواقعهم الأليم. هذا ما يقوله د.ياسر ثابت فى كتابه «شهقة اليائسين.. الانتحار فى العالم العربى». يرى ثابت أن كتابه هذا ينظر فى أمر ظاهرة مقلقة، تستحق ما هو أكثر من الشعور بالأسى لأن من يُقْدمون على الانتحار ليسوا سوى إخوة وأحبة وأهل، ولأننا لا نريد أوطانا مصنوعة من خدر ومن مسؤولين يتشبثون بكراسى مثبتة بأوتاد فولاذية مغروسة فى أعناق الفقراء، كما يصف كتابه بأنه نداء استغاثة وجرس إنذار ودعوة للتفكر والنقاش الجاد والموضوعى لإنقاذ حياة هؤلاء الذين يفكرون فى الانتحار أو يُقْدمون عليه. ثابت يقول «هذه الظاهرة المؤسفة نهشت فى جسد الوطن العربى الكبير بتعقيدات واقعه، وثقل تجربته التاريخية، وأدت إلى حوادث محزنة، وأوضاع مأساوية، تستدعى النظر فى الأسباب، والبحث عن حلول، حتى نحمى أنفسنا وأحبتنا من خطر وموجة عارمة تصبغ أيامنا بالسواد»، وبعد أن يرى ثابت أن الانتحار هو شهقة اليأس وأنه هو الفعل الوحيد الذى يصبح الفاعل بعده جزءا من الماضى، يوْرد مقولة مصطفى لطفى المنفلوطى التى يقول فيها: «لا عذر للمنتحر فى انتحاره مهما امتلأ قلبه بالهم ونفسه بالأسى، ومهما ألمّت به كوارث الدهر، وأزِمت به أزمات العيش، فإن ما قَدِم عليه أشد مما فرّ منه، وما خسره أضعاف ما كسبه»، ويقول إن «الانتحار قد أصبح فى القرن العشرين شكلا من أشكال التضحية بالنفس واُسْتخدم كإحدى صور الاحتجاح، ثم انتشر شكل الكاميكازى والهجوم أو التفجير الانتحارى لأغراض سياسية وعسكرية تستند إلى مفهوم دينى لدى بعضهم يمجد مثلَ هذا العمل باعتباره ردا على أو استهدافا للمعتدين»، ويعدّد ثابت من أسباب الانتحار اضطراب الشخصية والإدمان والمشكلات الأسرية واحترام الذات، أما أهم أسباب الانتحار فهى المشكلات الاقتصادية كالفقر والبطالة وعدم الحصول على المهنة اللازمة أو فقدانها، وهناك أسباب أخرى كالأسباب البيولوجية ومنها اختلال التوازن الهرمونى خصوصا لدى الفتيات فى أثناء البلوغ. ثم يذكر ثابت عددا من أنواع الانتحار منها الانتحار الأنانى، الانتحار الإيثارى، والانتحار الفوضوى، كما يذكر أن إحصاءات منظمة الصحة العالمية للعام 2011 تشير إلى أن ليتوانيا تشهد أعلى معدلات الانتحار فى العالم، أما عربيا فقد تصدرت البحرين القائمة، تلتها الكويت ثم سوريا فمصر، كما تنتشر ظاهرة الانتحار فى موريتانيا واليمن ولبنان وغيرها، ثم يذكر ثابت عددا من المشاهير الذين أنهوا حياتهم عن طريق الانتحار من أمثال الكاتب اليابانى يوكيو ميشيما، والمغنية الإيطالية داليدا، الروائى الأمريكى إرنست هيمنجوى، الشاعرة الأمريكية آن سيكستون، الشاعر الروسى فلاديمير ماياكوفسكى، القاصة الإنجليزية فرجينيا وولف، الكاتبة الأرجنتينية الشهيرة مارتا لينش، ويذكر من المشاهير العرب الذين انتحروا الشاعر اللبنانى خليل حاوى، الأديب الأردنى تيسير السبول، الشاعر والرسام العراقى إبراهيم زاير، الشاعر العراقى قاسم جبارة، القاص والروائى مهدى الراضى، د.إسماعيل أدهم صاحب كتاب «لماذا أنا ملحد؟»، الشاعر صالح الشرنوبى، الشاعر منير رمزى، وتطول قائمة الأدباء والشعراء والمبدعين العرب الذين لجؤوا إلى الانتحار لينهوا حياتهم بأيديهم. وأحدثت ظاهرة الانتحار التى تزايدت معدلاتها فجأة فى مصر وفى أقطار عربية أخرى حالة من الدهشة والفزع لدى الرأى العام، أدت إلى التفكير فى ما يمكن أن تمثله هذه الظاهرة من خلل اجتماعى دفين، تكاد لا تشعر به النخبة أو يثير اهتمام الدولة والمسؤولين، وبعد هذه الجولة فى دنيا الانتحار يقول ثابت إن انهيار الفرد خطر يصيب وحدة الجماعة بالتصدع، وحين تفقد الحياة معناها بالنسبة لفرد بسبب أزمات وانكسارات الفردية الضائعة، تمتد آثار ذلك إلى العائلة والأصدقاء وربما المجتمع بأكمله، ومن فَهْم حجم الخطر وعواقبه، تبدأ رحلة التعامل السليم مع الانتحار: المفهوم والظاهرة، وقبل أن أضع النقطة الأخيرة أردد مقولة إميل سيوران التى يقول فيها: لا ينتحر إلا المتفائلون.. المتفائلون الذين لم يعودوا قادرين على الاستمرار فى التفاؤل، أما الآخرون فلماذا يكون لديهم مبرر للموت وهم لا يملكون مبررا للحياة؟