تقرير لمؤسسة خدمة أبحاث الكونجرس: أمريكا أخطأت بتدليل مرسى الذى يعزز سلطاته ويجب أن تضغط عليه حكومة قنديل رفضت القرض العاجل فى محاولة لابتزاز الصندوق للموافقة على القرض الذى طلبته كشف تقرير حديث أصدرته مؤسسة خدمة أبحاث الكونجرس الأمريكى بعنوان «مصر وصندوق النقد الدولى.. نظرة عامة وقضايا للكونجرس»، حصلت «التحرير» على نسخة منه، أن الكونجرس الذى يشرف ويخصص 1.55 مليار دولار سنويا ضمن معونة أجنبية ثنائية إلى مصر، يتابع عن كثب الوضع السياسى والاقتصادى فى مصر، بما فى ذلك التزام الحكومة ذات القيادة الإسلامية باتباع مبادئ ديمقراطية والحفاظ على السلام المستمر مع إسرائيل. وأشار إلى تدهور الظروف الاقتصادية فى مصر بسرعة منذ «ثورة» 2011، وخفض الغموض السياسى بشكل مفاجئ، وتدفق رأس المال الأجنبى إلى مصر، ورغم أن معدل النمو لا يزال إيجابيا فإنه تباطأ بشكل ملحوظ، ويواجه البنك المركزى خطر نفاد الاحتياطى الأجنبى، وارتفع معدل البطالة من 9.2% قبل الثورة إلى 12.3% فى 2012. يخشى كثيرون من صناع القرار والمحللين أن تعرض الظروف الاقتصادية الهشة فى مصر، انتقال البلد السياسى والاستقرار فى المنطقة إلى الخطر. وقال إن السلطات المصرية وصندوق النقد الدولى يجريان مفاوضات لما يزيد على عامين بخصوص قرض من الصندوق إلى مصر بقيمة 4.8 مليار دولار، مقابل إصلاحات اقتصادية، إذا نجحت، قد تدرأ الانهيار الاقتصادى وخلق نمو أكثر «شمولية». توصل صندوق النقد إلى اتفاقات مبدئية أولا مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى يونيو 2011، ومؤخرا مع الرئيس المصرى محمد مرسى فى نوفمبر 2012. برنامج نوفمبر 2012 كان ليوفر 4.8 مليار دولار مساعدة، وتبرعات أخرى بقيمة نحو 9.7 مليار دولار كتمويل إضافى بمجرد تفعيل برنامج صندوق النقد. لم يتم إتمام الاتفاق أو تنفيذه حتى الآن. وأضاف أن السلطات المصرية كانت مترددة فى الالتزام بإصلاحات اقتصادية قد تكون غير شعبية سياسيا، وقد تزيد من دين البلد. الضغط لتخفيض دعم الوقود مشكلة خاصة. على نطاق أوسع، يربط معظم المصريين برامج الصندوق منذ أواخر الثمانينيات والتسعينيات بنتائج اجتماعية عكسية. من جانبه، رفض الصندوق أى برنامج لا يتضمن مشروطية كافية تتفق مع سياسات إقراضه. أسهمت المخاوف السياسية المستمرة والغموض فى مصر فى تأجيل الحصول على القرض أيضا. وتابع أنه فى ظل عدم وجود اتفاق مع الصندوق، حصلت الحكومة المصرية مؤخرا على دعم مالى من ليبيا وقطر. ومع هذا، ربما توفر الأموال التى توفرها حكومات أخرى آلية تسوية، وربما تفشل فى ضمان معالجة السلطات المصرية التحديات الهيكلية الضمنية. وحسب التقرير، تمثل الولاياتالمتحدة الالتزام المالى الأكبر الوحيد لصندوق النقد، وبامتلاكها أكبر قوة تصويت فى الصندوق، تتمتع الولاياتالمتحدة بدرجة عالية من التأثير على قرارات صندوق النقد الدولى. إذا أراد الكونجرس تشكيل السياسة الأمريكية تجاه مصر فى صندوق النقد، قد يمرر قانون «تفويض تشريعى»، يوجه المندوب الأمريكى فى الصندوق لاستخدام «صوته وتصويته» للضغط من أجل سياسات معينة تجاه مصر فى الصندوق. قد يرغب النواب أيضا فى استخدام شروط الصندوق ك«مؤشرات» لوضع شروط للمعونة الاقتصادية الثنائية الحالية أو الجديدة إلى مصر. جزئيا، ترتبط مخاوف الكونجرس حول إعفاء الدين الثنائى بغياب اتفاق صندوق النقد. علاوة على أن الأسلوب التشريعى المقترح فى مارس 2013 الذى لم يتم تبنيه، ربما كانت لتربط المساعدة الاقتصادية الثنائية الأمريكية إلى مصر -بين أشياء أخرى- ببرنامج صندوق النقد. بعد عامين من الاضطرابات الاجتماعية والركود الاقتصادى بعد ثورة 2011 الشعبية، تواجه الحكومة المصرية ضغوطا اقتصادية خطيرة قد تؤدى إلى انهيار اقتصادى وربما إلى مستويات جديدة من العنف، إذا لم يتم حلها. القبول المصرى لقرض الصندوق قد يمهد الطريق إلى مزيد من المليارات ضمن مساعدات مالية من الجهات المانحة الثنائية والمتعددة الأطراف، ومن المحتمل أن يمنح أيضا مصر وقتا للعمل على استقرار نظامها السياسى والاقتصادى. فى الكونجرس الأمريكى ال113، اقترح نواب عددا من مشروعات القوانين التى قد تمنع أو تقيد أو تلغى المساعدة الأمريكية الثنائية و/أو مبيعات الأسلحة إلى مصر. يوفر هذا التقرير نظرة عامة على الوضع الاقتصادى فى مصر ما بعد الثورة، والمفاوضات بين مصر وصندوق النقد الدولى. كما يحلل سبب إثارة برنامج الصندوق للجدل فى مصر، والعلاقة بين برنامج صندوق النقد لمصر وأهداف السياسة الخارجية الأمريكية فى المنطقة. يناقش التقرير برنامج الصندوق من منظور خاص بالكونجرس، بما فيه كيف تم ربط رفع دين مصر ببرنامج الصندوق والتشريع الذى قد يضع شروطا على المعونة الاقتصادية الأمريكية الثنائية إلى مصر. تدهورت الظروف الاقتصادية فى مصر تدريجيا منذ ثورة 2011، مما أدى إلى تفاقم المناخ السياسى المصرى المستقطب بالفعل. لم يتمكن الجيش أو السلطات المدنية من استعادة الثقة فى الاقتصاد. غياب الأمن المستمر النابع من تدهور النظام أعاق الاستثمار. تتبادل الحكومة ذات القيادة الإسلامية والمعارضة الاتهامات حول الظروف الاقتصادية التى تزداد سوءا. ورغم أن أزمة مصر لم تصل إلى «نقطة تحول»، يوجد بعض المخاوف من أن الصدمات الاقتصادية مثل الانخفاص المأساوى للعملة أو الارتفاع المفاجئ فى تكاليف المعيشة، قد يؤدى إلى عنف فى الشوارع. فى ظل تباطؤ النمو، وارتفاع معدل البطالة، وتراجع احتياطات النقد الأجنبى، وتزايد عجز الميزانية، يرى كثير من الاقتصاديين أن مصر تواجه تحديين اقتصاديين رئيسيين: 1) الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلى على المدى القصير. 2) تنفيذ إصلاحات اقتصادية على المدى المتوسط لتوصيل النمو إلى شرائح واسعة من المجتمع، وتعزيز تنمية القطاع الخاص، وخلق فرص عمل. بغض النظر عن طرق التعامل مع المشكلة وتغطية عجز الميزانية، قد تعيد هذه الخطوة صياغة العلاقة المصرية مع صندوق النقد والبنك الدولى. هذا النهج من شأنه أيضا أن يبعث برسالة واضحة إلى المؤسسات المالية الدولية فى ما يتعلق بالحاجة إلى الانتقال من فترة القروض السياسية التى دعمت الكثير من الحكومات المستبدة، إلى إقامة علاقات أكثر توازنا فى العصر الجديد، ما قد يعتمد على مصالح الدول وحماية تنميتها الاقتصادية. ويشير التقرير إلى أنه بحلول ربيع 2013، ومع استمرار حالة عدم الاستقرار الاقتصادى، فإنه يبدو أن الحكومة المصرية لن تكون قادرة على انتظار الحصول على المساعدة من صندوق النقد الدولى لحين الانتهاء من الانتخابات البرلمانية التى من المتوقع أن يستمر تأجيلها حتى خريف 2013 لحين الانتهاء من المراجعة القضائية لقانون الانتخابات. وفى نفس الوقت فإن الرئيس مرسى حاول أن يستبدل مئات القضاة الذين يعتقد أنهم يحولون دون تنفيذ أجندته. وفضلا عن هذا، فإن ضمان الحصول على تأييد شعبى واسع لقرض صندوق النقد الدولى، وهو هدف سعى إليه عديد من أعضاء الصندوق، يبدو على مسافة بعيدة من الوصول إليه، مع انهيار الثقة بين الرئيس مرسى ومعارضيه بشكل كبير فى الشهور الماضية. اقترح صندوق النقد فى مارس من هذا العام إمكانية حصول مصر على مساعدات مالية عاجلة قصيرة الأجل من الصندوق للحيلولة دون حدوث انهيار اقتصادى وشيك. وكان من المتوقع أن تتخذ هذه المساعدات شكل قرض صغير قصير الأجل، وهو أقل بكثير من قرض ال4.8 مليار دولار الذى كان موضع التفاوض فى السابق. كان من شأن هذا الدعم العاجل أن يزود مصر بالكثير مما تحتاجه من السيولة النقدية فى المدى القصير لتمرير الانتخابات، بينما يعطى الحكومة الوقت للتفاوض على برنامج للصندوق على المدى الطويل. ومع هذا فحكومة مرسى رفضت فى النهاية هذه المساعدة العاجلة. وقال مسؤول غربى إن رفض حكومة مرسى هذا القرض العاجل كان محاولة ل«ابتزاز الصندوق لكى يعطى مصر القرض الذى طلبته». على النقيض فإن الرئيس مرسى دفع، حسب تقارير، بأن حكومته «قامت بالمطلوب» من أجل الحصول على برنامج طويل الأجل من الصندوق، وجهزت برنامجا إصلاحيا. وتضمنت الإصلاحات التى أعلن عنها فى بداية العام الجارى، على سبيل المثال، استئصال دعم الطاقة للشركات الصناعية على ثلاث سنوات، وزيادة سعر القمح وتنفيذ ضريبة تصاعدية على الملكيات الكبيرة. كما تم الإعلان كذلك عن إصلاحات لحماية القطاعات الهشة من المجتمع، بما فى ذلك خطط لتنفيذ برنامج للرعاية الصحية للأسر محدودة الدخل، وزيادة الحد الأدنى للإعفاءات الضريبية وزيادة المعاشات. لكن هذه الإصلاحات كان لها ثمن سياسى أيضا، فعلى سبيل المثال نجم عن خطط الحكومة لإصلاح دعم الخبز تهديد أصحاب المخابز بالإغلاق. فى نفس الوقت فإن إدارة أوباما أكدت الحاجة الملحة لأن تصل مصر إلى اتفاق مع صندوق النقد، وحساسية الوضع الاقتصادى والسياسى بشكل عام. وبينما تستمر المفاوضات مع صندوق النقد، فهناك تقارير بأن الحكومة المصرية تلقت وعودا بالحصول على مساعدات مالية فى أبريل من ليبيا (إيداعات بمليارى دولار فى البنك المركزى) وقطر (شراء سندات حكومية بقيمة ثلاثة مليارات دولار). يعتقد بعض المحللين أن الدعم المالى من الدول المجاورة يمكن أن يؤجل برنامج صندوق النقد مرة أخرى، فى حين أن آخرين يدفعون بأن هذه المساعدات يمكن أن تكون بداية برنامج لمزيد من المساعدات المالية، يشمل قرض صندوق النقد. التقرير يلفت إلى أن اليساريين المصريين، الذين يشكلون الآن العمود الفقرى للمعارضة السياسية لمرسى، هم الأعلى صوتا فى معارضة قرض الصندوق، ويقودهم حمدين صباحى، المرشح الرئاسى السابق، الذى أدان قرض الصندوق على حسابه على موقع «فيسبوك». بعض المحللين يعتقدون أن هناك حالة من عدم الاهتمام الشعبى الواسع بصندوق النقد، حيث أشار استطلاع أجرى فى أغسطس من العام الماضى أن نحو الثلثين فقط من المصريين كانوا على معرفة بالمفاوضات الجارية مع الصندوق. وقال التقرير أن هناك جدالا داخل واشنطن حول ما إذا كان قرض الصندوق يمثل فرصة للولايات المتحدة لممارسة النفوذ على الحكومة الإسلامية فى مصر للإقدام على سياسات تتفق مع مصالح وقيم الولاياتالمتحدة. البعض فى واشنطن يقول إن حاجة مصر للحصول على مساعدات خارجية يعطى الولاياتالمتحدة، وهى المساهم الأكبر فى صندوق النقد وصاحبة القوة التصويتية فيه، فرصة لربط الدعم الأمريكى لمصر فى صندوق النقد بالتزام حكومة مرسى بالمبادئ الديمقراطية واستمرار التعاون مع إسرائيل. وبعض المحللين لديهم مخاوف بشكل خاص من أن الرئيس مرسى، وهو قيادى سابق بجماعة الإخوان المسلمين، يبدو أنه يعزز سلطاته على حساب معارضيه من غير الإسلاميين، وهو تصرف يقولون إن إدارة أوباما يجب أن تعبر عن عدم قبولها به. وهؤلاء يرون أن الدعم الأمريكى لاتفاق مع صندوق النقد فى خضم ما يبدو أنه ديكتاتورية إسلامية صاعدة سوف يمثل انتكاسة للديمقراطية فى مصر ما بعد حسنى مبارك. ويستشهد التقرير بروبرت كيجان وميشيل دن من المجلس الأطلسى اللذين كتبا يقولان إن «الولاياتالمتحدة ارتكبت خطأ استراتيجيا بتدليلها مبارك، وتسبب رفضه فى تنفيذ الإصلاحات فى قيام ثورة بميدان التحرير. ونحن نكرر الخطأ ذاته بتدليلنا مرسى فى هذه اللحظة الخطيرة. يجب على الولاياتالمتحدة أن تستخدم كل خياراتها -الدعم العسكرى والاقتصادى والنفوذ الأمريكى فى صندوق النقد وغيره من المؤسسات المالية الدولية والمانحين الدوليين- لإقناع مرسى بالتوصل إلى حلول وسط مع المعارضة وقادة المجتمع المدنى بشأن القضايا السياسية وقضايا حقوق الإنسان وإعادة بناء قوات الأمن ووضع الاقتصاد على الطريق الصحيح». والكونجرس الأمريكى ربما كان يعكس الانقسام فى الآراء فى واشنطن بشأن أفضل سياسة يمكن أن تنتهجها الولاياتالمتحدة تجاه مصر فى صندوق النقد. بعض أعضاء الكونجرس الذين يعارضون المساعدات الأمريكية المستمر لمصر ربما يرفضون أى دعم حالى أو مستقبلى من الصندوق لمصر. وهناك آخرون يعتقدون أن تقديم أى مساعدات إضافية إلى مصر فى المستقبل سواء خلال الصندوق أو بشكل مباشر، يثير عدة مخاوف. وهم يخشون من أن التعجل فى دفع مصر إلى الاستقرار يمكن أن يجعل الإدارة متساهلة جدا مع حكومة مرسى فى ما يتعلق بالإصلاحات التى تريدها واشنطن.