في ظل غياب حرية تداول المعلومات، وصمت أجهزة الدولة الرسمية شبه التام عن إصدار بيانات أو تصريحات مسئولة عن قضايا ذات طبيعة خاصة تمس المؤسسة العسكرية من قريب أو بعيد، هنا يقع الكثيرون في مصيدة نشر وترويج الشائعات، وتلتزم القلة بإذاعة الحقائق المجردة والبحث والتقصي وراء القضية لعرض المعلومات والتفاصيل الغائبة أمام الرأي العام، وفي نهاية الأمر يقع كل من ينشرون المعلومات الموثقة بالحقائق والأوراق والمستندات ويروجون لما يطلق عليه "أخبار كاذبة تمس الأمن القومي"، تحت سيف المادة الملغومة في الدستور (204) نيابات عسكرية، الواردة ضمن الفرع الثالث في الباب الخاص بالقضاء العسكري. المادة (204) التي يحاكم بسببها الصحفي حسام بهجت في النيابة العسكرية بعد إقرارها في دستور 2014 تحت بند (204) قضاء عسكري والتي لم يكن بهجت المدني الوحيد الذي يُحاكم بسببها أمام القضاء العسكري، وهناك ما يقرب 11 ألف مدني مثلوا أمام المحاكم العسكرية في أقل من 8 شهور، حسب تصريحات رئيس هيئة القضاء العسكري في سبتمبر 2011، فضلًا عن إحالة المئات من المدنيين لمحاكمات عسكرية بعد أحداث 30 يونيو 2013 بما يهدر حقوق أساسية للمتهمين في الوقوف أمام قاضيهم الطبيعي والذين حصرهم موقع "ويكي ثورة" في 874 مدنيًا تعرضوا لإجراءات المحاكمات العسكرية على خلفية جنائية، بالإضافة إلى نحو 376 من المحاكمين عسكريًا على خلفية قضايا سياسية وذلك في عهد الرئيسين عدلي منصور وعبدالفتاح السيسي. مادة 204 وأزمة إقرارها البداية كانت منذ عامين داخل ساحة مجلس الشورى حينما وافقت لجنة الخمسين لتعديل الدستور على مقترح القوات المسلحة بشأن إدخال تعديلات على نص المادة 174 من الدستور الخاصة بالقضاء العسكري والمحاكمات العسكرية للمدنيين، وتعديلها بنص آخر جديد (204) في دستور 2014 ينص على أن القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في كل الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومن في حكمهم، والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء خدمتهم. ولا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم التي تمثل اعتداءًا مباشرًا على منشآت القوات المسلحة أو معسكراتها أو ما في حكمها أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد أو الجرائم التي تمثل اعتداءًا مباشرًا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمالهم الوظيفية، وما يكلفون به من أعمال وطنية. مادة مطاطة وغياب للمحاكمات العادلة ذلك النص الذي رفضه عشرة من أعضاء لجنة الخمسين آنذاك، وجمدوا عضويتهم داخل اللجنة لحين الفصل في قرارهم، أبرزهم الناشط السيناوي مسعد أبو فجر الذي انسحب من الجلسة أثناء مناقشة تلك المادة التي وصفها ب"الكارثية" و"المطاطة" وتكمم أفواه المدنيين وتجعل المؤسسة العسكرية دولة داخل الدولة لا يقترب منها أحد بالنشر أو التحقيق، فضلًا عن افتقار القضاء العسكري إلى كثير من الضمانات الأساسية للمحاكمات العادلة والمنصفة ومن ثم تحويل مصر إلى ما يشبه الثكنة العسكرية. وأوضح ناصر أمين، مدير مكتب الشكاوي بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، وأحد أعضاء لجنة الخمسين المنسحبين من مناقشة المادة، أن مسطرة القانون الطبيعي ترفض محاكمة المدنيين أمام المحاكم والنيابات العسكرية، ولكن بعد إدخال التعديلات التشريعية الأخيرة التي تم إقرارها في دستور 2014 المتعلقة بالتعرض للمؤسسة العسكرية ونشر أخبار عن القوات المسلحة، فإن هذا ينطبق على حالة حسام بهجت وغيره من المدنيين المحالين للنيابات والمحاكم العسكرية. حالة طوارئ غير معلنة أعلن أمين في تصريحات له عن أسباب انسحابه من اللجنة؛ بسبب تعديلات المادة التي وصفها بالملغومة وإجازة محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري فقط فيما له علاقة بالقوات المسلحة ومنشآتها ومعداتها وأفرادها، مضيفًا أن عبارة "ومن في حكمهم" مطاطية يدخل تحتها عشرات التهم التي تتسبب في محاكمة المدنيين عسكريًا حال تعرضهم لتصوير الجامعات والوزارات والهيئات والمرافق العامة التي تدخل تحت بند "ومن في حكمهم"، ومن ثم فلا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم المباشرة بحسب تعبيره!! وذكر: "هذا القانون يُطبق على كثيرين ويوسع بشكل كبير دائرة التجريم واختصاص القضاء العسكري ليشمل جرائم التعدي على طيف واسع من المنشآت والمرافق العامة، بما فيها محطات وشبكات وأبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والكباري وغيرها من المنشآت والمرافق والممتلكات العامة وما يدخل في حكمها ويحاكم الأفراد على معلومات وأخبار واتهامات منشورة تتعلق بنشر صور أو أخبار تخص تلك المنشآت أو بعض أفراد المؤسسة العسكرية، رغم أن هذا شيئ غير مُجرّم، خاصة إذا كان موثقًا بالأدلة والأوراق وقرارات الإتهام". واختتم: "القانون يعد حالة طوارئ غير معلنة، عبر الالتفاف على قيد دستوري بتكليف القوات المسلحة بحماية المرافق العامة مع الشرطة وما يترتب عليه من مثول مدنيين أمام قضاء عسكري بدلًا من قاضيهم الطبيعي".