قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أمس، إن الموقف المصري يتطابق مع الموقف السعودي بشأن الملف السوري، مؤكدا أن تطبيق اتفاق جنيف 1 يبقى المرجع الرئيسي لحل الأزمة، وإلى نفس المعنى ذهبت تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري. ولكن هل التطابق الذي تحدث عنه وزيرا الخارجية حقيقي أما من باب دفع الحرج؟ في الرد على إجابة السؤال، يبدو أن التصريحات كانت تنطوي على دبلوماسية زائدة، لأن تصريحات الوزيرين تجاه نفس القضية أتت في طرق مختلفة تماما، ولنأخذ الموقف من الضربات التي تنفذها روسيا في الأراضي السورية كمثال. فقد أكد شكري ترحيب مصر بالعملية العسكرية الروسية في سوريا، مشيرا إلى الرغبة الروسية القوية في مكافحة الإرهاب، ومحاصرة انتشاره في سوريا. وأوضح وزير الخارجية المصري، أن ما لدى مصر من معلومات من خلال الاتصالات المباشرة مع موسكو تؤكد تصميم روسيا على مكافحة الإرهاب ووقف انتشاره، مشيرا إلى أن هدفها هو توجيه ضربة قاصمة ل "داعش" في سوريا، وهو ما لقى إشادة من فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري، الذى دعا إلى "ضرورة استعادة حرارة العلاقات المصرية السورية لوجود عدو مشترك هو الإرهاب"، حسبما نقلت عنه وكالة الأنباء السورية. في المقابل طالبت السعودية، روسيا بوقف ضرباتها في سوريا، وقالت إنها أدت إلى سقوط ضحايا من المدنيين كما لم تستهدف مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الذي تقول موسكو إنها تتصدى له. وفي كلمة ألقاها بمقر الأممالمتحدة في نيويورك قال مندوب السعودية في الأممالمتحدة عبد الله المعلمي، إنه لا يمكن لروسيا وإيران الحليفة الرئيسية الأخرى للأسد ادعاء محاربة "إرهاب" الدولة الإسلامية وفي الوقت نفسه مساندة "إرهاب" النظام السوري. ثم نتحول إلى النقطة الجوهرية في الصراع السوري وهو مصير الرئيس بشار الأسد، فقد قال المتحدث باسم الخارجية المصرية المستشار أحمد أبو زيد، في 17 أكتوبر، أن مسألة بقاء الرئيس بشار الأسد أو عدمه أمر يحدده الشعب السوري. وفي المقابل، أعلن الجبير، يوم 1 أكتوبر، أن على الأسد أن يرحل أو أن يواجه «خيارا عسكريا». وأعرب الجبير، فى حديثه إلى الصحفيين على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، بنيويورك، عن رفضه للمبادرات الدبلوماسية لروسيا الداعمة للنظام السورى والتى دعت إلى قيام تحالف دولى ضد تنظيم «داعش»، مؤكدا أن موسكو بإمكانها الانضمام للتحالف الدولى الموجود بالفعل إذا أرادوا مواجهة «داعش». وأكد الوزير السعودى أنه «لا مستقبل للأسد فى سوريا»، موضحا أن «هناك خيارين من أجل تسوية فى سوريا، الأول هو عملية سياسية يتم خلالها تشكيل مجلس انتقالى من دون الأسد، والثانى هو الخيار العسكرى، والذى ينتهى أيضا بإسقاط بشار الاسد». وتوحي المواقف المصرية والسعودية الأخيرة من تطورات الأزمة السورية، إلى توجه جديد في سياسة القاهرة تجاه حليفيها الغربي والسعودي مقابل تفاهم أكبر مع بوتين والأسد. كما أن السعودية تدعم وتسلح الفصائل السورية المعارضة التي تحارب قوات الجيش السوري، فيما ترى مصر أن استمرار تسليح الأطراف المتحاربة في سوريا يزيد الأزمة اشتعالا ولا تسهم في جهود الحل السياسي. واختلفت تفسيرات الموقف المصري بين من اعتبره زيادة المخاوف من صعود تيار إسلامي إخواني إلى السلطة في سوريا بعد سقوط الأسد، ومن يرى فيه استياء مصريا من إخفاق التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة على مدى أكثر من عام في القضاء على التنظيمات الإرهابية، في المقابل تدعم السعودية "جيش الفتح" المكون من فصائل إسلامية على رأسها جبهة النصرة المحسوبة على تنظيم القاعدة، وحركة أحرار الشام. ويرى أحمد بدوي الخبير في شؤون الشرق الأوسط، أن هدف مصر الأساسي في الوقت الحالي هو الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وعدم وصول الإسلاميين للحكم. ويصف بدوي موقف القاهرة هذا ب "الإيديولوجي". ويضيف بأنه في ظل "عدم وجود ثورة شعبية تستطيع التخلص من النظام السوري" نرى أن مصر "ترحب بأي جهد يساهم في تقوية النظام السوري". واتفق معه بشير عبد الفتاح، الأكاديمي والباحث في مركز الأهرام، موضحا أن مصر لديها تخوفات من صعود تيار إسلامي "إخواني" في سوريا في حال سقوط الأسد، وهذا يبرر أيضا التحول المصري. ويعطي سببا آخر لهذا التحول قائلا: "صحيح أن القاهرة كانت ضد أي تدخل خارجي في سوريا لكنها لاحظت على مدى أكثر من عام من ضربات التحالف الدولي ضد داعش أنه لم يتم تحقيق أي نتائج بينما لمست في التحرك الروسي الآن ما يمكن أن يكون بداية للقضاء على الإرهاب خاصة مع استمرار تآكل الثقة بين واشنطنوالقاهرة". وفيما يتعلق بمدى تأثير هذا التحول المصري على العلاقات مع السعودية يقول بشير عبد الفتاح، "العلاقات العربية العربية حاليا تتسم بمرونة كبيرة. هناك تسامح وتقبل للاختلافات في وجهات النظر. وبالمناسبة ليست هذه المرة الأولى التي تختلف فيها وجهات النظر بين الحليفين فمواقفهما من بقاء الأسد والحل العسكري ودعم السعودية لبعض الأطراف المعارِضة، شكلت نقاط اختلاف منذ بداية الأزمة السورية". وفي المقابل، قال سفير خليجي في الرياض، لم تكشف صحيفة "القدس العربي" عن هويته، «إذا كانت للقاهرة موقف مغاير عن الموقف السعودي بشأن الأزمة السورية فهي حرة، ولكن هذا لايعني التطاول ومهاجمة موقف الآخرين». واعتبر رئيس التحرير السابق لصحيفة "الشرق الأوسط" الممولة سعوديا، طارق الحميد، في مقال له نشرته نفس الصحيفة، أن "هناك إشكالية حقيقية إن كانت مصر تصدق أن الروس جادون في محاربة الإرهاب"، بل ذهب إلى أكثر من ذلك مشيرا إلى أن "التصريحات المصرية تظهر تعاونا، حتى لا أقول تعاطفا مع المجرم بشار". وأضاف أن القاهرة "لا ترى أن جرائم بشار كانت السبب فيما وصلت إليه سوريا، والأسد هو الراعي الرسمي للإرهاب وسبب ظهور داعش"، معتبرا أن "هناك خللا كبيرا في فهم الأزمة المصرية"، وأن "الموقف المصري يظهر إشكالية توحي بأن القاهرة لا تكترث بالتنسيق الروسي الإيراني الداعم للأسد".