أحداث الجمعة، أول من أمس، فى محيط دار القضاء العالى بالقاهرة، وفى ميادين أخرى بعواصم الأقاليم، تضعنا أمام مشهد جديد سوف تكون له -بلا شك- آثاره الخطيرة فى الصراع الدائر على مستقبل مصر. ** أول ملامح المشهد أن جماعة «الإخوان» وهى تشن هجومها الآثم على قضاء مصر لم تجد آذانا مصغية من أحد، وهكذا ذهبت وحدها بمن حشدتهم من أنصارها، ومن شحنتهم فى أوتوبيسات الجماعة من الأقاليم! وهكذا وجدت الجماعة نفسها فى جانب، ومصر كلها فى جانب آخر ترفض الدعاوى الكاذبة التى تستهدف ضرب استقلال القضاء، وإخضاعه لأهداف الحكم الذى يريد فرض سيطرته على كل مؤسسات الدولة وفى مقدمتها مؤسسة القضاء. ** وثانى ملامح المشهد.. أننا أمام حكم فقد صوابه وهو يرى نفسه ينتقل من فشل إلى فشل آخر، ويدرك أن السقوط حتمى وأن النهاية قريبة. لقد أتيحت أمام الحكم كل الفرص لتصحيح مواقفه ولتعديل سياساته، ولكنه بدد كل الفرص وسار فى طريقه الذى لا يرى غيره.. طريق الهيمنة على الحكم، و«أخونة» مؤسسات الدولة، وإقامة الدولة الفاشية التى تتصور أنها قادرة على خداع الناس للأبد باسم الإسلام البرىء من كل الجرائم التى ترتكبها الجماعة، وهى تدمر وطنا بحجم مصر لكى تقيم إدارة بحجم طالبان!! ** وثالث ملامح المشهد.. أننا أمام نظام يسوق مصر إلى العنف عامدا متعمدا، وأمام جماعة كانت الميليشيات وفرق الاغتيال جزءا من تكوينها منذ نشأتها. وها هى تصل إلى السلطة، فإذا بها تلجأ إلى الميليشيات كالعادة، وإذا بها تغتال سلمية الثورة وتفتح أبواب الجحيم بدءا من أحداث الاتحادية التى ستظل علامة فارقة على الطريق الذى اختاره الحكم وهو يعرف أن العنف سيولد العنف المضاد، وأن الثورة لن تستسلم أبدا لاستبداد جديد مهما كانت التضحيات المطلوبة. ** ورابع ملامح المشهد.. أننا أمام نظام يقامر بكل ما تبقى لديه من أوراق لمقاومة السقوط. يدخل فى معارك مع كل القوى الوطنية. يصطدم بكل مؤسسات الدولة من القضاء، إلى الصحافة والإعلام، إلى الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية، إلى الجيش والمخابرات. وكلما اقترب خط السقوط غاب الرشد فى تصرفات النظام، ولجأ إلى العنف ومارس البلطجة وترك الميليشيات تفتح الباب للحرب الأهلية متصورا أن طريق الدماء سوف يمنع سقوطه!! ** وخامس ملامح المشهد: أن إنقاذ مصر من هذا الجنون قد أصبح مهمة لا تحتمل التأجيل، إن كل يوم يمر يعنى فشلا جديدا للحكم، وخطوة أخرى لتدمير الوطن. وإذا كان الحديث عن خطر الإفلاس الاقتصادى يستقطب اهتمام الكثيرين، فإن الكارثة الحقيقية هى فى هذا الإفلاس السياسى الذى يضع مصر فى يد قيادة بلا رؤية، ولا سياسات حقيقية، ولا هدف إلا «التمكين» والهيمنة على الحكم.. حتى لو كان الثمن هو تدمير كل مؤسسات الدولة وإشعال لهيب الحرب الأهلية. ويبقى السؤال الأهم: ماذا أعددنا لمواجهة ذلك؟! وكيف نقطع الطريق على الفاشيين الجدد قبل أن يدمروا الوطن، ويستكملوا مخططاتهم الكارثية؟! هذا هو السؤال الذى ينبغى أن تكون إجابته واضحة لدى كل القوى الوطنية. لم يعد هناك عذر لأى فريق سياسى يتقاعس عن مهمة إنقاذ الوطن. لم يعد هناك مجال للخلافات الصغيرة أو للطموحات الشخصية. الخطر على مصر أكبر مما يتصور الجميع، والنظام الذى يرى نهايته مستعد لإحراق كل شىء قبل السقوط، والشعب لن يتسامح مع القوى الوطنية إذا لم تكن جاهزة لتقديم البديل الذى ينقذ الوطن من جنون الفاشيين الجدد.. الآن قبل الغد أيها السادة، لأن كل يوم يمر -فى ظل الفاشية- لا يعنى إلا شيئا واحدا، وهو أننا نسمح للكارثة بأن تكتمل!!