بعد أن صدّعوا رؤوسنا بالاتهامات الباطلة لقوى المعارضة بأنها تعطى الغطاء السياسى لمن يرتكبون العنف! ها هم يكشفون عن وجههم الحقيقى ويقدمون الدليل الحى على أن حكم الإخوان والجماعات التى تقف وراءه، يؤسسون لحكم الميليشيات، ويجرون البلاد إلى جحيم الحرب الأهلية، فى غياب تام للضمير الوطنى.. ربما لأنهم قد أعطوا الضمير إجازة حتى يتم الاستيلاء على الحكم، وربما لأن الوطن عندهم يبدأ وينتهى عند حدود الجماعة والأهل والعشيرة، ولا شىء غير ذلك! عندما وقعت مذبحة «الاتحادية» توقفنا طويلًا أمام حقيقة أنها المرة الأولى التى يلجأ فيها الحكم إلى استخدام الميليشيات التى اقتحمت الميدان، لتمارس القتل والتعذيب فى حماية قصر الرئاسة، وهى تعلن على الملأ عن حقيقتها باعتبارها «رجالة مرسى فى الميدان»! قلنا يومها إننا بدأنا -رسميًّا- الطريق نحو حكم الميليشيات، واليوم تتسارع الخطوات لإغراق مصر فى هذا الجحيم.. فالدولة تتفكّك، ومؤسساتها تنهار، والحكم ينتقل من فشل إلى فشل، ويحاول استخدام الشرطة فى قهر الشعب، فينتهى الأمر ببدء المواطنين مسيرة العصيان المدنى وتمرد الشرطة والأمن المركزى. وبدلًا من إدراك حجم المأساة التى تخلقها سياسات الحكم الفاشلة ومخططاته للاستحواذ على مؤسسات الدولة، يتآمر الحكم وأعوانه وحلفاؤه بمستبقبل البلاد، ويفتح الباب على مصراعيه لانهيار ما تبقّى من مؤسسات الدولة، وإغراق مصر فى الفوضى والصراع المسلح بين ميليشيات نعرف أنها موجودة بالفعل، ولكنهم الآن يعطونها الاعتراف الرسمى والغطاء السياسى والقانونى! فجأة، يتذكّر ضابط الشرطة السابق الذى يحتل موقع النائب العام بالباطل، أن هناك مادة فى قانون الإجراءات تجيز للمواطن إذا تصادف وشاهد جريمة أن يساعد فى تسليم من ارتكبها ليد العدالة، أمر عادى يمارسه المواطن طوال عمره من باب الشهامة والمسؤولية، وجاء القانون ليحميه. لكن النائب العام القادم لموقعه بقرار باطل يجد فى هذه المادة القانونية مبررًا ليدعو المواطنين إلى تنفيذ هذا الأمر باعتباره واجبًا وطنيًّا، وهو يعرف جيدًا أن هذا التلاعب بالقانون لا يعنى إلا شيئًا واحدًا وهو فتح الباب لتكوين الميليشيات وإضفاء الشرعية عليها! فلم تكن صدفة أن يتوافق «اكتشاف!» النائب العام للمادة 37 هذه، مع إعلان بعض الجماعات التى تقول إنها إسلامية عن تكوين ميليشياتها الخاصة تحت اسم «اللجان الشعبية» لحفظ الأمن، بل إن بعضها أعلن عن عناوين المقرات وعن بدء العمل! ولم تكن صدفة أن يترافق «اكتشاف» النائب العام للمادة 37 هذه، مع إعلان أحد قيادات «الإخوان» عن مشروع قانون جديد لدعم إنشاء شركات خاصة كبرى للأمن وتسليح أفرادها وإعطائهم حق الضبطية القضائية.. وربما أيضًا حق قتل المعارضين من الليبراليين والديمقراطيين الكفار والملاحدة! ولم تكن صدفة أيضًا أن يترافق «اكتشاف!» النائب العام للمادة 37 «المباركة!» مع تهديدات قائد ميليشيات «حازمون» الأخ أبو إسماعيل، ومعه طارق الزمر القادم من عالم الإرهاب إلى دنيا السياسة، لجيش مصر الوطنى الذى لم يبق لمصر من أعمدة الدولة غيره! ولم تكن صدفة أيضًا أن يترافق «اكتشاف!» النائب العام للمادة 37 مع الضجة التى أُثيرت حول تصريحات القيادة الإخوانية محمد البلتاجى، للباحث الأمريكى، بشأن إشرافه على ملف هيكلة جهاز الشرطة.. وهى الضجة التى أعادت إلى الأذهان تصريحات الأخ البلتاجى التى تزامنت مع مذبحة «الاتحادية» عن عشرات الألوف من المجهادين الجاهزين المنتظرين ساعة الصفر، والتى نقل البعض يومها عن خيرت الشاطر نفسه أنهم مئة ألف مقاتل! حين تتورّط أجهزة الحكم فى إضفاء الشرعية على الميليشيات، فإنها تفقد شرعيتها! وحين يلجأ الحكم وحلفاؤه إلى هذا الطريق.. فليس هذا إلا شهادة رسمية بالإفلاس السياسى والأخلاقى! وحين يتصوّر البعض أن الثورة التى قامت واستمرت وهى تتمسك بأنها «سلمية» يمكن إخضاعها والقضاء عليها عن طريق الميليشيات المسلحة، فهو يثبت أنه لا يتعلّم من التاريخ ولا يستفيد من دروسه! النظام الذى لا يجد وسيلة لبقائه إلا اللجوء إلى الميليشيات هو نظام يكتب شهادة وفاته. المهم الآن أن نكتب شهادة ميلاد النظام الذى يريده الشعب وتنتصر به الثورة.