التكهنات ما زالت دائرة، والوسط الثقافي المصري برمته ينتظر اسمًا جديدًا يضاف إلى قائمة وزراء ما بعد ثورة 25 يناير 2011 (تغيّر أكثر من 5 وزراء منذ عام 2011 حتى الآن) بعد استقالة رئيس الحكومة المهندس إبراهيم محلب، وتأكيد رحيل وزير الثقافة عبد الواحد النبوي، فالأخير يستعد للمغادرة ويلملم أوراقه، والمثقف المصري ينتظر لحظة إعلان تشكيل الحكومة الجديدة، ومن ثم وزير ل"الثقافة" التي يشبهونها بالصندوق الأسود. المثقفون في مصر يعرفون جيدًا أن وزارتهم بائسة وكارثية، إذ يشبهونها بصندوق أسود لطائرة مفقودة، وحين يقولون إنها بئر لا يجف فيها الفساد والإهمال، يتركونها ويهربون إلى شوارع وسط المدينة، فهناك كانت المقاهي والمكتبات الخاصة أكثر رفقًا بأحلام المبدعين وأوراقهم وأقلامهم، هناك قتلوا البيروقراطية، وهزموا كل قيود المركزية، ووضعوا خيوطًا جديدة تصلح لإعادة هيكلة النشاط الثقافي، فأقاموا الندوات في الشوارع ونظموا المعارض التشكيلية في الميادين العامة، وألقوا الشعر والنثر على المارة دون تصاريح وقرارات إدارية تقتل الإبداع بداخلهم. الصبر كله نفد إبان عهد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، وبعد الثورة كانت تطلعات المثقفين نواة جديدة لوزارة حقيقة تعبر عنهم، لكن القيادات الداخلية التي أكل عليها الدهر وشرب استمرت وكانت باقية، رغم ثورة حقيقية للمثقف المصري في يونيو 2013 أمام وزارة الثقافة المصرية، وبعد تغيير أكثر من 5 وزراء منذ عام 2011 وحتى الآن. وزير الثقافة الأخير خيَّب آمال الوسط الثقافي هو الآخر، حقيقة كانت هناك تنبؤات تقول إنه لن يفعل جديدًا، لكن شريحة كبيرة كانت تراهن على هذا الرجل، وبين هؤلاء وهؤلاء يفشل أي وزير يأتي إلى كرسي الحقيبة الثقافية، إما بسبب المركزية والبيروقراطية العفنة، وإما لأسباب أخرى تتعلق بالفساد «العتيق» داخل الوزارة وعدم إتاحة الفرصة للوزير في تنفيذ مخططه. الحالمون الآن على المقاهي يتبادلون الحديث حول ماهية الوزير الجديد وتوجهاته ومدي قربه وانتمائه إلى الوسط الثقافي، فوضعوا أسماء تعدّت العشرة، وراهنوا أن واحدًا منها سيكون وزيرًا للثقافة المصرية خلال ساعات. الأسماء على طاولات المقاهي الثقافية المصرية لم تخرج عن سعد عبد الرحمن، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة السابق، إذ قالوا عنه إنه يتمتع بصفات وخبرات طويلة تمكنه من إدارة حقيبة الوزارة، وكان هناك اتفاق على نجاحاته في أثناء رئاسته الهيئة داخل الوسط الثقافي. أحمد مجاهد، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب السابق، كان أبرز الأسماء المرشحة لتولي الوزارة، خصوصًا أن عدم تجديد انتدابه لرئاسة الهيئة أشعل ثورة المثقفين على الدكتور عبد الواحد النبوي، مبررين اعتراضهم على عدم التجديد له بأنه من أنشط قيادات الوزارة الفاعلين، وأن النبوي يحاول تفريغ الثقافة من قياداتها. الكاتب والمفكر حلمي النمنم، رئيس دار الكتب والوثائق، جاء فى مقدمة الأسماء المرشحة بقوة، خصوصًا أنه شغل العديد من المناصب القيادية بوزارة الثقافة، ولديه من الخبرة ما يؤهله لتولى هذا المنصب، إضافة إلى ما يتمتع به من ثقة عند جموع المثقفين. إيناس عبد الدايم، رئيس دار الأوبرا المصرية، تعتبر أحد الأسباب التي أشعلت اعتصام وزارة الثقافة في عهد الدكتور علاء عبد العزيز، بعد أن أقالها من منصبها، كما أنها إحدى القيادات التي لا ينكر أحد مجهوداتها فى دار الأوبرا المصرية، وإضافة إلى مجهودها في أن يكون حفل قناة السويس مظهرًا مشرفًا لمصر. المفكر والسياسي طارق حجي، قالوا إنه تركزت كتاباته على نشر قيم الحداثة، والديمقراطية، والتسامح وحقوق المرأة بالشرق الأوسط باعتبارها أفكارًا عالمية والسبيل الأوحد إلى تقدم المنطقة. الدكتور والمفكر مصطفي حجازي، مستشار رئيس الجمهورية السابق، طرح اسمه كونه واجهة مشرفة لمصر، ومتحدثًا لبقًا، ورجلًا مثقفًا، وخبيرًا دوليًّا فى مجال التطور المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي وحوكمة الكيانات الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما تحتاج إليه مؤسسات وزارة الثقافة هذه الفترة بعد أن دبَّت فيها العشوائية. الإعلامي أحمد المسلماني، كان أحد المرشحين السابقين لتولى حقيبة الوزارة قبل الدكتور جابر عصفور، وهو أحد الإعلاميين الذين يتمتعون بمصداقية لدى المصريين. من بين هذه الأسماء أيضًا الدكتورة منى ذو الفقار، كونها امرأة مصرية وناشطة حقوقية، إلى جانب خطابها الثقافي الموجه نحو محاولة التجديد، وعدم احتكار الدين على الأزهر، وقد يكون ذلك اتجاهًا تتطلبه المرحلة المقبلة. الدكتورة كامليا صبحي، رئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة، أبرز الأسماء المرشحة لتولي حقيبة "الثقافة"، إذ شغلت عددًا من المناصب، منها: ملحق ثقافي بسفارة جمهورية مصر العربية بباريس، ووكيل وزارة المجلس الأعلى للثقافة، ورئيس الإدارة المركزية للشُعب واللجان. وفي الأخير يأتي الدكتور أسامة الغزالي حرب، سياسي مصري، الذي كلّفه رئيس مجلس الوزراء السابق بتولي حقيبة الوزارة، إلا أن الوسط الثقافي ثار غاضبًا ورفض، كما شغل منصب رئيس مجلس أمناء حزب المصريين الأحرار، وكان عضوا بأمانة السياسات بالحزب الوطني قبل أن يستقيل اعتراضًا على سياسات الحزب وتباطؤ خطوات الإصلاح، وكان عضوًا بمجلس الشورى. رأسَ الغزالي حرب تحرير مجلة «السياسة الدولية»، وهو عضو مجلس شورى سابق ومستشار بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، كما أنه يعمل أستاذًا غير متفرغ للعلوم السياسية بجامعة قناة السويس وعدد من المؤسسات الأكاديمية الأخرى. وأخيرًا علمت "التحرير" من مصادرها أن هناك توجهًا لاختيار الدكتور سامح مهران، رئيس أكاديمية الفنون السابق، لتولّي حقيبة وزارة الثقافة، فسألنه إلا أن نفى ما تردد بشأن إسناد الوزارة إليه، مؤكدًا أنه لم يتلقَّ أي اتصالات من المهندس شريف إسماعيل، المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، بخصوص هذا الأمر، وأن الأمر مجرد توقعات لا أكثر. وأضاف مهران، أنه على أتم الاستعداد لهذا المنصب، لأنه تعوّد أن لا يخشى الأقدار وما تحمله الأيام له، موضحًا أنه في الأصل مبدع ويدرك جيدًا كل نقاط ضعف الوزارة وما يجب أن يعاد ترتيبه في البيت الثقافي المصري. رؤية المثقف المصري، وما ينتظره من الوزير الجديد تبلورت في عدة نقاط، أبرزها إعادة هيكلة المشهد الثقافي في مصر، وتوفير الدعم بشفافية للمبدعين، ووفقًا للملفات المطروحة وطبيعتها، وكذا التخلُّص من المركزية في الأنشطة الثقافية وتغيير القيادات القديمة كلها، والحاشية المتمركزة بالوزارة، تفعيل دور الثقافة الجماهيرية، إعادة الروح الثقافية إلى المسرح وقطاع الفن التشكيلي. الرؤية الثقافية كانت ضرورة ملحة لا بد من توافرها في وزير الثقافة القادم، وكذا معرفة ما الذي تحتاجه الوزارة، وسلبيات وإيجابيات كل الهيئات داخل الوزارة، وأن يعود بالمجلس الأعلى للثقافة إلى الدور الذى يفترض أن يكون عليه، لتجميع أفكار المثقفين فى جميع المجالات، لرسم الرؤى والسياسة الثقافية وتكون الوزارة فقط أداة لتنفيذ هذه الأفكار، والاهتمام بأن تكون الثقافة حقًّا للمواطن، وتلتزم الدولة بدعمها من خلال توزيع عادل يتجاوز المعوقات الجغرافية، والتركيز على السينما والمسرح والكتاب بما يكفل نهضة حقيقية في هذه المجالات.