تحاول الجماعة أن تعلق فشلها السياسى والاقتصادى والأمنى والإنسانى وفى مجمل إدارة شؤون الحكم فى رقبة الإعلام، وتحاول أن تتهم المصريين بالسذاجة لدرجة تصديق أكاذيب وادعاءات تنكر نجاحات وإنجازات لا يرون دليلا واحدا عليها وسط ما يعيشون ويعانون من كوارث وأزمات... يتضح الأمر أكثر فى عجائب وغرائب الخطابات الرئاسية الصادمة والمسفة للأسف، وبما اشتهرت به من أحاديث عن الأصابع والقرود والناموس والحمام والثعابين وغيرها من إشارات غامضة لا تفصح عن معنى أو مدلول.. وكان أَوْلى برئيس الجمهورية وهو يحدث شعبًا كالمصريين نص يليق بمقام رئاسة مصر وأن يفصح عن النجاحات والإنجازات ويواجه بالأخطاء وبحقيقة المؤامرات الخارجية والداخلية التى لم يتوقفوا عن التهديد بها وعدم الاكتفاء بإشارات مبهمة وغامضة، تؤكد أنها أوهام فى رؤوس من يتخيلونها وهروب من الاعتراف بالعجز والفشل وإحالة مسؤوليتهم إلى الإعلام! ولا أعرف هل المطلوب من الإعلام أن يجمّل واقعًا وصل إلى درجات من التردى والتراجع.. درجات لم يتخيل المصريون أن يصلوا إليها.. وهل ساعتها سيجد من يصدقه.. أم أن المعركة مع الإعلام أنه لا يهادن مخططات التمكين والتمكن من جميع مفاصل الدولة ويكشف وقائع وممارسات كان الأفضل لها أو المخطط أن تظل خافية لإسقاط ما تبقى قويا ومتماسكا من أعمدة قوتها وعلى رأسها مؤسسة الجيش، وأن يكف عن فضح الانتهاكات المتوالية للقضاء والاعتداءات السافرة على الفصل بين السلطات وأن يتوقف عن مواصلة إنعاش الذاكرة المصرية وإحياء الوعى بما يراد إحالته إلى النسيان من قصاص لجميع شهدائنا والكشف عن القتلة والمتواطئين والمتورطين! من الذى يجب أن يحاسَب ويجرَّم.. الإعلام أم المسؤولون وصناع الكوارث التى يعيشها المصريون والذين يريدون أخذهم بعيدا عن معاركهم المصيرية إلى معارك مصطنَعة وجانبية مثل هذه المعارك الساذجة والفاشلة التى تدار مع الإعلام المستقل؟ هل الإعلام هو صانع الإعلان الدستورى المفخَّخ؟ هل هو الذى عذب وسحل واغتصب وقتل وصعق وكسر رأس وضلوع محمد الجندى، وقتل محمد الشافعى والعشرات بالرصاص الحى، أم أن خطيئة الإعلام أنه قام بتعرية وفضح القتلة وكشف عن السقوط الأخلاقى والإنسانى والأحجام الحقيقية لمن كان يظن المصريون أنهم كبار؟! هل مطلوب من الإعلام أن لا يعرض رؤى ومواقف وخلاف واختلافات شباب الثورة وجميع التيارات السياسية والوطنية المعارضة، رغم أنه أصبح من الظواهر الإعلامية الآن أن لا يخلو برنامج من متحدث ومدافع عن الحزب الحاكم، ومع ذلك فمطلوب احتساب كل معارض للحكم متآمرًا عليه! أضف إلى مهمة الإعلام الصعبة، أنه يجدف ويبحث عن الحقائق فى بحور الظلمات أو وسط متاهات وتضليل متعمد يحاط به ما يصدر من قوانين أو قرارات أو يعلن عنه من مشروعات، ناهيك بالخفى وبما لا يتم الإعلان عنه، أو كأن عدم فهمه أو فهم ما وراءه هو المطلوب (مشروع الصكوك الإسلامية مثال)! هل يخطئ الإعلام عندما يقوم بمهمات التنوير والكشف والتبصير للرأى العام؟ (مثل المقال المهم للخبير الاقتصادى الكبير عبد الخالق فاروق، «الوطن» 2/4 بعنوان «مناطق الخطورة فى مشروع قانون الصكوك» تنتهى فيه الدراسة العلمية الخطيرة إلى أن الادعاء بأن كون الصكوك ستمكننا من الحصول على عشرة مليارات دولار فى السنة الأولى، هو محض هراء، وأنه يغيب عن هذا النظام المالى الأجهزة الرقابية القادرة على تقييم صحة عمليات الإصدار والتداول وتقييم الأصول وإعادة شرائها ويضعها كلها فى أيدى «هيئة شرعية» غير مسؤولة أمام المجتمع). يحلق الإعلام بجناحين، واحد منهما الأخبار والمعلومات، والثانى الرأى والتحليل، ومن لديه ما يكذّب أو يفنّد ما يُنشر أو يذاع فلماذا لا يصحح، بالأدلة الموثقة لا بالمهاترات المرسلة؟ وهل مطلوب من الرأى والتحليل أن يؤيد وينافق وإلا تَحوَّل إلى جزء من المؤامرة الكونية عليهم؟ لا يهزم الإعلام ويفقده مصداقيته إلا واقع ووقائق تكذبه ولا يخرسه قدر تناقض رسالته وبرامجه مع ما يعيشه ويحسه وينعم أو يتعذب به ويكابده الناس، فهل حقيقة تعرفون حجم ما يعانى ويكابده الناس؟ فرغم كل ما عاشوه من ظلم واستبداد مع النظام السابق لم يتصوروا بعد ثورتهم أن يصلوا إلى الأتعس والأشقى! مرة ثانية وعاشرة لا يمكن لإعلام مهما بلغت قدراته أن يفجر الغضب فى صدور شعب ارتاح واطمأن وبدأ يقطف بعض ما حلم وتمنى ودفع دماء وحياة أبنائه مَهرًا لثورته.. فإذا بالدم والقتل لأبنائه لا يتوقف.. وعلامات الخطر والتهديدات والاستفهام تملأ حياته، ويضيع ما عاش عليه المصريون دائما من أمن وأمان، ويقتل ضباطه وجنوده ولا نتائج للتحقيقات.. أثق أنه لن يطول الأمر حتى يتم كشف الأمر كما وعد الفريق أول عبد الفتاح السيسى، ورغم ما يبذل من محاولات للمراوغة! وما يدور فى الخفاء والعلن للوقيعة بين الشعب وجيشه الوطنى وشرطته وقضائه والصمت المريب على وقائع تهدد الأمن القومى واستقرار واستقلال وكرامة وسيادة هذا البلد.. وفى كل الأحوال ففى مواجهة الإعلام المستقل المتهم هناك قاعدة عريضة من إعلام يتبع الدولة.. ويواجه كثير من أبنائه مشكلة حقيقية الآن أن يعودوا ويؤكدوا ويرسخوا أنفسهم كإعلام للشعب ويؤدوا رسالتهم الإعلامية بموضوعية واستقلالية ويقاوموا أن تُهدَر آدميتهم وكرامتهم ووطنيتهم ومسخهم ليكونوا صورة جديدة من إعلام النظام القديم! معركة الحياة والموت التى يخوضها النظام للاحتفاظ بالنائب العام الذى عيَّنه رئيس الجمهورية، والتى تتقدم جميع المعارك والمصائب والكوارث التى تواجه مصر، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية وتسول القروض والودائع، والتهديدات التى بدأت نُذُرها بتوقف صرف مرتبات عاملين فى الدولة. معركة النائب العام التى تتقدم كل شىء.. تفرض عليك أن تتساءل عن القضايا والوقائع الخطيرة التى يريدون أن تظل خافية وبعيدة عن الاقتراب منها وكشف أسرارها.. الخوف والرعب من نائب عام مستقل يؤكد ما نعرفه أن ما خفى من أسرار التفاف وتآمر على الثورة أخطر وأبعد من كل تصوراتنا وشكوكنا ومما تسرب وما زال عما حدث فى الأيام الأولى للثورة، وكيف نُفذت مخططات السيطرة على أقسام الشرطة وإطلاق السجناء والمخططات التى تدار الآن للتغطية على قتلة جنودنا وضباطنا فى سيناء واختراق الجيش وتفكيك الشرطة وتكوين ميليشيات مسلحة خاصة، وأبعاد وشركاء المؤامرة التى أديرت فى بورسعيد، والعناصر الخارجية التى شاركت فيها.. وكما ألمح إليها قائد الجيش الثانى المحترم اللواء وصفى، وماذا عما يظهر ويختفى من اتفاقات سرية لتوطين الفلسطينيين فى سيناء، وآخرها حتى الآن ما نشرته صحيفة «روزاليوسف» عن الإعداد لتنفيذ المخطط الصهيونى لإدماج غزةوسيناء لإقامة إمارة حماس الإسلامية! هل الإعلام الذى يقدِّم مثل هذه المعلومات هو الذى يُدان ويهدَّد ويُتهم، أم من لا يقدمون للمصريين إجابات عن قضايا مصيرية ومصائب وكوارث قومية إذا ثبتت صحتها فهى خيانة عظمى؟ المصريون تحت كل هذه التهديدات والنظام المنشغل بمخططاته وتمكين جماعته يتصور أن معركة مع الإعلام هى الحل.. إنهم يؤكدون الفشل السياسى والاقتصادى والاجتماعى والإنسانى والإدارى الذى لم تعُد مصر تحتمل مزيدًا منه.. إنها ليست معركة إعلام ولكن معركة إنقاذ مصر من التدهور والأزمات التى تشهد كل يوم مزيدًا منها!