من الإسكندرية عروس البحر الأبيض جاءت هذه «العروسة» الشابة إلى القاهرة لتبحث لقدميها عن موقع فى ساحة الفن كمطربة وممثلة.. جاءت تسبقها أحلام الشهرة والمجد والنجاح وتلحق بها دعوات ودموع أم عجوز تخشى عليها مما تخبئه الأيام.. كانت عروس الإسكندرية هذه مؤهلة بالفعل للنجومية الفنية، فهى تمتلك صوتا جميلا وموهبة فطرية فى الأداء التمثيلى وتمتلك أيضا جمالا شكليا جذابا.. جمالا مصريا خمرى اللون، دقيق الملامح، رقيق القسمات والتقاطيع.. أهم ما لفت نظرى إليها منذ أن رأيتها للمرة الأولى هو حماسها الثورى الفياض وتمردها الغاضب على كل الأوضاع السياسية والاجتماعية وسبها كل رؤوس ورموز العصر الغابر الذى كنا نعيش فيه، فقد كانت صاحبتنا هذه من ال99٫9٪ من المصريين الذين يعيشون على هامش خط الفقر، وقد بدا لى هذا واضحا من فستانها البالغ التواضع ومن «شبشب زنوبة» الذى كانت تضعه فى قدميها الجميلتين. كانت ببراءتها وسذاجتها تتصور أنها بمجرد أن تصل إلى القاهرة -هوليوود الشرق- سوف تحصل على فرصتها وتحقق -بموهبتها واجتهادها- كل النجاح والشهرة، ولكنها اكتشفت أن ارتقاء «سلم المجد» فى عصور النساء لا يأتى عن طريق الموهبة، بل من خلال طرق أخرى تعرفها جيدا معظم «الزميلات» اللاتى سبقنها فى صعود «السلم» إياه.. وبمنتهى العناد والكبرياء رفضت ابنة الإسكندرية السمراء أن تدفع ثمن الصعود من جسدها الجميل الذى طمع فيه كل من قابلتهم من الرجال، بل ومن بعض النساء «إياهن» أيضا. رجال المال فى عصور الانحلال والانحطاط يريحون عقولهم الشيطانية ويمتعون أجسادهم المترهلة «المكعبرة» بإحدى وسيلتين، أو بالوسيلتين معا، الوسيلة الأولى هى شراء الكماليات الباهظة الثمن المستفزة كالماسات النادرة والقصور الفاخرة واليخوت والسيارات الفارهة.. إلخ، أما الوسيلة الأخرى التى يمتعون بها أجسادهم فهى أحضان الصبايا والنساء ذوات... ما كلكوا عارفين. فعلى فترات متكررة متقاربة يقيم هؤلاء الوجهاء حفلات ماجنة ملتهبة كحفلات ألف ليلة وليلة الأسطورية وذلك فى قصورهم الموجودة بمناطق تجمع أصحاب المليارات كالقطامية والمنصورية والساحل الشمالى وشرم الشيخ.. إلخ. وذات يوم التقت صاحبتنا السكندرية «أم شبشب زنوبة» بإحدى القوادات.. آسف أقصد المشرفات، وكان اللقاء صدفة فى محل كوافير.. وبعين الخبيرة الواعية رأت القوادة فى صاحبتنا خامة أنثوية رائعة قادرة على أن تسحر وتخبل عقول أصحاب المليارات إياهم بعد شوية تعديل وتظبيط و«نيولوك» وعلى الفور ألقت القوادة بشباك الإغراء والإغواء المالى على صاحبتنا التى أعلنت لها بإباء وشمم أنها لن تبيع جسدها بكنوز العالم. فشرحت لها الخبيرة الأمر ببساطة ووضوح قائلة: «شوفى يا حلوة.. الباشاوات الكبار بتوعنا ناس لطاف قوى وما بيغصبوش حد على حاجة.. إنت ممكن تحضرى الحفلات دى ترقصى لهم وتدلعيهم وتفرفشيهم بخفة دمك من غير ما تعملى أى حاجة تانية من اللى بالك فيها، وقصاد كده حتاخدى ألف دولار، يعنى ست آلاف جنيه مصرى فى سهرة واحدة ما تزيدش عن ساعتين تلاتة».. وهنا قالت السمراء الفاتنة وهى فى قمة التعجب وعدم التصديق: «ستلاف جنيه فى ساعتين تلاتة؟!».. فردت خبيرة ليالى الأنس قائلة: «ده فى الأول، لكن لما حيتبسطوا منك ويحبوكى حيطلبوكى بعد كده فى كل حفلاتهم، ومش حتبقى ملاحقة على الشغل ليلاتى، يعنى ممكن تطلعى لك فى الشهر بتلاتين ألف دولار يعنى حوالى 180 ألف جنيه مصرى، وأديكى برضه حتبقى محافظة على شرفك.. قولتى إيه يا حلوة؟».. وفغرت صاحبتنا فاهها من هول الذهول والازبهلال، وقبل أن تجيب بشىء أردفت الخبيرة النسائية قائلة: «أما لو حبيتى تعملى حاجة تانية من اللى بالك فيها فانت فى الحالة دى ممكن تاخدى من صاحب النصيب اللى إنت عايزاه حسب شطارتك، بس أقل مبلغ حتقبضيه مش حيكون أقل من خمستلاف دولار، يعنى ستين ألف جنيه فى نص ساعة بالكتير.. قولتى إيه يا أمورة؟.. وردت الأمورة قائلة: «.... خلينى فى الرقص والدلع والفرفشة، وبلاش الحاجات اللى بالى بالك دى».. وتمت الصفقة الناعمة على هذا الوجه السلس المقنع، وقبل أن تنصرف صاحبتنا السمراء سألت خبيرة الفرفشة قائلة: «لكن قولى لى يا هانم، هم الباشاوات دول بيجيبوا الفلوس دى كلها منين؟». وبدا واضحا أن باشاوات وأبطال عصر النهب والتهليب أعجبوا بصاحبتنا السمراء إلى أبعد الحدود، ففى فترة قصيرة جدا تبدلت أحوالها فأصبحت من صاحبات الشقق الفاخرة والسيارات الفارهة والحسابات الدولارية بالبنوك الأجنبية، كما أصبحت أيضا من نجمات الأفلام والمسلسلات والفيديو كليبات، حيث إن إخواننا الوجهاء إياهم ساعدوها وفرضوها بجاههم ونفوذهم على معظم المنتجين والمخرجين الزملاء.. وعموما فإن كل هذه التحولات والتغيرات الفجائية لم تكن تدهشنى، لأن كل شىء من الممكن أن يحدث فى عصور الفساد، ولكن ما أدهشنى حقا هو أن أرى هذه الفتاة السكندرية التى كانت ثائرة على النظام والأوضاع بكل عنف وشراسة تتحول إلى المعسكر الآخر وتهاجم الثورة والثوار علنا فى كل جلساتها الخاصة وأحاديثها العامة فى الصحافة والقنوات الفضائية.. ترى هل كان «الشبشب الزنوبة» له أثر فى انقلاب موقفها السياسى رأسا على عقب؟.. لقد كانت ثائرة على النظام والأوضاع وهى ترتديه ثم أصبحت ثائرة على الثورة ذاتها بعد أن خلعت «الشبشب» وخلعت معه أشياء أخرى من اللى بالى بالك.