المشهد السياسى كله تناقضات والإحساس العام هو أنه لا توجد شخصيات أو قيادات سياسية قادرة على اتخاذ قرارات تدافع عنها وتقنع الشعب بها سوى الرئيس عبد الفتاح السيسى. وعلى الرغم من دور الرئيس الفعال والقيادى فى مجالات متعددة وكذلك دور رئيس الوزراء، فهذا لا يكفى فى دولة بحجم مصر تتعدَّد مشكلاتها وتتنوَّع قطاعاتها الاقتصادية والاجتماعية، وبها مجلس وزراء كبير مكون من أكثر من 34 وزيرًا و27 محافظًا، بخلاف رئيس مجلس الوزراء. فالرئيس يحتاج إلى فريق من اللاعبين المساعدين من الوزراء والمحافظين السياسيين القادرين على تحمُّل مسؤولية بناء مصر. ودعونى أسرد بعض الأمثلة لقضايا أُثيرت فى الأشهر والأسابيع الماضية، وظهر من خلالها اختفاء دور الوزير السياسى البارز القادر على التصدّى لها وامتلاك زمام الأمور والحسم والإقناع، على الأقل فى مجال عمله وفى إطار مسؤولياته.. 1 نشرت الصحف فى الأيام والأشهر الماضية العديد من القضايا الخاصة بجرائم قتل متبادلة الأطراف ما بين ملاك ومستأجرى الشقق السكنية القديمة، وأحيانًا الجديدة، والسبب هو خلافات على الإيجار. القضية متكررة ولكن أطرافها متغيرون. فعلى الرغم من أن حكومات ما قبل 25 يناير حسمت موضوع العلاقة ما بين المالك والمستأجر للأراضى الزراعية، فإن العلاقة بين مالك ومستأجر المساكن القديمة، مشكلاتهما ما زالت قائمة، كما هى منذ بداية الستينيات. كما أننا نسمع يوميًّا عن انهيار عقارات قديمة، ولا تعليق من الحكومة على هذه الظواهر كأنها أمور طبيعية لا تستدعى أى اهتمام منها. لقد قام الرئيس عبد الناصر بإصدار عدة قوانين بتخفيضات فى الإيجارات منذ منتصف الخمسينيات حتى مطلع الستينيات. ثلاثة تخفيضات متتالية أدَّت إلى وصول إيجارات الستينيات إلى أقل من نصف مستواها فى مطلع الخمسينيات. واستمر الوضع على ما هو عليه حتى يومنا هذا بالنسبة إلى الإيجارات القديمة.. ولذلك استمرت أيضًا عملية تقادم وتآكل وانهيار العقارات القديمة فى غياب الصيانة الضرورية لتدنِّى الإيجارات لمستويات أقل ما توصف به أنها مذلة لأصحاب العقارات. لقد مر أكثر من 50 عامًا على آخر تعديل للقوانين المرتبطة بإيجارات العقارات القديمة.. وارتفعت فى هذه الأثناء كل الأسعار بأكثر من 1000٪، وارتفعت الأجور والدخول، وانخفضت قيمة الجنيه المصرى، فبعد أن كان يشترى 1 جنيه ذهب فى مطلع الخمسينيات، أصبح الجنيه الذهب أغلى من 2000 جنيه مصرى حاليًّا.. كل الأسعار ارتفعت، حتى أجور سكان العقارات القديمة، ما عدا أسعار الإيجارات القديمة، فهى الوحيدة التى لم ترتفع، فأصبح مالكها يفضل إبقاءها مغلقة إذا استعادها، حتى يستخدمها أبناؤه حين يكبرون. أو أصبح المالك يفضّل إهمال العقار متعمدًا ولا يصونه حتى ينهار ويتمكَّن من بيعه أرضًا.. فكيف يمكنه صيانة العقار إذا كان السكان لا يدفعون إيجارات مناسبة؟ والسؤال يصبح: أين دور وزير الإسكان من هذه القضية التى تعد من صميم اختصاصاته وعمله؟ فقضية توفير مسكن مناسب للمواطن المصرى والحفاظ على الثروة العقارية من التدهور والتآكل السريع من المفروض أن تكون من أولويات عمل وزير الإسكان. ولكننا لا نسمع أى حديث عن هذا الموضوع المهم فى الوقت الحالى. 2 طرح مؤخرًا قانون الخدمة المدنية بعد الدراسة والتنقيح والحوارات العامة لفترة طويلة. ومع ذلك كان صدوره سببًا فى سخط وتظاهر كثير من الموظفين فى الضرائب حتى فى الوزارة المعنية بالقانون (وزارة التخطيط). والسؤال هو: أين دور الوزير السياسى فى حوار مرؤوسيه وتوصيل الهدف والمنفعة المرتبطة بتطبيق القانون على العاملين بالدولة؟ لقد اختفى وزيرا التخطيط والمالية من المشهد تمامًا إلا فى بعض الحوارات التليفزيونية.. أما فى مناقشة قيادات المضربين فلم يوجد الوزراء.. أين الوزير السياسى؟ 3 تظاهر أمناء الشرطة فى الشرقية منذ عدة أيام وأغلقوا أبواب مديرية أمن الشرقية أمام قيادات الأمن، واستمرت المظاهرات لمدة يومين.. بدون تصريح بالتظاهر، ومن أشخاص (أمناء الشرطة) من المفترض فيهم الحفاظ على الأمن والنظام العام.. تم التفاوض معهم فى اليوم الثانى وانتهى الأمر وكأن شيئًا لم يحدث. ولم يُعاقب أو يُسجن أحد لمخالفة قانون التظاهر، بحجة أن أمناء الشرطة «لم يتظاهروا» ولكنهم «وقفوا وقفة احتجاجية» فقط، كما ذكر السيد المتحدث الرسمى لوزارة الداخلية! ألا تعد هذه ازدواجية فى المعايير؟ يسجن شباب لأنهم تظاهروا بصورة سلمية ضد قانون التظاهر وتقتل متظاهرة شابة دون أى سبب.. أما أمناء الشرطة الذين أوقفوا عمل مديرية الأمن بالشرقية فلا عقاب لهم! أين رئيس الوزراء ووزير الداخلية ووزير العدل من هذا التناقض فى المعاملة؟ فإما أن يتم سجن المتظاهرين من أمناء الشرطة لمخالفة قانون التظاهر، أو أن يتم الإفراج عن الشباب الذى اعتقل لأنه تظاهر سلميًّا ضد قانون التظاهر.. فالكيل بمكيالين لا يخلف سوى إحساس بعدم العدالة والتفرقة بين مواطن وآخر. نحن نحتاج إلى وزراء سياسيين قادرين على إقناع الشعب بقراراتهم، أو قادرين على اتخاذ قرارات شجاعة بتغيير قراراتهم، أو قادرين على الاعتراف بإخفاقهم وتقديم استقالتهم.