ماذا لو حدثت مقاطعة للحوم؟.. رئيس شعبة القصابين يُجيب    عاجل.. إيقاف مؤقت ل خدمات البنوك مع عودة التوقيت الصيفي    سفير ألمانيا بالقاهرة: المدرسة الألمانية للراهبات أصبحت راسخة في نظام التعليم المصري    الحوثيون يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكية وسفينة إسرائيلية    استشهاد الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم الشاطئ    4 مراحل.. كيف تعرقل إسرائيل دخول شاحنات المساعدات؟    السجن 10 أيام عقوبة جندى إسرائيلى تخابر مع إيران    جوهر وكيندي تتأهلان لنصف نهائي بطولة الجونة للإسكواش    المؤبد وغرامة 100 ألف جنيه لمتهمين بحيازة مخدرات في الإسكندرية    أحمد موسى: مصر قدمت تضحيات كبيرة من أجل إعادة أرض سيناء إلى الوطن    إجازات شهر مايو .. مفاجأة للطلاب والموظفين و11 يومًا مدفوعة الأجر    الأمم المتحدة تدعو لإصلاح النظام المالي للإسهام في تحقيق أهداف التنمية    رئيس جي في للاستثمارات لأموال الغد: 30 مليون دولار استثمارات متوقعة لاستكمال خطوط الإنتاج المطلوبة لسيارات لادا    قائمة يتصدرها ميسي.. نجوم العالم في انتظار جيرو بالدوري الأمريكي    علي فرج: مواجهة الشوربجي صعبة.. ومستعد لنصف نهائي الجونة «فيديو»    تعرف على تردد قناة الحياه الحمراء 2024 لمتابعة أقوى وأجدد المسلسلات    حفل ختام برنامجي دوي ونتشارك بمجمع إعلام الغردقة    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    خال الفتاة ضحية انقلاب سيارة زفاف صديقتها: راحت تفرح رجعت على القبر    البابا تواضروس يشيد بفيلم السرب: يسطر صفحة ناصعة من صفحات القوات المسلحة    رئيس جامعة دمنهور يشهد فعاليات حفل ختام مهرجان بؤرة المسرحي    حفل تأبين أشرف عبد الغفور بالمسرح القومي    في الموجة الحارة.. هل تناول مشروب ساخن يبرد جسمك؟    مدير «مكافحة الإدمان»: 500% زيادة في عدد الاتصالات لطلب العلاج بعد انتهاء الموسم الرمضاني (حوار)    وزير الاتصالات يؤكد أهمية توافر الكفاءات الرقمية لجذب الاستثمارات فى مجال الذكاء الاصطناعى    صراع ماركيز ومحفوظ في الفضاء الأزرق    السيد البدوي يدعو الوفديين لتنحية الخلافات والالتفاف خلف يمامة    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    دعاء الستر وراحة البال والفرج.. ردده يحفظك ويوسع رزقك ويبعد عنك الأذى    خالد الجندي: الاستعاذة بالله تكون من شياطين الإنس والجن (فيديو)    أمين الفتوى: التاجر الصدوق مع الشهداء.. وهذا حكم المغالاة في الأسعار    حكم تصوير المنتج وإعلانه عبر مواقع التواصل قبل تملكه    بروتوكول تعاون بين «هيئة الدواء» وكلية الصيدلة جامعة القاهرة    متحدث «الصحة» : هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنزل أثناء الموجة الحارة (فيديو)    منى الحسيني ل البوابة نيوز : نعمة الافوكاتو وحق عرب عشرة على عشرة وسر إلهي مبالغ فيه    بعد إنقاذها من الغرق الكامل بقناة السويس.. ارتفاع نسب ميل سفينة البضائع "لاباتروس" في بورسعيد- صور    «الزراعة» : منتجات مبادرة «خير مزارعنا لأهالينا» الغذائية داخل كاتدرائية العباسية    أزمة الضمير الرياضى    تعرف على إجمالي إيرادات فيلم "شقو"    العاهل البحريني ورئيس الإمارات يدعوان إلى تهدئة الأوضاع بالشرق الأوسط    منتخب الناشئين يفوز على المغرب ويتصدر بطولة شمال إفريقيا الودية    سيناء من التحرير للتعمير    فوز مصر بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    عيد الربيع .. هاني شاكر يحيى حفلا غنائيا في الأوبرا    توقعات برج الثور في الأسبوع الأخير من إبريل: «مصدر دخل جديد و ارتباط بشخص يُكمل شخصيتك»    بلطجة وترويع الناس.. تأجيل محاكمة 4 تجار مخدرات بتهمة قتل الشاب أيمن في كفر الشيخ - صور    هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية: تلقينا بلاغ عن وقوع انفجار جنوب شرق جيبوتي    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    خدماتها مجانية.. تدشين عيادات تحضيرية لزراعة الكبد ب«المستشفيات التعليمية»    مديريات تعليمية تعلن ضوابط تأمين امتحانات نهاية العام    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    الصين تعلن انضمام شركاء جدد لبناء وتشغيل محطة أبحاث القمر الدولية    تفاصيل مؤتمر بصيرة حول الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادي للمرأة (صور)    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    تقديرات إسرائيلية: واشنطن لن تفرض عقوبات على كتيبة "نيتسح يهودا"    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    «التابعي»: نسبة فوز الزمالك على دريمز 60%.. وشيكابالا وزيزو الأفضل للعب أساسيًا بغانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سوسن بدر.. سمراء من الجنوب!
نشر في التحرير يوم 27 - 08 - 2015

عندما وقعت عين المخرج الكبير، صاحب تحفة «المومياء»، شادى عبد السلام، عليها قبل قرابة أربعة عقود من الزمان، عندما كان بصدد الإعداد لفيلمه الروائى الثانى «إخناتون»، هل كانت ملامح سوسن الفرعونية هى ما استوقف عين شادى، فقرر أن تُصبح هى «نفرتيتى»؟
ربما كان ذلك صحيحا، هذه هى ما يطلقون عليها الطلة الأولى، التى تفتح فقط الباب، وتشير إلى أول الطريق، إلا أن هذا مع الزمن لا يكفى، سيذوب الانطباع الأول مع مرور الأيام فى لحظات، ويبقى ما هو كامن وراء تلك القسمات التى استحوذت علينا، لنكتشف هل تعبر عن حقيقة راسخة أم زيف سرعان ما يتبدد، الانطباعات الأولى على عكس ما يطلقون عليها، فهى فى المجال الفنى كثيرا ما تتبدد.
سوسن بدر فتاة لم تصل بعد فى تلك السنوات إلى العشرينيات من عمرها تحمل جمالا مصريا خالصا يشى بوضوح، وبما لا يدع مجالا للشك بأنها قد جاءت من الجنوب ب«جينات» فرعونية خالصة، فكانت تلك هو جواز مرورها المبدئى، ولكن المؤكد أن شادى فى الاختبارات الأولى وجد ما هو أبعد وأعمق من كل ذلك.
ورحل شادى عن عالمنا بعدها بسنوات بعد أن أجهضوا حلمه، رحل معه مشروع فنى استثنائى فى تاريخنا السينمائى، بعد أن رفض شادى أن يقبل تمويلا أجنبيا لإخناتون، أراده مثل «المومياء» مصريا وفقط، «المومياء» لم يكن فقط فيلما حقق نجاحا لافتا جعله محط أنظار شركات إنتاج خارج الحدود، لكنه كان ولا يزال أحد أهم العناوين المصرية بل والعربية فى العالم كله، العديد من المهرجانات تعيد عرض الفيلم عندما تبحث عن سينما مصرية لها خصوصية.
كانت سوسن تتأمل أستاذها فى مواقفه فى الحياة وليس فقط أفلامه، تكتشف بعدها أن الإنسان والفنان وجهان لعملة واحدة، فكان هذا واحدا من أهم الدروس التى تعلمتها سوسن، وهى أن تُضحى بأى حلم ما دام كان مشروطا بتنازل ما، ربما لم يكن شادى على صواب فى أن التمويل الأجنبى للفيلم يعنى بالضرورة تراجعا عن حلم، ولكن تلك كانت قناعاته، ولم يتبق من مشروع «إخناتون» إلا بقايا صور ل«نفرتيتى»، دور لم تؤده، لكنها خلعت مع الأيام تاج الملكة، وأبقت على الفنانة التى واصلت مشوارها، بدأب وإصرار وتفان، وظلت حتى هذه اللحظة تحمل بداخلها مخزونا يكفيها العمر كله من أستاذها الأهم والأروع شادى عبد السلام.
بين الحين والآخر تستعيد سوسن كلمات الأستاذ الذى كان بيته جامعة ترى فيها الكبار وهم يشاغبون الحياة، وكل منهم لديه إبداعه ولديه أيضا قناعاته وأفكاره وهكذا تعلمت أن تستمع، إلى كل هؤلاء، لا تتكلم فى حضورهم، لكنها تتأمل أفكارهم، لتنضج من خلال تلك الجامعة المفتوحة، التى كانت بطبعها تتسع لكل الأفكار، مما أدى إلى أن تلك الفتاة الصغيرة تعتنق مبدأ التعددية، حيث إن من حق كل الأفكار أن تنطلق، وغادرت بيت الأستاذ المعلم لتظل تسكنها مبادئه.
لا تنسى سوسن أبدا من منحها دفعة فى بداية المشوار، هناك من أشار عليها واختصر الطريق وكانت لديهم نظرة ثاقبة وهؤلاء لهم بصمات لا تُمحى، وأخذ بيدها فى مرحلة مواكبة لشادى، كان نور الشريف الذى غادرنا قبل أسابيع قلائل، فهو له دائما مكانة الأستاذ، كان فى طليعة من ساندوها مبكرا وهى لا تزال طالبة فى معهد المسرح، هؤلاء الذين اكتشفوا وهجا خاصا وإشعاعا داخليا قابلا للتوهج، كانت لا تزال تتحسس الخطوة الأولى، فقدمها نور الشريف للمخرج حسين كمال ليصبح «حبيبى دائما» نقطة انطلاق تختصر أمامها سنوات، تعلمت من نور أن الفنان يجب أن يقف وراءه مخزون ثقافى، وأصبحت قراءة الكتاب واحدة من أهم طقوسها اليومية، فهو حبيبها دائما، منحها هذا الفيلم دفعة انطلاق فى بداية المشوار الذى رأيناه مرصعا بالعديد من الأعمال الفنية، وفى كل المجالات سينما مسرح تليفزيون إذاعة، دائما تحمل سوسن ومضة ساحرة، تُجبر الجميع على الإنصات إليها، إنها القدرة على أن تمنح الشخصية الدرامية لمحة خاصة، فهى لا تبحث عن أداء عام صاخب للتعبير، بقدر ما هو نغمة هامسة خاصة ترشق مباشرة فى القلوب.
تعودت وهى فى تلك المرحلة أن تتعلم كيف تُنصت أكثر مما تتكلم، تستقبل أكثر مما تُرسل، وهكذا رأينا على خريطتها الإبداعية أسماء عديدة تدين لها سوسن بالفضل مثل المخرجة إنعام محمد على، التى استقبلتها وهى مجرد وجه جديد فوجهتها وعلمتها، ولم تكتف فقط بأن تمنحها دورا فى عمل فنى، لكن قدمت إليها منهجا عاما متكاملا تحاول أن تحاكيه، صعدت بها فى لحظة من ممثلة تؤدى مشهدا أو اثنين إلى بطلة اسمها يتصدر «التترات»، لم تكتف إنعام فقط بمنحها البطولة، لكن قدمت لها السر فى الإبداع، وهو التحدى، كثيرا ما قالت لها سوسن لن أستطيع سأفشل وكثيرا ما أكدت لها إنعام بل ستنجحين، إنه التحدى الذى هو الوقود لإشعال الإبداع، الرائع صلاح جاهين الذى أدخلها إلى محرابه الدافئ الثرى الذى يُشع فكرا، والمرصع بخفة ظل وألمعية لا تمحوها الأيام، سعاد حسنى التى كانت بمثابة درس عملى لها وجامعة مفتوحة تتعلم منها كيف أن الممثل فى لحظات عليه أن يُصبح هو الشخصية الدرامية، فهو لا يمثل أو يتمثل الشخصية، لكنه يُصبح هو الشخصية التى نراها أمامنا، سعاد خلف الكاميرا هى سعاد وفقط، لكنها أمامها هى بالضبط الشخصية، تتلبسها كل التفاصيل، علمتها فاتن حمامة الانضباط فى المواعيد، والتواضع فى التعامل مع الآخرين ومع المهنة، مهما تقدمت الصفوف فأنت لا تزال تلميذا.
علمها أشرف فهمى أن الفنان عليه أن ينسى أحزانه على باب الاستوديو، وإلا فإنه سيبدأ سلم الهبوط، ولا أحد يرحم الفاشلين أو يمنحهم فرصة ثانية، ولن يعذرها أحد مهما قالوا إن الإخفاق سببه عوامل خارجية، ستتحمل هى النتائج، تفاعلت بداخلها كل هذه الأفكار، لنجد أمامنا فنانة تبدو فى لحظات توهجها أمام الكاميرا وكأنها خلاصة فن أداء الممثل على الساحة العربية.
أتذكر أن عددا من المخرجين العرب جمعتنا فى أثناء تناول الغذاء جلسة فى مهرجان دمشق السينمائى وذلك قبل نحو عشر سنوات، وعلى الفور نشطت بداخلى حاسة الصحفى، وسألتهم من هى الممثلة السينمائية العربية الأولى، كلهم أجمعوا على أنها سوسن بدر، لم يكن الحديث للنشر، ولهذا احتفظت بالأسماء، ولكن تبقى الدلالة وهى أنهم وجدوا فى سوسن قدرة استثنائية، رغم أن كلامنهم يُطل بزاوية مختلفة على الفن السينمائى وعلى مفتاح قراءة فن أداء الممثل، بحكم تعدد جنسياتهم.
«الحلو مايكملش» مقولة صحيحة، لكن أحيانا يكتمل الجمال فى عدم اكتماله، لا تتعامل سوسن مع الفن بعقل يقظ يرسم ويخطط ويحدد الخطوة القادمة، ولكنها وبنسبة كبيرة تترك نفسها لرياح الفن وموجاته الهادرة تدفعها هنا أو هناك، ربما لا تدقق كثيرا فى التعامل مع المخرجين، ومن الممكن أن تتحمس لمخرج تعتقد أنه موهوب، فتكتشف فى أثناء تنفيذ العمل الفنى أنه موهوم، لا يضيف إليها شيئا، بل ربما يأخذ منها الكثير، فهو يحتاج إلى اسمها حتى يتكئ عليها لاستكمال مشروعه، إنها تبدو لى فى لحظات نموذجا صارخا لفنان عميق الموهبة، إلا أنه لا يمتلك فى بعض الأحيان «ترمومتر» الاختيار، ويترك رياح الفن تعصف به هنا أو هناك، دون أن يُمسك بيديه المجداف ويوجه الشراع، ورغم ذلك فإنك عندما تتأمل الحصيلة بحلوها الذى لا يخلو من مرارة ومرها الذى تتذوق فيه أيضا قدرا من الحلاوة، تجد نفسك فى النهاية أمام فنانة نادرة فى موهبتها حتى لو بددت جزءا منها فى أعمال فنية لا ترقى إلى ما تملكه حقيقة من موهبة، إلا أن ما أنجزته وما ينتظرها يستحق التكريم، وقبل ذلك التأمل، هذا النوع من الفنانين الذين تتعدد بداخلهم أنغام الأداء ربما لو كان العقل فقط هو الذى يحدد ويختار لضاع كثير، ولكن لديها نداء داخلى بين الحين والآخر تُنصت إليه وتنفذ ما يمليه عليها، سوسن فى النهاية لا تحمل غضبا ضد أحد، إنها تتسامح حتى مع تلك التجارب التى أُطل عليها من منظورى الشخصى، فأجدها لا تضيف إليها، ربما كانت من منظور آخر أكثر رحابة تضع رتوشا على الصورة، لكى تُكمل فى النهاية ملامح البورتريه، بعض الظلال هى التى تمنح اللوحة الحياة.
الجوائز التى تحصل عليها متعددة، والتكريم الذى كثيرا ما تناله ليس جديدا عليها، ولكن يظل بالتأكيد تكريمها من مهرجان «الإسكندرية» له سحر خاص، قبل ثلاثة أعوام وفى ختام مهرجان «أبو ظبى» حصلت سوسن على جائزة إنجاز العمر.. وكنت حاضرا تلك الدورة قبل أن يتم إلغاء المهرجان منذ بضعة أشهر، تداعيات العنوان «إنجاز العمر» بالتأكيد لا تجد فيها ملامح سوسن، فهى لا تزال أمامها سنوات قادمة من العمر للإنجاز، بل أنا أرى أن القادم لسوسن هو ولا شك الأفضل، بينما مثلا كانت الفنانة الإيطالية الكبيرة كلوديا كاردينالى شريكتها فى الجائزة ينطبق عليها تماما تعبير إنجاز العمر الذى يوحى بخفوت الضوء وباقتراب إسدال الستار، لأن الإنجاز يعنى أن صفحات الكتاب قد اكتملت أو على أقل تقدير فى طريقها للوصول إلى الغلاف الأخير، بينما سوسن لا يزال أمامها متسع من الصفحات لم تكتبها بعد، وربما جاء تكريم مهرجان الإسكندرية وهو يحمل فى جانب منه إحساس مزدوج يعنى التقدير على الإنجاز المشوب فى نفس الوقت بانتظار ما هو قادم.
سوسن من الفنانات القلائل اللاتى لا تغضبهن كلمات النقد، وكثيرا ما كان بيننا مجادلات وآراء متعددة حول اختياراتها الفنية، بسبب تلك الغزارة الزائدة عن الحد، ووصفتها مرة بأنها لها ثمانية أرواح، وقلت:
«القطة لها سبع أرواح.. أما سوسن بدر فلها دائما مع كل إطلالة رمضانية ثمانية أرواح أقصد (أدوار).. هل من الممكن أن يتحمل المشاهد رؤية ممثل مهما بلغت موهبته فى ثمانية مسلسلات مختلفة.. هل يملك أى ممثل مهما بلغت إمكانياته القدرة على التقمص الوجدانى لكل هذا العدد من الشخصيات وفى فترة زمنية محددة جدا.. المؤكد أن سوسن كان عليها أن تصور ستة أعمال على الأقل من بين الثمانية المعروضة لها سنويا فى نفس الوقت، وعليها أن تخرج من شخصية لتلحق بأخرى.. فهل تستطيع أن تُمسك بتفاصيل كل منها على المستوى الشكلى والنفسى؟!
الممثل ليس مثل الحرفى النجار أو الحداد أو المكوجى مع كل الاحترام لأصحاب هذه المهن.. البعض يعتقد أن لحظة الوقوف أمام الكاميرا هى فقط زمن التمثيل مثل لحظة الوقوف أمام المكواة ووضعها على القميص هى فقط زمن الكى!!
الممثل ينبغى أن يتعايش مع الدور قبل وبعد لحظات الوقوف أمام الكاميرا.. وقد يحدث بسبب تلك المعايشة نوع من التوحد، هذه الحالة مثلا كنا نرى عليها أحمد زكى، إلى درجة أنه عانى كثيرا من مشكلات صحية فى الأمعاء فى أثناء أدائه لدوره فى فيلم (زوجة رجل مهم)، وقال له الطبيب إنه قد حدث تعايش مع الشخصية أدى إلى معاناته الصحية، لتتوافق مع معاناة الشخصية الدرامية.. سوسن فنانة حقيقية لا أتصورها من هؤلاء الصنايعية أصحاب (الزراير) تضغط عليها وتتحرك وفقا لآلية محددة تقدم (الشويتين) اللى تعرفهم وكأنها شخصيات سابقة التجهيز الدرامى لتنتقل من دور إلى آخر، إنها فنانة تتعايش مع الشخصيات، ولكن ينقصها العقل المنظم الذى يضعها فى مكانة تستحقها.. ويبدو لى أن سوسن بدر من الفنانين الذين يخشون الزمن القادم.. هى بالتأكيد عايشت عددا من الزملاء، وعندما يمضى بهم قطار العمر يتضاءل وجودهم عبر الشاشة.. ربما رأت هذا المصير على وجوه بعض كبار الزملاء، ولهذا تعيش اليوم وهى تخاف الغد، فتوافق على كل الأدوار التى تعرض عليها.. أرى أن مأزق سوسن هو أنها لا تملك فن إدارة الموهبة، مثلا قدمت دورا لا ينسى فى فيلمها (الأبواب المغلقة) قبل نحو 14 عاما، وهو من المرات القليلة التى طرقت فيها البطولة بابها على شاشة السينما، ولكنها وكالعادة لم تعرف كيف تحافظ عليها، ولهذا تجدها تشارك فى أدوار أخرى لا تمنحها أبدا القدرة على الاشتعال الفنى.. هل حقا سوسن لها ثمانية أرواح؟ لا أتصورها كذلك، فهى فنانة مبدعة يكفيها دور واحد وروح واحدة تتقمصها لتعيش كأنها تقدم ثمانية أدوار أقصد أرواح!!».
أتذكر بعد هذا المقال أننى تلقيت مكالمة تليفونية من سوسن قالت لى إنها توافق على أشياء وتتحفظ على أشياء، وسوف توضح لى عندما نلتقى تفاصيل تجعل الفنان يقبل على المسلسل أو الفيلم، عندما يجد أن المشروع كله من الممكن أن يتوقف لو لم يشارك فيه، لم أقتنع بجزء مما قالته سوسن بدر، وهى على المقابل لم تقتنع بجزء مما ذكرته.
اكتشفت مثلا أنه رغم كل النجاح الذى حققه «الأبواب المغلقة» لم تأت لها بطولة سينمائية بعدها، فهل كان عليها أن تنتظر فى بيتها حتى يأتى من يطرق الباب، فكان ينبغى أن تنزل إلى الميدان.
فى كل دور تقدمه سوسن ملمح ما، رتوش خاصة تكمل البورتريه، والمؤكد أنها حتى رغم تلك الرتوش كانت وستظل فنانة استثنائية، صنعت البطولة، سواء كان اسمها على الشاشة أو فى التترات متصدرا الجميع أو جاء لاحقا للجميع.
لقد طلبوا يوما من نابليون أن يغير من موقعه على المائدة حتى يتصدرها ويأتى هو فى المقدمة، فأجابهم قائلا إن المقدمة حيث يجلس نابليون، والمقدمة أيضا حيث يوضع اسم سوسن بدر.
جاءت لتملأ حياتنا فنا وإبداعا، دائما هى الملكة التى تصنع الضوء ولا تجد بأسا فى أن تمنحه للآخرين، تسرقها الكاميرا ولا تسرق هى الكاميرا.
أجمل الأيام لم يأتِ بعد، وأجمل الأدوار التى تنتظر سوسن لم يأتِ بعد، فلا نزال ننتظر الكثير من السحر الذى تمنحه لنا ملكة القلوب السمراء القادمة الجنوب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.