فى مثل هذه الأيام وقبل عامين كتبت «القطة لها سبع أرواح».. أما سوسن بدر فلقد تساوت بالضبط مع القطط فى عدد المسلسلات والأرواح وهى «عايزة أتجوز»، «الجماعة»، «الحارة»، «اختفاء سعيد مهران»، «شاهد إثبات»، «امرأة فى ورطة»، «شريف ونص».
كان هذا فى رمضان 2010، ولو أحصيت عدد المسلسلات التى تقدمها سوسن فى رمضان 2012 لوجدتها سبعة بالتمام والكمال، وهى على النحو التالى: «الخواجة عبد القادر»، «البلطجى»، «الحملة الفرنسية»، «عرفة البحر»، «خرم إبرة»، «الصقر شاهين»، «النار والطين» وذلك طبقًا للأرقام التى أشار إليها الزميل هانى سامى على صفحات جريدة «الفجر».
هل من الممكن أن يتحمل المشاهد رؤية ممثل مهما بلغت موهبته فى سبعة أدوار مختلفة؟ هل يملك أى ممثل مهما تمتع بإمكانيات استثنائية القدرة على التقمص الوجدانى لكل هذا العدد من الشخصيات وفى فترة زمنية محددة جدا..؟ المؤكد أن سوسن كان عليها أن تصور ستة أعمال من بين السبعة المعروضة فى نفس الوقت، وعلى الأقل عليها أن تخرج من شخصية لتلحق بأخرى.. فهل تستطيع أن تُمسك بتفاصيل كل شخصية على المستوى الشكلى والنفسى؟!
الممثل ليس مثل الصنايعى الحرفى النجار أو الحداد أو المكوجى الذين يجيدون أصول الصنعة، ومن الممكن أن ينجزوا فى اليوم العديد منها، لأن هناك تشابها يصل أحيانًا إلى حد التطابق فى الأدوات التى يتعاملون معها، ولهم بالطبع كل الاحترام كأصحاب مهن تحتاج إلى درجة إجادة لا تتوفر للجميع وتختلف من شخص إلى آخر، ولكن التمثيل مجال آخر تمامًا.
البعض يعتقد أن لحظة الوقوف أمام الكاميرا هى فقط زمن التمثيل مثل لحظة الوقوف أمام المكواة ووضعها على القميص هى فقط زمن الكى.. الممثل ليس مجرد مؤدٍّ يحفظ تفاصيل الدور وملامح الشخصية ويضع المكياج ويرتدى الملابس الملائمة.. إنها حالة داخلية بالدرجة الأولى يجد نفسه وقد أصبح منطلقًا خارج مجاله الشخصى!!
الممثل يتعايش مع الدور قبل وبعد لحظات الوقوف أمام الكاميرا.. وقد يحدث بسبب تلك المعايشة أعراض جانبية، نوع من التوحد هذه الحالة مثلًا كنا نرى أحمد زكى عليها إلى درجة أنه عانى من مشكلات صحية فى الأمعاء فى أثناء أدائه فيلم «زوجة رجل مهم» إخراج محمد خان، وقال له الطبيب إنه قد حدث تماثل مع الشخصية أدت إلى معاناته الصحية لتتوافق مع معاناة الشخصية الدرامية.
سوسن فنانة حقيقية لا أتصورها من هؤلاء الصنايعية أصحاب «الزراير» تضغط عليها وتتحرك وفقًا لآلية محددة تقدم «الشويّتين» اللى تعرفهم وكأنها شخصيات سابقة التجهيز الدرامى.. إنها فنانة تغوص فى الشخصية تدخل إلى مسامها وشرايينها ولكن ينقصها العقل المنظم الذى يضعها فى مكانة تستحقها.. مثلًا بين الأعمال السبعة التى سنراها بعد أيام على الشاشة من المؤكد سيسقط نصفها على الأقل بل إن هناك ولا شك حالة من التداخل ستصيب المشاهد فى رمضان وهو يلهث وراءها من دور إلى آخر. سوسن بالطبع فنانة لديها دائرة إبداعية مترامية الأطراف، هى لهذا ليست صاحبة الدور ولا الأداء الواحد، ولكن كل فنان يحتاج إلى فترة صمت طويلة يعيد فى أثنائها شحن بطارية الإبداع.
ويبدو لى أن سوسن بدر من الفنانين الذين يخشون الزمن القادم، ولهذا لا تستسلم بسهولة إلى مرحلة الصمت والشحن.
بالتأكيد عايشت عددًا من النجوم كانوا يُتهافَت عليهم وعندما يمضى بهم قطار العمر يتضاءل وجودهم عبر الشاشة.. وربما رأت هذا المصير مع بعض كبار الزملاء، ولهذا تعيش اليوم وهى تخاف الغد. مأزق سوسن أنها لا تملك فن إدارة الموهبة، مثلًا قدمت دورًا لا يُنسى قبل 12 عاما فى فيلم «الأبواب المغلقة» إخراج عاطف حتاتة وهى من المرات القليلة التى طرقت فيها البطولة السينمائية بابها، ولكنها وكالعادة لم تعرف كيف تحافظ عليها، ولهذا تجدها بعدها تشارك سينمائيا فى أدوار أخرى لمجرد أن تظل على الخريطة.
هل حقًّا سوسن لها سبع أرواح؟ لا أتصورها كذلك فهى فنانة مبدعة يكفيها دور واحد وروح واحدة تتقمصها لتعيش بأرواحها السبع!!