فضيلة الشيخ الدكتور محمد مرسى جلس قبل أيام فى دار الكفيل القطرى وسط ثُلة ممتازة ومنتقاة من أهله وعشيرته، وإذ شعر بالراحة والاطمئنان بأن لا أحد من «شياطين» المصريين تسرب إلى القعدة الحلوة الطرية، مَد فضيلته رجليه وأطلق العنان لروحه التوَّاقة للتفلسف وعقله المحلق بعيدا فى آفاق لم يطرُقها مِن قبله إنس ولا جن ولا حتى غراب البَيْن، ومن ثم راح يشنف آذان السادة الهتيفة الحضور بآيات معجزات من البحبحة الصادقة والبواح الصافى المحرر من قيود الملاءمات والمواءمات واللياقات وخلافه، مؤكدا أنه والست «جماعته» السرية الفاشية «بيمشوا على الشوك (يا حرام) ورجليهم بتخُر دم».. بعيد عنك!! ثم وصف فضيلته معارضيه بأنهم «شياطين تعبث» داخل مدام مصر، كما لم يتردد ولا اهتز رمش فى جفن سيادته، بينما لسانه اللى بينقط سكر يلهج بالدعاء «بوقوع الرُّكب» وانفكاك المفاصل وانسداد المواسير، على كل من يتجرأ ويرفع صوته، محذرا من أن العربدة والفشل والخيبة الثقيلة الحالية، سوف تُودى بالبلاد وتجرجر العباد إلى داهية سوداء ودمار شامل وخراب مستعجل جدا. غير أن حديث الدكتور الشيخ لم يقتصر على البوح والبحبحة والتمنى لمعارضيه الإصابة بداء «الركب الواقعة»، وإنما توّج الرجل خطبته العصماء فى هتيفة الأهل والعشيرة، بما تيسر من تأملاته وتساؤلاته الفلسفية العميقة قوى جدا خالص. لقد كان بإمكان الرجل أن يكتفى ويكفينا من تحف فلسفاته الصعبة بحكاية، لامؤاخذة، «الحمامة» الراقدة فى جراب «الحاوى الطيب»، لكنه من فرط الكرم آثر أن يغرف المزيد من بحر علمه ووافر حكمته عندما أتحفنا بأكثر الأسئلة الفلسفية خطورة وأشدها اتصالا بهموم وقضايا الإنسان الأنوى النادر المعاصر، وأقصد ذلك السؤال الذى أطلقه معالى الدكتور صاحب الفضيلة فى فضاء مدينة الدوحة (حيث الكفيل القطرى راعى فلسفة البؤس وقلة القيمة) فقد طفق فضيلته فجأة وبدون أى مناسبة. وقال متسائلا: «لو مات القرد، القرداتى يشتغل أيه؟!» طبعا أنت عزيزى القارئ تعرف وتعلم أن الفيلسوف الحقيقى الحويط الغويط هو الأكثر قدرة على اجتراح الأسئلة القوية الصعبة حول شؤون الكون وشجون البشر، وليس ذلك الذى يشغل نفسه ويرهق عقله بالبحث عن إجابات، لهذا لاحظ كثيرون أن الدكتور مرسى ألقى سؤاله الرهيب أمام جمع الأهل والعشيرة من دون أن يشفعه بجواب شاف ولا عاف، بل تركه هكذا يهيم محتارا فوق رؤوس الهتيفة من الأتباع والمناصرين، بينما عقول هؤلاء المظلمة الفسافيسى عاجزة تماما عن فهم أى حاجة.. ومع ذلك ردوا على سؤال زعيمهم هاتفين له بحرقة وحماس: «إوعى يا مرسى تشيل الهم.. إحنا معاك بالروح والدم»، وخلاص!! وإلى أن يأتينا الخلاص قريبا، إن شاء الله، من الكارثة الوجودية وتلك المصيبة المنيلة بستين نيلة التى هبطت على صدور وقلوب أهالينا من حيث لا ندرى ولا نحتسب، فربما يكون مفيدا أن نستهلك ما تبقى من أيامنا السوداء الحالية فى محاولة حل فزورة «القرداتى» الذى مات قرده، وأن نجتهد جميعا فى البحث للرجل عن شغلانة أخرى تناسب مهاراته وقدراته.. أنا شخصيا أقترح أن يعمل رئيسا لجمهورية القرود. ولا حول ولا قوة إلا بالله.