شعرت بغضب وإهانة وأنا أتابع ذلك الفيديو الذى يعتدى فيه واحد من أمناء الشرطة الضخام على شاب فى نصف حجمه تقريبا داخل محطة المترو، أحسست أن الضربات تصيب جسدى وتدمى روحى، فلم يقتصر الاعتداء الغاشم على الأمين الفتوة فقط، ولكن شاركه فى حفل الإهانة بقية شرطة الحراسة الذين تدخلوا دون أن يعرفوا السبب. الإهانة كانت لنا جميعًا، لكل الذين رحّبوا بعودة الشرطة وترحموا على شهدائها، لكن الأغرب هو رد الفعل، فبدلا من التحقيق مع فريق الاعتداء الوحشى على ما فعلوه، وقيام وزير الداخلية بالاعتذار إلى الشاب الضحية وتعويضه، استنفرت أجهزة الشرطة قواها للبحث عمن قام بتصوير الفيديو ونشره، قاموا بمطاردة الصورة بدلا من محاسبة الفعل، فأشد أعداء الشرطة ليسوا الإرهابيين ولا تجار المخدرات أو اللصوص أو القتلة، لأن هذا جزء من عملهم اليومى، ولكن عدوهم الحقيقى هو الصورة، الصورة التى تُلتقط خفية وتنتشر بسرعة وتعرّى أفعالهم. وما حدث فى الفيديو ليس استثناء لكنه واقع متكرر، فهؤلاء الأمناء كانوا يومًا هم الأمل فى إيجاد شرطى متعلم يحافظ على حقوق الناس وأمنهم، لكن أصبح البعض منهم يمارس نوعًا من البلطجة الحقيقية والابتزاز لكل من يقع تحت سلطتهم، بل وأصبحوا أيضا طرفًا فى كل واقعة خارجة عن القانون. لقد كانت الصورة سببا مباشرا للقيام بالثورة، حين خرجت بعض الفيديوهات من داخل أقسام الشرطة تبين بوضوح أساليب التعذيب التى تمارَس خلف جدرانها، والمدهش أن أفرادًا من الشرطة هم الذين التقطوا هذه الأفلام وأشاعوها، ربما ليبثوا مزيدا من الرعب فى قلوبنا جميعا، لكنها أتت بأثر عكسى وأثارت فى النفوس مشاعر من الغضب بلغت ذروتها مع انتشار صور تعذيب خالد سعيد، شرارة الثورة الأولى، وفى أثناء وقائع الثورة كانت الصورة أيضا ضد الشرطة، فقد مارست أمام الكاميرات أقصى قواها القمعية دون جدوى، ومن الغريب أن هذه الصور قد رآها العالم كله إلا قضاة مصر الأجلاء، لذلك قاموا بتبرئة الجميع، وجرى إلغاء الصورة وعدم الاعتراف بها، وانتهزت الشرطة هذا الأمر فألغت الثورة أيضا من قاموسها، واستعادت يوم عيدها، لكن هذا لا يلغى بطولات بعض رجال الشرطة الآخرين، ولا الثمن الذى يدفعونه فى مواجهة الإرهاب ولا الشهداء الذين يسقطون من رجالها، لكن صورا مثل هذا الفيديو تشوّه دورها، لأنها تكشف عن العنف الذى ما زال كامنا فى أعماق بعض أفرادها. المشكلة أن بعض أجهزة الشرطة تبدو كأنها تحاول المداراة على هذه التصرفات، وبدلا من محاسبة هؤلاء الأفراد بصورة واضحة وعلنية، فهى تتعمد التستر عليهم، وتحاول إبعاد الصورة عنهم بقدر الإمكان، مثلما حدث فى مقتل الناشطة شيماء الصباغ التى لا نعرف أى شىء عما حدث لقاتلها، بل لا نعرف حتى اسمه. وقد عادت السمعة السيئة إلى أقسام الشرطة مرة أخرى، فهى لم تعد فقط مكتظة بالمساجين بأكثر مما يفوق استيعابها، مما يجعل المحتجزين فيها يعيشون فى أوضاع غير إنسانية، ولكن تكاثر فيها حوادث القتل وأضيف إليها بعض حوادث الاغتصاب، ومهما قيل عن تبرير لهذه الحوادث فإن هناك إحساسا عاما لدى الجميع أنهم كانوا ضحايا للقسوة المفرطة من بعض رجال الشرطة، قسوة لم تقتصر على المتهمين لكنها امتدت إلى المحامين الذين جاؤوا للدفاع عنهم. وعلينا أن لا ننسى أن هذه الأقسام كانت هدفا للمحتجين فى ثورة يناير، وتم إحراق عدد كبير منها، وفى مواجهة إنكار العاملين فى هذه الأقسام لكل عمليات التعذيب والقتل، فقد تم اقتراح إدخال كاميرات تصوير لهذه الأقسام منعا للجدل وحفاظًا على إنسانية من يتم القبض عليهم، لكن لم يؤخذ بهذا الاقتراح وفضلت الأجهزة أن تشترى بدلا منها أسلحة لتفريق المظاهرات وقنابل مسيلة للدموع. سوف تبقى الصورة عدوة لرجال الشرطة مهما اختبأت هذه المخالفات خلف جدران الأقسام أو خلف أسوار السجون فإن مصيرها الانكشاف، فالصورة التى لا تقدر العدسات على الوصول إليها تنطبع فى الأذهان، فى الذاكرة الحية التى لا تنسى ولا تغفر.