الإخوان فصيل وطنى مهم وتنظيم سياسى صلب، ضحى أعضاؤه بالغالى من حريتهم وقوت أولادهم وراحة حياتهم الشخصية والعائلية من أجل قضيتهم وأفكارهم. والسلفيون مواطنون مصريون مخلصون لدينهم ويؤمنون بأنهم على حق وغيرهم على باطل، لكن لا يمكن إقصاؤهم ولا نفيهم، مشكلتهم هى الرغبة فى إعلان العداء لمخالفيهم أكثر كثيرا جدا من الرغبة فى هدايتهم. الإخوان يرون أن الإسلام هو الحل، والسلفيون يرون أن إسلامهم هو الحل. الإخوان هادئون ويتوترون بحساب ويخاصمون دون الوصول إلى درجة العداء ويحاولون كسب ود مهاجميهم ويحرصون على الحوار ويبرعون فى المناورة والمراوغة، لكنهم مؤمنون بالمفاوضة ويتسع صدرهم للمقايضة ويلعبون ضد منافسيهم، لكن ليس لدرجة الأذى. السلفيون يبدؤون بالأذى وينفرون من الاختلاف ويجرون نحو تكفير الآخرين أكثر من إدارة حوار معهم وعظا وهدى. الإخوان «متربيين» من طفولتهم، حيث يجندون الأعضاء من سن صغيرة، يكون فيها طيعا وصلصاليا فيتمكنون من بنائهم وجدانيا وسلوكيا. لكن السلفيين يدخلون الحركة فى سن شابة أو كبيرة بعد تمام التكوين النفسى والوجدانى، فمن هنا تأتى التباينات والتناقضات بين التزام السلفيين وتدينهم من جهة، وعصبيتهم وعدوانيتهم ضد المخالفين والمنافسين من جهة أخرى! الإخوان يريدون «التقدم» لبلادهم، والسلفيون يريدون «الخير» لبلادهم. الإخوان تعاملوا مع السلطة سواء ملكية أو جمهورية، سياسة وبرلمانا وانتخابات وشرطة وسجونا، والتعامل سواء تنسيقا أو حوارا وتعاونا أحيانا وتحالفا مرات أو تنافسا وصراعا وصداما وثورة، وخلال كل هذا تعلموا وتدربوا ونضجوا واختبروا واختمروا، انخراطهم بعد الثورة فيه ثقة (ونبرة تعالٍ وغرور يبذل بعضهم جهدا لقمعها) وفيه تخطيط لأهداف ودراية بوسائل وتكتيك يستخدم حيلا. السلفيون تعاملوا مع جانب واحد من السلطة وهو الجهاز الأمنى والشرطة، وكانت العلاقة أوامر وزواجر ونواهى وتعليمات من جهة، وقبضا واعتقالا وحجزا وسجنا من جهة أخرى، لهذا خروجهم بعد الثورة فيه توتر فى الحركة وتخبط فى التنظيم وعصبية فى التصريحات وفطرية فى التخطيط واندفاع فى إعلان الأهداف. الإخوان سياسيون محترفون. السلفيون «متسيسون» هواة. الإخوان لن يكسبوا أغلبية الانتخابات البرلمانية القادمة، وبناءً على تقديرات من داخلهم ومن خارجهم، فإن النسبة المتوقعة أن يفوز الإخوان بخمسة عشر إلى خمسة وعشرين فى المئة من مقاعد مجلس الشعب القادم! أما التيار السلفى فهو مشتت ومنوَّع وموزَّع ولا يملك خبرة ويملك خصوما أكثر، ولهذا فإن احتمالات فوزه تركن تحت العشرة فى المئة. والمؤكد أننا لن نستطيع أن نقدم لمصر شيئا والبعض منا يتلبسه خوف يصعد إلى درجة الفزع ويتصاعد إلى مستوى الذعر من التيار الإسلامى، فهذا كلام لا يعنى إلا الضعف والتهافت، فلا يمكن أن نتقدم خطوة دون أن نعترف بحق الجميع فى المشاركة فى رفع قواعد البيت ووضع أسس البلد. إن تناثر الاتهامات بالتكفير والتخوين أو التخلف والإرهاب لن يضيف إلى البلد، بل سيحذف منه وسيعطل الوطن عن التقدم والتطور، ولم يحدث أن تقدم شعب وهو يتمزق فى خلافات وتطاحنات. ولعل التاريخ الإسلامى يؤكد لنا مثلا أن الفترة الوحيدة التى لم تشهد فتوحات إسلامية ولا انتصارات أمام أعداء الخارج هى السنوات التى عاش فيها المسلمون الحرب الأهلية، أو ما عُرف تاريخيا ب«الفتنة الكبرى». ثم إن التاريخ المصرى يقول لنا إننا لم ننتصر فى حرب أكتوبر إلا عندما كنا متوحدين، ولم نهزم نظام مبارك المستبد الفاسد إلا عندما كنا متوحدين. هناك أوقات فى التاريخ تستلزم اليد الواحدة والاعتصام، ولعل ثمانية عشر يوما من الوحدة كانت كفيلة بسقوط طاغية، فما بالك بعدة أشهر من الوحدة تبنى الأسس وتعلى البنيان القانونى والدستورى للبلد بحيث نتفرغ بعدها للتنافس بين إسلاميين ومدنيين ويسار ويمين للجلوس على مقعد الحكم؟! هذه مرحلة تأسيسية، كما قلت وأكدت، نبنى فيها وطنا للجمهورية الجديدة، وهو عبء ومهمة تقتضى منا، بل تلزمنا بتوافق وتوحد على أهداف نتشارك فيها ونتفق عليها. هذه مرحلة انتقالية، وهى التى لا تتحمل صراعا يخلق توترا، وهذه مرحلة استقطابية تعيش فيها مصر بين طرفين يشد بعضهما بعضا فى لحظة تتطلب منا الوحدة. هذه مرحلة انفلات أمنى وفوضى تسليح وأجواء عنف وعدوانية تجعلنا نخشى مع مشاعر التنافس والتصارع وترك الأمور لصغارها ومستصغر شررها من إشعال البلد بنار تستدعى التدخل المعطِّل للديمقراطية أو المؤجِّل للانتخابات. هنا أعود فأكرر لأؤكد أن اللائحة الموحدة لمرشحين من كل القوى الإسلامية والمدنية للانتخابات القادمة تنتج برلمانا يمثل الجميع، هى استلهام للخطة النبوية العظيمة، التى وضعها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) حين احتكم إليه صناديد قريش فى التنازع حول وضع الحجر الأسود للكعبة، فأشار عليهم النبى الكريم بأن يفردوا رداءً، ويضعوا عليه الحجر، ثم يمسك بأطراف الرداء ممثل لكل قبيلة، فيحظى بالشرف الجميع تشاركا وتساويا. مُدُّوا أياديَكم لطرف الرداء، فالبيت ينتظر!