تحتفل مصر كل عام فى النصف الثانى من شهر أغسطس بعيد وفاء النيل، والذى يعدّ واحدًا من الاحتفالات التى لا تزال باقية من مصر القديمة حتى الآن. فلقد اعتقد المصريون القدماء بأن للنيل إلهًا أطلقوا عليه «حعبى»، بمعنى الذى يفيض بالماء، وكان يمثّل لديهم المياه الأولى التى ولدت منها الأرض المصرية فى بدء الخليقة. ولاحظ المصريون فيضان النيل، واعتبروه مؤشّرًا لبداية العام فى التقويم المصرى القديم عندما يبدأ النهر فى الارتفاع نحو منتصف شهر يوليو حاليًّا، واعتبروا أن ارتفاع النهر بمقدار 16 ذراعًا كان يمثّل المستوى الأمثل للفيضان الذى يتم على أساسه تقدير الضرائب المستحقة على الأرض. وأكدت العقيدة المصرية القيام بعدد من الطقوس قبيل الفيضان، كى تهب الآلهة مصر فيضانًا وفيرًا دونما انقطاع، بل ويحفظ لنا جبل السلسة شمال أسوان ثلاث لوحات من عصر الدولة الحديثة، تسجّل الأمر الملكى بأن تقام الاحتفالات ل«حعبى» مرتين فى العام، ويتم خلالها التقرب للنيل بالقرابين المختلفة وبالتماثيل الصغيرة لإله النيل، وأشارت هذه اللوحات إلى إلقاء «كتاب حعبى» الذى كان عبارة عن لفافة من البردى تلقى فى النهر، وتحتوى على قائمة من القرابين التى أكثر ما يميّزها هو تماثيل «حعبى»، إله النيل. ورغم أن الأضاحى البشرية لم تكن معروفة فى مصر القديمة، فقد أشارت إحدى الأساطير اليونانية بالإسكندرية فى القرن 2م، لأول مرة، إلى التضحية البشرية فى نهر النيل، فتروى أنه «كان (إجيبتوس) ابن (هيفاستيوس) و(ليوكيبى)، ملكًا لمصر التى حدثت فيها حرب أهلية، لأن النيل لم يرتفع وحزن السكان من المجاعة، فأظهرت (البيسيا) ربة الوحى الحل أنه لو ضحّى الملك بابنته (أجانيبى) للآلهة فسوف يكثر الخير، فأخذوها للمذبح، وتمت التضحية بها، عندئذ قذف (إيجيبتوس) من شدة حزنه عليها بنفسه إلى النهر، ولذلك سمّى باسمه (إيجبتوس)». ووجدت هذه الأسطورة اليونانية صداها فى قصة «عروس النيل» التى ذكرها المؤرخ ابن عبد الحكم، أنه عندما دخل عمرو بن العاص مصر أتى إليه أهلها فى شهر بؤونة، يطلبون كعادتهم إلقاء فتاة بِكر فى نهر النيل كى يرتفع، فرفض عمرو طلبهم لمخالفته الإسلام، فلمّا لم يرتفع النهر وضجّ الناس، بعث عمرو إلى عمر بن الخطاب يستشيره، فكتب إليه عمر «قد أصبت إن الإسلام يجبّ ما كان قبله، وقد بعثت إليك ببطاقة، فألقِها فى داخل النيل إذا أتاك كتابى»، فلما قدمت البطاقة على عمرو إذ فيها «مِن عبد الله عمر أمير المؤمنين، إلى نيل أهل مصر، أما بعد، فإن كنت تجرى من قِبلك فلا تجرِ، وإن كان الله الواحد القهار الذى يُجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يُجريك»، فألقى عمرو بالبطاقة فى النيل، فأجراه الله ستة عشر ذراعًا فى تلك الليلة. ويحدّثنا الجبرتى عن الاحتفال بوفاء النيل أنه كان الوالى ينزل من القلعة مع الأمراء فى مراكب مزينة إلى مقياس النيل بالروضة، فيمكث هناك حتى يفى النيل 16 ذراعًا، فتقام الاحتفالات، ويعطى الوالى الضربة الأولى بيده فى السد الذى يحجزها عن قناة فم الخليج بمصر القديمة ليدخلها الماء شيئًا فشيئًا، ثم تلقى دُمية فى النيل حسب الأساطير القديمة مع حفنة من النقود الذهبية، ويلقى الحاضرون النقود والأزهار وسط ابتهاج الناس بوفاء النيل فى موعده.