ندوة تعريفية لأوائل خريجي كليات الهندسة عن مشروع محطة الضبعة النووية    "علم الأجنة وتقنيات الحقن المجهري" .. مؤتمر علمي بنقابة المعلمين بالدقهلية    تعرف على أهداف منتدى شباب العالم وأهم محاوره    الاتحاد الأوروبي: القضية الفلسطينية عادت للطاولة بعد أحداث 7 أكتوبر    استرداد 159فدانا من أراضي الدولة بأبي قرقاص    حزب المؤتمر: منتدى شباب العالم منصة دولية رائدة لتمكين الشباب    موسم شتوي كامل العدد بفنادق الغردقة.. «ألمانيا والتشيك» في المقدمة    مخابرات المجر تستجوب رئيسة الشركة المرتبطة بأجهزة البيجر المنفجرة بلبنان    رئيس الوزراء العراقى يتوجه إلى نيويورك للمشاركة باجتماعات الأمم المتحدة    خلافات فى الإسماعيلى بسبب خليفة إيهاب جلال    لخلاف على قطعة أرض.. فلاح يتخلص من جاره بطلق ناري فى الدقهلية    حقيقة تأجيل الدراسة في أسوان بسبب الحالة المرضية.. المحافظ يرد    اكتمال عدد المشاركين بورشة المخرج علي بدرخان ب«الإسكندرية السينمائي»    إسماعيل الليثي يكشف سبب وفاة نجله «رضا» | خاص    فيلم 1/2 فيتو يثير الجدل بعد عرضه في مهرجان الغردقة لسينما الشباب بدورته الثانية    فصائل فلسطينية: استهداف منزلين بداخلهما عدد من الجنود الإسرائيليين ب4 قذائف    الأزهر للفتوى: الإلحاد أصبح شبه ظاهرة وهذه أسبابه    الحكومة تكشف مفاجأة عن قيمة تصدير الأدوية وموعد انتهاء أزمة النقص (فيديو)    بلقاء ممثلي الكنائس الأرثوذكسية في العالم.. البابا تواضروس راعي الوحدة والاتحاد بين الكنائس    عبدالرحيم علي ينعى الشاعر أشرف أمين    هل يمكن أن يصل سعر الدولار إلى 10 جنيهات؟.. رئيس البنك الأهلي يجيب    بيكو للأجهزة المنزلية تفتتح المجمع الصناعي الأول في مصر باستثمارات 110 ملايين دولار    تدشين أول مجلس استشاري تكنولوجي للصناعة والصحة    أول ظهور لأحمد سعد مع زوجته علياء بسيوني بعد عودتهما    السجن 6 أشهر لعامل هتك عرض طالبة في الوايلي    ندوات توعوية فى مجمعات الخدمات الحكومية بقرى حياة كريمة في الأقصر.. صور    شروط التحويل بين الكليات بعد غلق باب تقليل الاغتراب    لافروف: الديمقراطية على الطريقة الأمريكية هي اختراع خاص بالأمريكيين    توتنهام يتخطى برينتفورد بثلاثية.. وأستون فيلا يعبر وولفرهامبتون بالبريميرليج    حمو بيكا يعلن وفاة نجل إسماعيل الليثي    فتح باب التقديم بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال الدينى    إيطاليا تعلن حالة الطوارئ في منطقتين بسبب الفيضانات    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى الشيخ زويد المركزى ووحدات الرعاية    بلد الوليد يتعادل مع سوسيداد في الدوري الإسباني    إصابة 3 أشخاص في حادث تصادم «توك توك» بدراجة نارية بالدقهلية    بالصور.. إصلاح كسر ماسورة مياه بكورنيش النيل أمام أبراج نايل سيتي    وزيرة التنمية المحلية تعلن انتهاء استعدادات المحافظات لاستقبال العام الدراسي 2024-2025    أخبار الأهلي: تأجيل أول مباراة ل الأهلي في دوري الموسم الجديد بسبب قرار فيفا    اليوم العالمي للسلام.. 4 أبراج فلكية تدعو للهدوء والسعادة منها الميزان والسرطان    بطاقة 900 مليون قرص سنويًا.. رئيس الوزراء يتفقد مصنع "أسترازينيكا مصر"    بداية جديدة لبناء الإنسان.. فحص 475 من كبار السن وذوي الهمم بمنازلهم في الشرقية    حزب الله يعلن استهداف القاعدة الأساسية للدفاع الجوي الصاروخي التابع لقيادة المنطقة الشمالية في إسرائيل بصواريخ الكاتيوشا    هانسي فليك يفتح النار على الاتحاد الأوروبي    ضبط شركة إنتاج فني بدون ترخيص بالجيزة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024 في محافظة البحيرة    اسكواش - نهائي مصري خالص في منافسات السيدات والرجال ببطولة فرنسا المفتوحة    صلاح يستهدف بورنموث ضمن ضحايا ال10 أهداف.. سبقه 5 أساطير    توجيهات عاجلة من مدبولي ورسائل طمأنة من الصحة.. ما قصة حالات التسمم في أسوان؟    واتكينز ينهي مخاوف إيمري أمام ولفرهامبتون    في يوم السلام العالمي| رسالة مهمة من مصر بشأن قطاع غزة    هل الشاي يقي من الإصابة بألزهايمر؟.. دراسة توضح    18 عالما بجامعة قناة السويس في قائمة «ستانفورد» لأفضل 2% من علماء العالم (أسماء)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    فيديو|بعد خسارة نهائي القرن.. هل يثأر الزمالك من الأهلي بالسوبر الأفريقي؟    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    ضحايا جدد.. النيابة تستمع لأقوال سيدتين يتهمن "التيجاني" بالتحرش بهن في "الزاوية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عَلَى كوبرى عباس!
نشر في التحرير يوم 27 - 07 - 2015

هى أيامنا الحلوة، كلٌّ منّا له أيامه الحلوة، وليس فقط عمر الشريف ورمزى وعبد الحليم وفاتن. تنهيدة سرت من أعماق قلبى وأنا أغادر منطقة نصف البلد الساكنة فى ظلام الساعة الأخيرة من الليل الساكت قبيل مدفع الإمساك وأذان الفجر، ميدان التحرير الذى جددوه ووضعوا فى منتصفه علم مصر على سارٍ شاهق يحدق وحيدًا فى ظلام السماء. الطلاء الجديد لقاعدة العلم يلمع فى ضوء أعمدة الإنارة الصفراء.
فى قلب ظلام رمضان غاب البشر تماما، سيارة عابرة أو تاكسى متهالك يمر من هنا أو هناك كل بضع ثوان وفقط، بقايا المقاهى خاوية تماما، لا أحد فى أى مكان، الأرصفة فارغة إلا من بقايا أوراق وأكياس بلاستيكية تلهو مع النسمات. الصور المرسومة على ناصية شارع «محمد محمود» لا تزال باقية تحدّق فى وجهى وحيدة فى ظلام فارغ لا شىء فيه، مخيفة قليلا كأنها أشباح سوف تتلبسها أرواح أصحابها فى اللحظة التالية مباشرة فتخرج من الجدران وتسير فى الشارع تتأوه وتتألم من بقايا الرصاص الحى والخرطوش الذى كان! كأنها تريد أن تنطق وتحكى فلا تستطيع، صامتة لكنها حية بعنف، تنظر إلىَّ وترقبنى بعيون تمتلئ لومًا، ما هو ماعادش هنا غيرى وقد أصبحت وحدى تمامًا!
موجوعًا أعطيت ظهرى إلى الميدان وركبت سيارتى ورفيقة أسفارى وغادرت فى اتجاه كوبرى عباس، وعلى الكوبرى لم يطاوعنى قلبى فأوقفت السيارة على اليمين فى منتصفه، سرتُ ببطء فى اتجاه السور المعدنى الأخضر وحدَّقت إلى الأسفل فى الماء الأسود الداكن يتلاعب تحت نور القمر ويعكس ألوانًا من فضة. رفعتُ رأسى إلى السماء لأرى السحاب الخرافى يمر فوق النيل مخترقًا ضوء القمر فى هدوء وصمت. وجع لحظى محسوس شعرت به فى صدرى، بالتحديد فى منطقة فُمّ المعدة! ثم صعد على الفور إلى أعلى الحنجرة، وكعادتى عندما أكون وحدى تماما مطمئنا أن أحدا لا يسمعنى تكلمت فى ضيق بصوت عالٍ مسموع «يا رب! نفسى أطلّع قلبى ده من صدرى وأرميه فى النيل وأروّح أنام زى ما الناس بتنام!» سمعت صوت حركة مفاجئ يأتينى من أسفل، قطة كانت على مسافة قريبة جدا أزعجها صوتى المرتفع فيما يبدو فتحركت مبتعدة، خاطبتها متفاجئًا معتذرًا بلهجة ضباط الشرطة «آسف جدا يافندم، آسفين جدا والله!». هو العشق الذى يغيّر كل شىء فى عيون البشر ليصبح أحلى وأجمل، هذه الشوارع وذلك الحجر وهؤلاء البشر وتلك الأركان والنواصى والقلوب الممتلئة عن آخرها بالأمل والأرواح المحملة عن آخرها بالأحلام، يااااه! طبق الفول فى جاردن سيتى وساندوتش الكبدة الإسكندرانى والناس اللى رايحة جاية والأبنية القديمة جميلة الطراز التى تطبق الليلة بأحجارها على صدرى، يا ليتنى ما جئت هنا الليلة، لهفة قلبى على كل ما هو مصر، تلك التى استهلكتنى وأنهكتنى فوق كل وصف لسنوات وسنوات وأكلت من طاقتى وعمرى وصحتى وتفكيرى وعواطفى وأحلامى وأمنياتى فى كل لحظات نومى ويقظتى، نوم إيه؟! أقصد لحظات يقظتى ويقظتى. «هيا الدنيا ضحكت علينا ولاّ إيه؟!» ويأتينى صوتى الساخر حاملا الرد «علينا مين سيادتك؟ هوا انت شايف هنا حد غيرك؟ ده حتى القطة طفشت!». تفاجئنى نسمة هواء رطبة مسافرة بسرعة فوق مجرى النهر فأغمض عيناى لأتذوق مشاعر افتقاد غير مفهومة، وتطوف بذاكرتى وقفة منذ سنوات على كوبرى قصر النيل، كنا نرتدى الملابس السوداء ونحمل المصاحف نقرأ كلام الله على روح خالد سعيد، كان الوقت شتاء والجو قارس البرودة والريح عاتية فارتجفتُ، وإذا بشاب يفاجئنى، خلع سترته ووضعها على كتفى ثم هرب مسرعًا لكى لا يترك لى أى فرصة للاعتراض، وصدى صوت يصيح فى وجهى فى قلب الضرب والغاز فى محمد محمود «ارجع من هنا يا سيادة المستشار! بلاش انت لو سمحت، لو احنا متنا عادى، لكن انت لو جرى لك حاجة حتبقى مصيبة!»، ولد آخر صغير غلبان يتباعد ساعة التقاط الصور قائلا «بلاش أنا، أصل شكلى مش حلو ومش عايز الحكومة تقول عليكو بلطجية!»، وطفل صغير فى الميدان يسألنى «تشرب شاى يا عمو؟!» وأرد مبتسما «وماله! هات يا ابنى»، يذهب ويعود مسرعًا وفى يده الصغيرة الكوب البلاستيك الأبيض يرتفع منه الدخان، أناوله بعض المال فيمتنع قائلا «لا يا عمو، مش عايز فلوس... ده هدية!!» المراكب الخشبية على البعد راسية تنام مطمئنة فى مراسيها. لحظات العمر الجميلة تتعرض أحيانًا للتلف على نحو يتعذر معه إصلاحها إلى الأبد، فهل فات الوقت؟ سؤال بسيط يا مصر: قولى لى أطلع من هنا على فين؟ نظرت إلى سيارتى الواقفة معى تنتظرنى، هل حان حقًّا وقت الرحيل؟ أعطيت ظهرى وبدأت أتحرك ببطء مبتعدا فى الاتجاه الآخر، متر بعد الآخر وأنا أشعر بقطعة منى تتمزق والغصة فى الحلق تتزايد وطبقة رقيقة من الدموع تتصاعد مع صوت أذان الفجر القادم من بعيد «الله أكبر الله أكبر.. أشهد ألا إله إلا الله... أشهد أن محمدا رسول الله».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.