باتت ظاهرة هؤلاء الضيوف الذين ينتقلون من البرنامج ده للبرنامج ده ومن القناة دى للقناة دى ظاهرة مزعجة تماماً حيث أصبحت أتعجب من حجم الثقة التى يتحدثون بها ويدافعون بها عن وجهة نظرهم أياً كانت وجهة النظر تلك وأياً كان المعسكر الذى ينتمون إليه.. فمنذ يومين قررت مصارحة نفسى بالحقيقة المتمثلة فى أنى لم أعد أفهم ما الذى يحدث بالظبط.. حيث فقدت كل الأشياء معناها.. وتداخلت كل الحقائق فى بعضها البعض.. وبخلاف حقيقة أن حكم الإخوان هو أسوأ ما حدث لمصر على مدار تاريخها الطويل ليست هناك حقائق أخرى مؤكدة أستطيع أن أجزم بها.. «مشكلة ذلك العالم الحقيقية أن الأغبياء والمتعصبين دائماً ما سوف تجدونهم واثقين من أنفسهم.. بينما العقلاء والحكماء والحقيقيون فقط هم من تملئهم الشكوك فى أنفسهم».. مقولة ل «برتراند راسل» يمكننى فى ضوئها أن أصارح نفسى بالحقيقة المتمثلة فى أنى لم أعد متأكداً من أى شيء يخص أى شىء.. من هو الظالم ومن هو المظلوم؟!.. من هو المتظاهر ومن هو البلطجى؟!.. ما هو الصح وما هو الغلط؟!.. ما هو المنطق وما هى الهرتلة؟!.. أنا لم أعد قادر على التمييز بين كل تلك الأضداد.. ولم يعد عندى استعداد لتصديق أن هناك من هو قادر على ذلك التمييز.. حتى أنى أتصور ضيوف تلك البرامج وهم يرتدون ملابسهم إستعداداً للذهاب إلى الأستديو وطرش الكلمتين فى حالة لو كان هو الضيف منفرداً.. أو إستعداداً للخناقة التى هم بصددها فى حالة لو كانوا ضيوفاً أمام ضيوفاً آخرين من المعسكر المنافس.. هل يملكون بالفعل اليقين الذى يمكنهم من التحدث بطلاقة وثقة عما يحدث الآن فى البلد وتفنيده وتحليله والخروج منه بحقيقة.. أى حقيقة من أى نوع؟!.. وهل يستطيع أحدهم أن يجزم بأنه يفهم بالظبط ما الذى يحدث.. أم أنهم يذهبون للتحدث والخناق مع بعضهم البعض وخلاص؟!
اللى قتلوا الناس ولسه بيقتلوهم مين؟!.. اللى ولعوا فى جريدة الوطن واتحاد الكورة ونادى الشرطة مين.. الألتراس ولا بلطجية مأجورين لإفساد صورة الألتراس كما تنتشر بعض الأقاويل؟!.. اللى كسروا واجهة سميراميس مين؟!.. اللى حاولوا يحرقوا شبرد مين؟!.. اللى ولعوا فى مطاعم القزاز ومؤمن مين؟!.. اللى حاولوا يقتحموا البستان سنتر مين؟!.. الشلحلجية اللى رايحين جايين بينشلوا الستات والبنات باستخدام الفسبا مين؟!.. الإرهابيين اللى تم الإفراج عنهم مؤخراً تم الإفراج عنهم ليه؟!.. العربجية والحرامية والبلطجية اللى استوطنوا وسط البلد واللى ماليين الشوارع المحيطة بوزارة الداخلية نفسها ما حدش بيقبض عليهم ليه؟!.. ونهاية الأيام الزفت دى إيه؟!.. وطالما الحماقة هى اللى ماشية اليومين دول.. يبقى بنلوم الأحمق على حماقته ليه؟!
الذين صعدوا بالألتراس إلى عنان السماء.. ألم يكن من المفترض فيهم أن يعلموا أن الألتراس أى نعم شباب جدعان ومتحمسين وثوريين.. إلا أنهم أولاً وأخيراً ليسوا سوى رابطة مشجعين كورة تتحكم فيهم غريزة الغضب التى تطورت كما رأيتم جميعاً إلى حالة من الإنفلات العبثى غير المبرر وغير المنطقى والموجه إلى من لا يستحق غضبهم هذا؟!
الذين رأوا أن الشرطة هى المسؤولة عن فتح السجون ايام الثورة.. وأن الوصول إلى حقيقة مثل تلك حاجة مش محتاجة فكاكة.. ما قولهم الآن بعد أن باتت حقيقة معروفة للجميع مثل ان افراد من حماس هى التى فتحت السجون وقامت بتهريب المساجين ومنهم الرئيس الحالى لمصر الذى لا نعرف حتى الآن سبب سجنه ولا سبب عدم إعادته للسجن ضمن من تمت إعادتهم من الهاربين.. إننا حتى لا نعرف إن كان قد صدر فى حقه عفواً من المجلس العسكرى أم لا.. نحن لا نعرف أى شيء عن أى شىء يخص أى شىء..
ينبغى على البنى آدم منا أحياناً أن يصارح نفسه بالحقيقة.. تلك الحقيقة التى يقول عنها أستاذى أستاذ إبراهيم عيسى أنها «هى تلك التى نتمنى ألا نعرفها أبداً».. لهذا.. سوف أصارح نفسى بها.. الحقيقة هى أنها خلاص خربت.. خربت تماماً!