المشهد السياسى فى مصر الآن يبدو عبثيا، ولكن ما يطمئننى هو أن الطابع الثورى أيا كان شكله لا يزال سائدا ومسيطرا رغم كل محاولات أطراف صفقة المثلث الشيطانى إجهاض الثورة والإجهاز على رموزها وفى المقدمة شباب الثورة الذين يتم اغتيالهم واحدا بعد الآخر وبشكل ممنهج ومخطط وأصبح واضحا أمام كل ذى عينين. فمرسى أصبح رئيسا سابقا وسقطت عنه الشرعية أى القبول الجماهيرى له ابتداءً من إعلانه الدستورى الأول فى 12/8/2012 الذى بمقتضاه ألغى الإعلان الدستورى التكميلى وأزاح المجلس العسكرى من المشهد ودفع باللواء عبد الفتاح السيسى وعينه وزيرا للدفاع ورقاه لدرجة الفريق ليضمن ولاءه، وانقلب على قَسَمه باحترام الدستور والقانون فحنث بالقسم بإعلانه الدستورى، فأصبح رئيسا غير شرعى منذ تلك اللحظة. والثابت أن الإعلام قد حاول التغطية على هذا الإعلان المشبوه والمتآمر فى سياق الغضب الثورى والشعبى على ممارسات المجلس العسكرى السلبية. ولم أبلع الطعم كآخرين، لا مجاملة للمجلس العسكرى، فقد كتبت ضد ممارساته السيئة المجهضة للثورة باعتباره جزءا لا يتجزأ من نظام مبارك الفاسد، وأهم ما كتبته مقال فى صحيفة «الأخبار» بعنوان «سقوط شرعية المجلس العسكرى»، وغيره من مقالات وأحاديث تليفزيونية وصحفية لا حصر لها، وإنما لكشف المستور وراء محاولة الانقضاض الإخوانى على الدستور (الإعلان الدستورى آنذاك)، تمهيدا للسيطرة والاستحواذ والتمكين الذى سار بخطى واسعة بعد ذلك. والمستقر فى العلوم السياسية والنظم الدستورية بخاصة، أن الحاكم الذى يحنث بالقسم يفقد شرعيته، ومن يخلف العهود والوعود، فهو خائن وفاقد للشرعية، وهو ما ينطبق على د.مرسى، الأمر الذى جعلنى لا أعترف برئاسته منذ انقلابه الدستورى وما تبعه من انقلابات كان أخطرها إصداره للإعلان الدستورى فى 21 نوفمبر 2012م وما تبعه من تداعيات خطيرة، نتيجة إصرار الرئيس غير الشرعى على اغتصاب كل السلطات فى يده، إيذانا بميلاد ديكتاتور جديد قائلا كما قال فرعون الذى طغى «أنا ربكم الأعلى»! فهم يسيرون فى طريق السيطرة والاستحواذ المعروفة بأخونة أجهزة الدولة كأن المجتمع ملك لهم ولا يوجد غيرهم وبأنانية شديدة، وينتقلون من مرحلة إلى أخرى، وأعلن مرسى عن الانتخابات البرلمانية بعد اختطاف الدستور ب20٪ من عدد الناخبين وهو ما لم يوجد له مثيل فى أنحاء العالم، الأمر الذى قاد القوى السياسية والثورية المنضوى أغلبها فى جبهة الإنقاذ إلى المقاطعة الجماعية لهذه الانتخابات غير الشرعية والمزورة مسبقا. لذلك جاء حكم القضاء الإدارى بعد ظهر يوم الأربعاء 6 مارس 2013، صفعة على وجه مرسى وجماعته المغتصبة للسلطة فى مصر، وعلى وجه مستشاريه غير المسموح لهم بالمشاركة وإنما يكتفى بهم كديكور فقط، الأمر الذى قاد أغلبيتهم إلى الاستقالة. كما جاء هذا الحكم ليؤكد المسار الخاطئ للانتخابات ويوقف عجلتها الدائرة التى كانت ستؤدى إلى العنف والخراب والمزيد من عدم الاستقرار وأعباء مالية تصل إلى نحو 5 مليارات جنيه طوال الأشهر الأربعة القادمة، ثم من المؤكد حل البرلمان كسابقه نتيجة للإصرار على السير فى الطريق العكسى وغير القانونى بل وغير الدستورى. كذلك جاء الحكم ليؤكد اغتصاب مرسى للسلطة وتجاهل الحكومة (رئيسا ونوابا) فى إصداره قرار بدء الانتخابات، طبقا لنصوص الدستور الإخوانى! بل إن أخطر ما فى حكم القضاء الإدارى، هو الرسالة الهامة التى تتمثل فى انهيار نظام مرسى وجماعته، ومن عندى أقول إنه انهيار لنظام «مرسى/مبارك» وجماعة الإخوان. فما الأسباب التى تقود إلى هذا الاستخلاص؟ يمكن تحديدها فى ما يلى: 1- الانتشار الأفقى والرأسى للعنف والعنف المضادّ فى أغلب محافظات مصر، وأغلبه عنف سياسى فى سياق انتشار لفكرة العصيان المدنى الذى بدأ فى بورسعيد، وانتقل إلى العديد من المحافظات. 2- عودة الدولة البوليسية مرة أخرى بعد أن كادت المصالحة بين الشعب والشرطة تؤتى ثمارها. 3- اتباع سياسات الظلم والقهر والتعذيب والسحل والخطف حتى القتل، كما كان سائدا أيام مبارك وأسوأ، ووصل عدد الشهداء فى عهد مرسى إلى أكثر من مئة شهيد مطلوب محاكمته عليهم ومعه رجاله وجماعته، وملفات التحقيق فى ثلاجة النائب العام الملاكى لجماعة الإخوان، وبلغ عدد المصابين أكثر من ثلاثة آلاف حتى الآن. 4- انتشار الاحتجاجات الجماهيرية الواسعة فى كل القطاعات الحكومية وغيرها، نتيجة عدم انتهاج سياسات العدل الاجتماعى طبقا لما طالبت به الثورة العظيمة. 5- انتهاج الرئيس غير الشرعى وجماعته غير الشرعية أيضا، مبدأ التصالح مع رموز مبارك الفاسدين لجنى بعض المال منهم وعقد صفقات إخوانية. وتسير النيابة فى هذا الطريق، غير حامية للشعب الأمر الذى أفقدها وظيفتها، فمثلا قيام مبارك ورموز فساده برد أموال الهدايا التى حصلوا عليها من «الأهرام»، وغدا سيفعلون فى هدايا «الأخبار» وغيرها، كأن شيئا لم يحدث، وتتم تبرئتهم من القضية وحفظ الموضوع! فلا جريمة إذن مع الراشى والمرتشى! فيتأكد للشعب إهدار مرسى وجماعته لحق المجتمع ولسيادة القانون. 6- عقد الجلسات جهارا نهارا مع رموز نظام مبارك، وآخرها لقاء الكتاتنى فى الإسكندرية معهم. 7- اتباع سياسات اقتصادية تزيد من تكريس التبعية للغرب ولأمريكا بخاصة، واستمرار سياسات الاستدانة والركوع والخنوع، والصمت على نظام الأجور الظالم حاليا. وأخيرا فإن الحنث بالقسم ونقض العهود وعدم الوفاء بالوعود، والفشل الذريع فى إدارة شؤون البلاد، وعدم تحقيق إنجاز واحد طوال الأشهر الثمانية منذ تولى مرسى الحكم، والعبث بالقانون وإهدار سيادة القضاء واتباع سياسات النظام السابق الذى قامت ضده الثورة سياسيا واقتصاديا، واستمرار سياسات القمع حتى القتل، ووأد الحريات وبخاصة حرية التعبير وخطف الثورة وتعيين نائب عام ملاكى بالمخالفة، وخطف الدستور بالأقلية، والسير فى انتخابات برلمانية رغم مقاطعات الأغلبية لها حتى جاء حكم القضاء الإدارى ليطبع الصفعة على وجه مرسى وجماعته ورجال قانونه، مدوية.. وغير ذلك، فإن مؤدَّى ذلك كله هو الانهيار الكامل لمرسى/مبارك وجماعته. وليس بغريب أن يتفجر شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، فى ثورة يناير الثانية (25 يناير 2013) ولا تزال مستمرة حتى الآن، مرة أخرى، إلا لإحساس الشعب بحتمية رحيل نظام مبارك وتابعه مرسى وجماعته. فالثورة مستمرة حتى النصر بإذن الله، ولا يزال الحوار متصلا.