خلال النصف الثاني من شهر رمضان، يذهب آلاف المصريين إلى الأسواق لشراء الملابس، استعدادًا لاستقبال عيد الفطر، وما بين عام وآخر تعلو صرخات المواطنين من الارتفاع الجنونى للأسعار، ورغم ذلك تظهر أسواق القاهرة مكتظة بالمصريين من مختلف الأعمار. هجوم بشري مفاجئ على مناطق الأسواق الكبرى فى القاهرة «العتبة، والوكالة، ووسط البلد» في هذه الأيام، فضلًا عن المولات التى تكتظ بالشباب دون الالتفات إلى أى غلاء. «التحرير» رصدت من خلال هذا التقرير حركة البيع والشراء فى أسواق الملابس الجاهزة، فضلًا عن رصد الأسعار، وشكوى التجار والمواطنين، وأزمة الباعة الجائلين التى كانت حاضرة فى المشهد. هنا وسط البلد، هنا كل التناقضات.. ارتفاع أسعار.. ركود فى بعض المحلات.. باعة جائلون منتشرون فى كل مكان، كثير من محلات الملابس التى تعج بها المنطقة.. ملابس من كل شكل ولون وماركات ومقاسات وأذواق أيضًا تناسب الجميع، منذ منتصف رمضان والمنطقة لا تستطيع أن تضع قدمك بها من كثرة المترددين على محلاتها والبوتيكات التجارية التى تعرض فى الغالب ملابس متنوعة لمختلف أفراد الأسرة. مسعد الألفى، صاحب محل بشارع طلعت حرب، أكد ل«التحرير» أنه يقبع فى وسط البلد منذ 10 سنوات شاهدًا على المتغيرات السياسية والاقتصادية والأمنية التى مرَّت بها مصر فى السنوات الماضية، مضيفًا أن الجديد هذا العام هو اختفاء الباعة الجائلين من المنطقة، مما جعل فيها أريحية تامة وقلّل من الزحام وزادت نسبة الإقبال على الشراء من المحلات، مسعد قال إن «الأسعار هذا العام ليست مرتفعة، وإنما هى فى متناول الجميع، وحدثت زيادة طفيفة جدًّا مقارنة بالأعوام السابقة، حيث يبدأ سعر البنطلون من 90 جنيهًا حتى 300 جنيه». بينما رأى شوقى محمد أن الإقبال على الشراء انخفض هذا الموسم، فالمحلات كلها تزيد العمالة إلى ضعفين وتضخ كميات مهولة من الأموال فى سبيل تحقيق الربح المرجو فى موسم عيد الفطر، وهو ما قابله عدم تحقيق مبيعات قوية حتى الآن، بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية والحوادث الإرهابية الأخيرة، واشتكى شوقى من السرقة المتكررة للملابس بعد تطوير نُظم المراقبة. الأهالى من جانبهم أكدوا أن الأسعار على غير العادة فى ارتفاع مستمر، حيث أكد محمد إبراهيم، أبٌ لثلاثة أطفال، أنه يقوم بشراء ملابس العيد لأولاده كل عام من وسط البلد، موضحًا أن الأسعار فى ارتفاع كبير، مما أجبره على شراء نصف ما كان ينوى شراءه. تحوَّلت العتبة إلى واحدة من أهم الأسواق وأكثرها شهرة، حيث يأتيها الناس من كل مكان فى مصر، فهنا تجد «الغالى والرخيص»، هنا الجيد والمتوسط. الحاج محمد، أحد أشهر الوجوه فى العتبة، قال ل«التحرير»: «أعمل فى الحى منذ 25 عامًا، ويعتبر هذا هو الموسم الوحيد فى الحى، ويحقّق أعلى نسبة مبيعات»، مضيفًا: «نحن دائمًا نستعد للموسم قبله بفترة ليست بالقليلة، من خلال زيادة أعداد العمال والبائعين المحترفين، وأيضًا البضاعة وتخزينها فى مخزن خاص بالمحلات قريب فى حى العتبة، لكن يتم فى العادة شراء المنتجات من المصانع بشكل يومى، حسب حركة السوق كل بضعة أيام»، مشيرًا إلى أن هذا العام أقل من العام الماضى فى حركة البيع والشراء حتى اليوم، والسبب فى ذلك ارتفاع أسعار البضاعة بنسبة تصل إلى 30%، وفى الأعوام السابقة وقبل ثورة يناير كانت ترتفع الأسعار بنسبة من 7 إلى 10%، وسط إقبال متوسط من المواطنين، والأسباب الأخرى هى أن امتحانات الثانوية العامة انتهت وسط شهر رمضان، وحركة البيع فى شهر شعبان هى الأعلى من الأعوام السابقة، وهناك سبب مزمن آخر لم نتخلَّص منه منذ ثورة يناير، وهو الباعة الجائلون الذين يفترشون الشوارع أمام المحلات ويبيعون بأسعار أقل. وأضاف الحاج محمد أن «الأسعار هنا فى متناول الجميع، فسعر العباية من 200 جنيه إلى 450 جنيهًا، و(تايير) الأطفال من 120 جنيهًا إلى 220 جنيهًا»، مشيرًا إلى أن الإقبال الكبير يكون على ملابس الأطفال، مؤكدًا أن الأسعار زادت من المورد بسبب ارتفاع الأسعار، وبالتالى نرفع الأسعار على المشترى الغلبان، والمصانع فى حى العتبة أغلقت أبوابها خلال الأعوام السابقة بنسبة لا تقل عن 60%، وأيضًا مع انتشار الأسواق الأخرى مثل سوق غزة، وغيرها من الأسواق، أدّى إلى قلة عدد الزبائن فى العتبة، وأيضًا ذهاب الباعة المحترفين للعمل هناك، لارتفاع الأجور مقارنة بالأجور فى حى محلات العتبة، مؤكدًا «ندفع مرتبات تبدأ من 1200 جنيه إلى 2000 جنيه، ويعمل لدىّ 25 عاملًا فى هذا الفرع فقط، وكان يعمل لدى 40 عاملًا فى الموسم، لكن توقُّف الحال تسبَّب فى تقليل عددهم، بالإضافة إلى الأسباب سالفة الذكر، وتسبب كل هذه الأمور فى إغلاق أكثر من 50% من محلات العتبة، ومنها ما غيَّرت نشاطها». فى مقابل أسواق الطبقة المتوسطة، فإن الفقراء ومحدودى الدخل لهم أسواقهم الخاصة، والوكالة واحدة من تلك الأسواق التى يذهب إليها الفقراء فى هذه المناسبات، بحثًا عن الملابس المستوردة «المهربة»، أسفل كوبرى 15 مايو، وتحديدًا فى شارع بولاق أبو العلا التجارى لا صوت يعلو فوق صوت «السرّيحة».. المنطقة كلها حتى أصحاب المحلات فيها يفترشون الشوارع. عمرو، أحد الباعة فى المنطقة، صاحب ال40 عامًا، والذى نشأ فى السوق وتربّى فيها قال ل«التحرير» إنه لم يرَ طوال عمله فى الوكالة هذا القدر من المخالفات، حيث دفع مؤخرًا 700 جنيه لشرطة البلدية، ويطلب عمرو من الحكومة أن تراعى البائعين فى موسم العيد، لأن الكل يتّكل عليه من أجل تحقيق ربح يكفيه لأشهر مقبلة من العام. أما حسين، أحد البائعين، فيقول: «عرضت علينا الشرطة الانتقال إلى منطقة الترجمان وبالفعل انتقلنا إلى هناك، ولكن لم نبع قطعة ملابس واحدة لمدة أسبوع بسبب بُعد المنطقة عن مسار المواطنين الذين نستهدفهم، ووجودها فى منطقة غير مزدحمة»، ويضيف حسين أن عدد البائعين يبلغ نحو 1000، يعيلون نحو 2000 فرد، فيجب على الحكومة أن تحتويهم من أجل عدم تحوّلهم إلى الأعمال الإجرامية أو الإرهابية بسبب كرههم المطلق لها. ويضيف حسين: «وقفنا بجانب الحكومة فى جميع المظاهرات المعارضة ودافعنا عن قسم شرطة بولاق أبو العلا بكل غالٍ ونفيس، مما جنَّبه الحرق كجميع الأقسام». وعن الأسعار والإقبال على الشراء، يقول عمرو محمود، صاحب محل ملابس بالوكالة، إن «الوضع الحالى لا يبشّر بالخير، حيث لم نحقّق مبيعات مرضية حتى الآن، رغم أن الأسعار متوسطة، حيث إن سعر البنطلون يبدأ من 50 جنيهًا للأطفال، و60 جنيهًا للرجالى، و60 جنيهًا للحريمى، أما القميص والتيشيرت فيبدأ سعرهما من 25 جنيهًا، لأننا نستهدف الطبقة الكادحة». رئيس الشعبة العامة للملابس بالاتحاد العام للغرف التجارية يحيى الزنانيرى أكد ل«التحرير» أن موسم العيد يشهد ارتفاعا فى الأسعار بنسبة بلغت نحو 20% بسبب زيادة أسعار المواد الخام المستوردة، موضحا أن ارتفاع الأسعار أسهم فى حدوث ضعف فى عمليات البيع والشراء، وذلك على الرغم من اقتراب موسم عيد الفطر المبارك وزيادة إقبال المواطنين على شراء ملابس العيد لأطفالهم. وأضاف رئيس الشعبة أن كثيرا من المواطنين، خصوصا محدودى الدخل، يضطرون إلى اللجوء إلى الأسواق منخفضة الأسعار والتى تناسب ظروفهم المادية، ومنها أسواق العتبة والموسكى وبعض المناطق فى وسط البلد، لافتا إلى أن نسبة الإقبال على شراء الملابس من هذه المناطق تبلغ نحو 70%، يليها المحلات التجارية الكبرى فى وسط البلد وشارع قصر النيل بنسب تتراوح ما بين نحو 60 و65%، فى حين أن نسبة إقبال المواطنين على الشراء من المولات والمحلات التجارية العالية الأسعار سواء كانت براندس أو ماركات لا تتعدى نحو 30%. وأضاف رئيس الشعبة أن ارتفاع كل مستلزمات الإنتاج التى تدخل فى الصناعة، مثل الشماعات وأكياس التغليف وغيرها، هو السبب وراء رفع المنتجين لأسعار الملابس، بالإضافة إلى ارتفاع مستويات الأجور وزيادة أسعار الطاقة، مشيرا إلى أن السوق تشهد حاليا حالة من الركود الشديد نتيجة سوء الأحوال الاقتصادية لغالبية المواطنين، موضحا أن هناك تراجعا فى عمليات الشراء بداية من شهر رمضان بنسبة بلغت نحو 30%، متوقعا حدوث انتعاشة فى الأسواق خلال الأيام القادمة نتيجة بدء الطلب على شراء الملابس الجديدة مع قدوم عيد الفطر المبارك، مؤكدا أنه مع بداية الأوكازيون خلال شهر أغسطس المقبل ستنخفض الأسعار بنسبة تتجاوز نحو 50%. من جانبه أكد نائب رئيس غرفة تجارة القاهرة ونائب رئيس شعبة الملابس بالغرفة على شكرى أن زيادة سعر صرف الدولار أدت إلى ارتفاع التكلفة الإنتاجية للملابس، لافتا إلى أن نحو 50% من الغزول والأقطان المستخدمة فى الصناعة يتم استيرادها من الخارج، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الصباغات بنسبة بلغت نحو 7%، وهو الأمر الذى سيؤدى إلى ارتفاع أسعار الملابس والمنسوجات المحلية والمستوردة.