ما هى إلا أيام معدودات على صدور فتوى بقتله، حتى اغتيل المعارض التونسى شكرى بلعيد، وفى نفس يوم الاغتيال خرج علينا فى مصر أحد الشيوخ، وهو مدرس بالأزهر، يدعى محمود شعبان، ومعروف إعلاميا بالرجل «بتاع» «هاتولى راجل»، ليفتى بضرورة قتل قادة المعارضة فى مصر ممثلة فى جبهة الإنقاذ، وذكر الدكتور البرادعى وحمدين صباحى بالاسم، الدعوة الى القتل جاءت على قناة دينية هى قناة «الحافظ»، وفى وجود عدد من المشايخ، وفتوى الرجل استندت إلى جواز قتل من يخرج على الوالى بعد مبايتعه، فلا يجوز الخروج على الحاكم بعد البيعة، وهو أمر لا صلة له بما يجرى فى عالم اليوم من انتخابات حرة نزيهة تأتى بالحكام، ومن أن المعارضة ركن أساسى من أركان النظام الديمقراطى، ومن أن الدعوة إلى القتل أو التحريض على القتل جريمة يعاقب الداعى لها والمحرض عليها بموجب القانون الجنائى، وبما أن مصر دولة قانون ومن ثم فإن من يخالف القانون يتعرض للتحقيق والمحاكمة العادلة. ما يحدث لدينا فى مصر هو حالة من الفوضى الشاملة وتدمير دولة القانون والمؤسسات، وفرض أمر واقع بالقوة من ناحية، ومحاولة فرض القانون من جانب من خالفه واعتدى عليه من ناحية ثانية، فالدكتور محمد مرسى دمر القضاء المصرى، استهدفه وشوه سمعته وأهان كرامته عندما روج لمقولة إن القضاء المصرى مسيس وينتشر فيه الفساد، حاول الخروج على حكم المحكمة الدستورية العليا التى أبطلت مجلس الشعب من خلال قرارات رئاسية بإعادة المجلس، وبعد أن فشل فى ذلك دعا أهله وعشيرته إلى محاصرة المحكمة لمنعها من تطبيق نفس الحكم على مجلس الشورى، ومنعها أيضا من الحكم ببطلان الجمعية التأسيسية الثانية لكتابة الدستور، وبعد أن حقق ما أراد أجهز على دور المحكمة الدستورية فى الدستور الجديد. فى نفس الوقت ترك الدكتور مرسى لأهله وعشيرته ممارسة كل أعمال العنف خارج القانون والتعدى على المنشآت العامة والاعتداء على الأحزاب السياسية المدنية، بل صدرت الأوامر لميليشيا الجماعة بالتوجه إلى قصر الاتحادية لضرب المتظاهرين هناك والتنكيل بهم. أيضا كانت القنوات الدينية، وعلى رأسها قناتا «الحافظ» و«الأمة»، تنفذ خطة مبرمجة لتشويه المعارضين فى عيون البسطاء، توجه إليهم اتهامات الخيانة والعمالة، بل تتهمهم بمعاداة الدين، وعلى الرغم من عشرات الدعاوى التى قدمت ضد هاتين القناتين، فإن مرسى لم يحرك ساكنا، فقد بدا واضحا أنه سعيد للغاية بعملية تشويه المعارضة وتهديدها بل وتكفيرها، ألم يغمز مرسى نفسه متهما المعارضة بأن لا صلة لها بالصلاة عندما تساءل عن الذين يتحدثون عن تكلفة تأمين صلاة الجمعة، قائلا وماذا عن تكلفة صلاة الفجر، ولكن هم لا علاقة لهم بصلاة الفجر!! أراد الرئيس أن يقول إن قادة المعارضة لا يصلون الفجر، وهو أمر لا علاقة له بمهام منصبه ودوره، ولا يمكن أن يكون معيارا لتقييم المعارضة، بل هو ليس معيارا من معايير التقييم، فقضية الصلاة قضية شخصية بين العبد وربه، عليه أن يمارسها بخشوع بعيدا عن عيون الناس، فهو لا ينتظر منهم مقابلا لصلاته التى هى بينه وبين خالقه. المهم هنا هو أن مرسى وجماعته ضربوا بالقانون عرض الحائط، تركوا من حرق الكتاب المقدس حرا طليقا، يهدد بتكرار فعلته ويكفر المعارضة ورموز الإعلام المصرى، ولاحقوا آخرين من خارج العشيرة، لأنهم عبروا عن رأيهم فى ما تقوم به الجماعة، ووجهوا إلى آخرين لا ينتمون إلى العشيرة اتهامات وصلت إلى درجة الإساءة للأديان لمجرد ممارسة حرية الرأى على مواقع التواصل الاجتماعى. لم تدن الجماعة، ولا أدان مرسى تجاوزات وانتهاكات صادرة من أعضاء العشيرة مهما كانت ضخامة التجاوز وبشاعة الانتهاك، كان منطقيا أن يقود كل ذلك إلى مزيد من التجاوز والانتهاك وصولا إلى التحريض على القتل وإصدار فتاوى إهدار الدم على غرار ما صدر عن الشيخ محمود شعبان، لكن ما لا يدركه مرسى وعشيرته هو أن لكل فعل رد فعل يتجاوزه فى القوة والمدى، ضربت العشيرة الشباب حول الاتحادية، فخرج البلاك بلوك ردا على هذه الاعتداءات وسعيا إلى توفير الحماية للذات، تحرشت العشيرة بالفتيات والسيدات المصريات، فخرجن فى مسيرات طوال رافعات الأسلحة البيضاء ومرتديات قناع البلاك بلوك، غيبتم القانون، فحملت نساء مصر وفتياتها السكاكين والعصى للدفاع عن أنفسهن، فماذا تنتظرون بعد ذلك؟ ما لم يحاسب الشيخ محمود شعبان على فتواه بجواز قتل قادة جبهة الإنقاذ، وتتم إدانة واضحة وصريحة من كبار العلماء لهذه الفتوى القتلة، فاعلموا أن المصريين سوف يردون على ذلك بطريقتهم الخاصة، وأنكم بذلك تسقطون ما تبقى من «الدولة» وتنشرون الفوضى فى ربوع البلاد.