فرصة تاريخية علينا أن نمسك فيها بأيدينا وأسناننا، وأن نتشبث بها قدر ما استطعنا، لأنها السبيل الوحيد للخروج بنا من كل هذا العبث الذى نعيشه يوميا، بسبب التخبط فى إدارة المرحلة الانتقالية، الذى قد يهدد ويقضى فى النهاية على ما يمكن أن تحققه الثورة المصرية من تحول ديمقراطى منشود، فالثورة المصرية شأنها شأن ثورات العالم، أمامها طريقان إما أن تستقر بنا إلى نظام ديمقراطى حقيقى، كما حدث فى تجارب بعض الدول، وإما أن تنتهى بنا إلى إعادة إنتاج للنظام القديم، ولو بتغيرات شكلية كما حدث فى تجارب أخرى. ربما كانت كاريزمية الثورة لحظة انطلاقها أنها لم تحظ بقيادة شخص أو مجموعة بعينها تحدد مسارها، توجه جماهيرها إلى ما تراه الأنسب من وجهة نظر ضيقة، وهو بالفعل ما أسهم كثيرا فى أن لا ننجرف نحو تفاوضات أو تنازلات طبقا لما تراه القيادة من أجل تحقيق أكبر قدر من المكاسب وأقل قدر من الخسائر. والواقع أن تلك الكاريزمية وإن كانت قد صنعت للثورة المصرية بريقا وتفردا، إلا أنها لم تحافظ كثيرا على وحدة المطالب بعد سقوط حكومة أحمد شفيق، حيث تحولت الميزة المبهرة إلى عيب قاتل، بعد أن تفرقت الرؤى واختلفت الآراء فى ما يجب أن يتحقق وكيف يجب أن يتحقق، ولعب الاستقطاب الدينى فى أوقات شديدة الحساسية دورا شديد السلبية فى استدراجنا لمعارك هامشية، كان من المفترض أن تكون محسومة سلفا.
الآن نحن أمام فرصة تاريخية كما قلنا قد تنهى هذا التخبط وتضارب المصالح والصراع السياسى بين الأطياف والفصائل، هذه الفرصة تتمثل فى توافق مرشحى الرئاسة الذين يواصلون اجتماعاتهم على مجموعة من المطالب، وخارطة طريق تحدد ما يجب إنجازه طبقا لجدول زمنى محدد وقاطع، ينتهى بتسليم إدارة شؤون البلاد لسلطة مدنية منتخبة.
دعوة مرشحى الرئاسة للاجتماع والتوافق فى ما بينهم انطلقت فى شهر رمضان الماضى من قبل عدد من شباب ائتلاف شباب الثورة، أبرزهم عضوا المكتب التنفيذى للائتلاف: الناشط أحمد عيد والدكتور شادى الغزالى حرب، وقد حظيت تلك الدعوة -التى أحيطت بإطار من السرية- بالدعم والتأييد من قبل الأستاذ ابراهيم عيسى، والناشر المعروف المهندس إبراهيم المعلم، وكان الداعيان والداعمان قد اتفقا على أن البلاد تمر بلحظات بالغة الدقة فى تاريخها، وعلى مرشحى الرئاسة أن يدركوا أنهم أمام مسؤولية تاريخية، ربما تجعلهم هم الوحيدين الأقدر على دفع البلاد نحو الطريق السليم بتوافقهم واتفاقهم. وبالفعل عقدت الجلسة الأولى فى شهر رمضان فى بيت الأستاذ إبراهيم عيسى، ولبّى دعوة شباب الائتلاف بحماس بالغ كل من السيد عمرو موسى والدكتور محمد البرادعى، والمستشار هشام البسطويسى، والسيد حمدين صباحى.. ومن أجل توسيع مجموعة الأربعة جرت نقاشات أخرى مع د.عبد المنعم أبو الفتوح الذى رحب بزيارتنا له فى مقر نقابة الأطباء فى الشهر الكريم نفسه، وأبدى رغبته فى المشاركة واقتراحه بتوسيع المجموعة بضم مرشحين آخرين. ثم جرت دعوة للقاء ثان وثالث فى بيت المهندس إبراهيم المعلم، وفى مقر جريدة الشروق، إلا أنه لانشغال بعض المرشحين لم يحظ الاجتماعان الأخيران بحضور الستة مرشحين جميعهم. وإن كان فى النهاية قد صيغت وثيقتان واطلع عليهما المرشحون وأبدوا عليهما بعض ملاحظاتهم، إلا أنهم رأوا فيها أساسا جيدا ومتينا يمكن العمل عليه والتوافق حوله.
الوثيقة التى تشرفت مجموعة الشباب بصياغتها اشتملت على تواريخ محددة للانتهاء من مجموعة من الخطوات، أبرزها تعديل قانون البرلمان، إجراء الانتخابات القادمة كاملة بنظام القائمة النسبية، بما يضمن ترسيخ وتدعيم أسس الحياة الحزبية، على أن تتولى مجموعة مرشحى الرئاسة تنسيق وإعداد قائمة «الوطنية» وهى القائمة التى ستخوض بموجبها التيارات والفصائل الوطنية الانتخابات البرلمانية القادمة للحيلولة دون أن يؤدى التنازع والمنافسة إلى أن يحظى الفلول بنصيب وافر من المقاعد فى برلمان الثورة، ثم تتولى لجنة صياغة الدستور، -وخلال ثلاثة أشهر من الجلسة الأولى لانعقاد البرلمان- إعداد الدستور الجديد للبلاد، مسترشدة فى ذلك بالمبادئ الدستورية التى أجمعت عليها الفصائل والتيارات السياسية المصرية، وبحلول شهر مارس تنتهى اللجنة من مشروع الدستور، وتجرى الانتخابات الرئاسية فى تلك الأثناء.
اليوم يصير الحلم أكثر قربا، وتستمر الجلسات والاجتماعات لمجموعة مرشحى الرئاسة التى ينسقها زميلنا المخلص وائل غنيم بالاشتراك مع عدد من أعضاء ائتلاف شباب الثورة، والمسؤولون عن إدارة الحملات الانتخابية للمرشحين أنفسهم، وتتعلق الأنظار بتلك الاجتماعات التى يعلق عليها الكثير منا آمالا وطموحات عريضة.
ويبقى فى النهاية أننا جميعنا أمام مسؤولية تاريخية تحتم علينا إنجاح هذه المهمة، فتوافق مرشحى الرئاسة على ما يجب تنفيذه على المدى القصير أو البعيد فى إدارة المرحلة الانتقالية هو ضرورة حتمية لا بديل عنها خصوصا لمواجهة الادعاءات الدائمة للمجلس العسكرى بأن الرؤى مختلفة من قبل القوى السياسية وهو ما يحول دون تحقيق المطالب الشعبية. وهو ما يسهم أيضا فى دحض ادعاءات البعض من أن تلك الثورة ليس لها قيادة أو مظلة تجمعها أو رؤية وخطة واضحة المعالم، وبالتالى الزعم بأحقية المجلس العسكرى فى إقرار ما يشاء من قرارات وسياسات منفردا.
كذلك فإن تنوع واختلاف أيديولوجيات المرشحين والقطاعات التى يحظون بتأييدها سوف تجعلهم معبرين عن أغلب الرؤى والتيارات السياسية إن لم نقل كلها، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وبالتالى فإن مصالح كل القطاعات المجتمعية سوف تكون ممثلة وجزءا من أجندة سياسية شاملة، تستهدف عبور تلك المرحلة الحساسة من خلال وسيط تفاوضى قوى، يحظى بقوة سياسية وأدبية، تمنحه شرعية التفاوض على ما يريده الشعب.
وهو ما سيقودنا بالضرورة إلى وقف الصراع السياسى أو على الأقل ترشيده وإنهاء حالة الاستقطاب بين القوى السياسية المختلفة، التى كان من نتائجها ادعاء كل فصيل أنه المحرك الوحيد والأوحد لتلك الثورة، وعليه فإن النتيجة الحتمية لما قدمه من تضحيات هى تنفيذ رؤيته فقط، حتى وإن كانت تتجاهل ما يريده سائر القوى الوطنية.