الآن.. وقد سقطت كل الأقنعة، لم يعد هناك مجال للف أو الدوران على الحقائق، عامان من التآمر على الثورة كانا كافيين لكى تخرج الملايين مرة أخرى لإنقاذ الوطن وتجديد الثورة. الآن.. لم يعد هناك مكان للمواقف الرمادية. مصر كلها فى جانب، وحكم الإخوان الفاشل فى جانب آخر، تعرف الملايين الآن أنه لا بديل عن استعادة الثورة ممن خطفوها، ولا مساومة فى تحقيق أهدافها، عامان من التآمر والخداع وضعا مصر على حافة الكارثة، قامت الثورة لتطالب بالخبز.. الحكم سيعطيك ثلاثة أرغفة فى اليوم، على أن تدعو للرئىس بالنصر!! قامت الثورة لتطالب بالحرية.. قوانين القمع ومنع التظاهر يتم إعدادها، الصحفيون وأصحاب الرأى أمام المحاكم، والمحاكم تحت الحصار، والقانون يصيغه مجلس السبعة فى المئة الباطل استناد إلى دستور أكثر بطلانا!! قامت الثورة لتطالب بالكرامة.. كرامة المواطن يقتلها الفقر والبطالة والتمييز، وكرامة الوطن يقتلها تسول المعونات، وضياع الاستقلال والرضا بالتبعية طلبا لدعم أولياء الأمر، أو الحلفاء الاستراتيجيين، أو الأصدقاء الأوفياء!! سقطت كل الأقنعة، ولم يعد ممكنا استمرار هذه الأوضاع التى تقود مصر إلى الكارثة ثمنا لوهم «الدولة الدينية» التى يحلم بها تجار الدين وأنصار الفاشية. لكن ماذا على الجانب الآخر، حيث مصر كلها تتحرك لإنقاذ الوطن وتجديد الثورة؟! تعلم الثوار الدرس، وعرفت القوى الوطنية أخطاءها التى أعطت الفرصة للفاشيين الجدد لكى يسرقوا الثورة ويستولوا على الحكم. الآن يعرف الجميع أن وحدة الصف الوطنى فى مواجهة الفاشية أمر لا بديل عنه، ويعرف الثوار أن من خانوا الثورة مرة سوف يخونونها مرات، وأن من يبيع دماء الشهداء لن يمتنع عن بيع السد العالى، وأن من سرق الثورة لا يختلف فى شىء عن النظام السابق إلا فى الاتجار بالدين!! والمهم الآن أن لا نكرر الخطأ بأى حال من الأحوال، لقد خسرت الثورة فى الجولة الأولى حين اكتفت بإسقاط رأس النظام وتركت النظام نفسه فى ظل قيادة تنقلب على الثورة وتحاول تصفيتها. أيضا جاءت الخسارة حين وجدنا أنفسنا نعرف ما نريد التخلص منه، ولكننا لا نعرف ما نبحث عنه، ولا نملك تصورا للدولة التى نريدها.. فكانت النتيجة أن وجدنا أنفسنا أمام خطر الفاشية الجديدة التى تهدم كل أسس الدولة المدنية التى ناضلت مصر من أجلها على مدى السنين. الآن لا ينبغى أن يتكرر الخطأ، مطالب الملايين فى إسقاط الدستور وإنهاء «الأخونة» والحفاظ على مؤسسات الدولة، ووقف التدهور الاقتصادى، وإنقاذ مصر من مخاطر الحكم الفاشى.. كلها مطالب عادلة وضرورية، ولكن لا ينبغى الاكتفاء بها، الملايين تطلب الآن «البديل» الذى يليق بمصر. لا بد أن نقدم لهم تصور الثورة لمصر الديمقراطية الحديثة، لا بد أن نقدم برنامج إنقاذ مصر على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. لا بد أن نقدم خطة العمل التى تعتمد على تصنيع مصر وليس على «السوبر ماركت»!! والتى تعتمد على موارد مصر وليس على التسول والاستدانة!! لا بد أن يكون أمام الملايين الثائرة تصورنا لدولة المساواة الحقيقية بين المواطنين، ولدولة الإرادة المستقلة التى ترفض التبعية وتعرف أن مكانها هو فى قلب أمتها العربية. لا بد أن نقول إن هذا النظام لا بد أن يسقط، ليقوم النظام الذى يحقق الحرية الحقيقية، ويضمن لقمة العيش الكريمة، ويفتح الباب لنبنى مصر التى نحلم بها جميعا وطنا للحرية والكرامة، وليست بيتا لخفافيش الظلام كما يريدها الفاشيون الجدد!!