«مستقبل مظلم.. السقوط فى هاوية الفوضى»، تلك كانت أبرز عناوين الصحف الباكستانية خلال الأسابيع الماضية، والتى حذرت من تكالب الأزمات والمشكلات على البلاد وصدام مختلف المؤسسات خصوصا بين الحكومة والقضاء من جهة، وصدامهما معا مع الشارع ورجال الدين من جهة أخرى، يسير بخطى متسارعة بالبلاد نحو الانهيار. الصورة الباكستانية الحالية متناقضة ومرتبكة لحد كبير، فهناك صراع قديم ومستمر بين الحكومة والقضاء، والذى أدى إلى صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا بإلقاء القبض على رئيس الوزراء راجا برفيز أشرف لتورطه فى قضايا فساد تتعلق بمشاريع للطاقة. هذا مجرد جزء من المشهد «المعقد» الذى ستجد فيه أيضا رجل الدين الصوفى الشيخ طاهر القادرى موجودا بقوة، خصوصا عقب المسيرة المليونية التى قادها وهزت شوارع إسلام أباد، وطالب فيها بتطهير بلاده من الفاسدين، وكانت بمثابة جرس إنذار صاخب للحكومة، التى أذعنت له ولمطالبه ووقعت معه اتفاقا وصفه مراقبون أنه بمثابة «عملية جراحية للتركيبة السياسية الباكستانية». فاتفاق إسلام أباد يحوى عددا من البنود المهمة، التى تحرم عددا كبيرا من ساسة باكستان المتورطين فى قضايا فساد من المشاركة فى الانتخابات العامة مايو المقبل، وأخرج القادرى الذى عاد مؤخرا من كندا، ليقود ثورة ضد الحكومة، منتصرا فى معركته الأولى، لكن لا تزال هناك معارك عديدة مقبلة، خصوصا بعدما تكشف الأمر واتضح أن رئيس باكستان السابق بيرفيز مشرف وقائد أحد الانقلابات العسكرية الأخيرة فى البلاد، هو من يقف وراءه ويدعمه. اللوحة متشابكة الأطراف للدولة الإسلامية النووية، يقف فيها من بعيد «الجيش»، الذى تقلصت قواه بصورة كبيرة ينتظر الفرصة السانحة كى ينقض على السلطة، مستعينا فى ذلك بعدد من الجنرالات المتقاعدين، الذين يحاولون الاستفادة من أساليب «الربيع العربى»، وهذا الأمر هو الذى جعل الرئيس آصف زردارى يقول فى أحد التجمعات الجماهيرية فى ذكرى رحيل زوجته والزعيمة الباكستانية الراحلة بناظير بوتو إن «التجربة المصرية لا مكان لها فى باكستان». ويقول حسنيان كاظمى فى تحليله بصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية: «لجوء الجنرالات إلى الشارع بالطبع، أتى بعد تربص المحكمة العليا الباكستانية بهم، وتقديم وملاحقة أكثر من شخص، مما جعلهم يدركون أن أسلوب الانقلابات التقليدية بات أمرا قديما وعليهم اتباع طريقة جديدة لتنفيذ أغراضهم». وتابع قائلا «الجيش سيكون سعيدا، حينما يرى شخصيات مثل القادرى تسلط الضوء على عيوب الحكومة، وتلعب دورا من وراء الكواليس لدعمهم». لكن، بعيدا عن هذا الوضع الكئيب الذى تغرق فيه الحياة السياسية الباكستانية، هناك وضع أكثر قتامة، فالبلد مثقلة بمشكلات اقتصادية ومعيشية لا حصر لها، وهى ما جعلت صندوق النقد الدولى يعلن له مطلع الشهر الجارى عن رفضه أى اتفاق بقروض جديدة معه، خصوصا أنه لم يتمكن من الالتزام بتعهداته للقروض السابقة. وحذر عدد كبير من المحللين من احتمالية تفكك المجتمع الباكستانى طائفيا، بسبب تطرف الجماعات التابعة لحركة طالبان الباكستانية والهجمات والتفجيرات المتكررة التى تشنها على الآلاف من الباكستانيين الشيعة. باكستان تعيش وتسير بوتيرة متسارعة إلى خيار «الفوضى»، لكن يبقى أمام الدولة الإسلامية الكبرى خياران، «إما الثورة على كل المشاهد المتشائمة، وإما العودة إلى الحكم الديكتاتورى العسكرى». إحدى المناظرات بين المرشحين الرئاسيين هل تتسلم واشنطن مفاتيح أمريكا اللاتينية بعد غروب شمس «البوليفارى»؟