من الواضح أن تيار اليمين الدينى المتطرف الحاكم حاليا فى مصر يتفادى أى صدامات مع الخارج. بل ويظهر تملقا شديدا لعديد من الدول التى كانت بالأمس القريب من ألدّ أعدائه، واحتلت أولويات خطاباته السياسية والدينية وكذلك انتقاداته لنظام مبارك الذى كان على علاقات جيدة معها. لقد بدأت المغازلات العلنية بين اليمين الدينى المتطرف فى مصر منذ سنوات، ولكنها أصبحت بشكل يكاد يكون شبه رسمى. لدرجة أن الأجهزة الأمنية المصرية هى التى قامت بمرافقة زعيم منظمة «حماس» حتى حدود «دولة غزة». وهو الزعيم الذى ترك سوريا وتوجه إلى قطر. أما مغزى زيارة أمير tقطر إلى غزة فلا يخفى على أحد. وبالتالى، ليس من المستبعد فى القريب العاجل أن نشهد لقاءات بين الإخوان وحماس من جهة وبين إسرائيل من جهة أخرى برعاية قطرية-أمريكية. ولن يندهش أحد من إمكانية موافقة هذه الأطراف على «يهودية دولة إسرائيل». كل هذه الأمور أصبحت واردة تماما بعد تصريحات قادة الإخوان بترحيبهم بعودة اليهود المصريين من إسرائيل أو الدول الأخرى إلى مصر فى الوقت الذى يجرى فيه التضييق التشريعى والاجتماعى والاقتصادى على المصريين الأقباط والمسلمين فى آن واحد. ومن الواضح أن إسرائيل هى آخر دولة يمكن أن تنخدع بمثل تلك المغازلات. فتوزيع الأدوار بدأ على الفور، حيث أعلن الرئيس الإسرائيلى أنه على استعداد للجلوس مع حماس على طاولة الحوار، بينما بدأ اليمين الإسرائيلى المتطرف يعرب عن انزعاجه! إن التملق الشديد الذى يظهره تيار اليمين الدينى المتطرف الحاكم فى مصر للقوى الأجنبية يعد أحد العوامل الهامة فى السياسة الكبرى لزرع الثقة والاطمئنان لدى الخارج مقابل تغاضيه عن تصرفاتها وإجراءاتها الاستبدادية فى الداخل والاستمرار فى تقديم الدعم لها. ولا مانع فى هذه الحالة من أن يبادر هذا اليمين بتقديم خدماته التى تتلخص، فى حالة اليمين الدينى المتطرف فى مصر، فى تقديم خدمات ضد إيران، أو تجييش المنطقة ضد المصالح الصينية أو الروسية أو الاثنين معا، أو المشاركة فى إثارة القلاقل فى مناطق بعيدة مثل القوقاز وآسيا الوسطى. ومن الواضح أن اليمين الدينى المتطرف فى مصر مستعد لتقديم كل فروض الولاء والطاعة للقوى الخارجية من أجل البقاء فى الحكم. ولكن هل هذه القوى مستعدة للتضحية بأشياء كثيرة على المدى المتوسط والبعيد؟! هل هذه القوى مستعدة لتكرار تجربة أفغانستان؟! أم أن أفغنة المنطقة بدأت بالفعل بشكل جزئى فى ليبيا وسوريا والسودان والعراق، ولم يعد هناك خط رجعة لهذه القوى التى تعتبر الشرق الأوسط مجرد ورقة جيوسياسية صغيرة ضمن أوراقها الجيوسياسية والجيواقتصادية الكبرى مع اللاعبين الدوليين الكبار؟! فواشنطن ومحورها الأورو-أطلسى لديهما مشروع كونى كبير يشمل الطاقة والاقتصاد والمياه والأمن. والمنطقة العربية ليست إلا مجرد متغير بسيط فى المعادلة الكبرى. إذا كانت الولاياتالمتحدة والمحور الأورو-أطلسى قررا خوض التجربة الأفغانية-العربية مجددا وبسيناريوهات مختلفة أكثر مرونة واتساعا، فلا يمكن فى هذه الحالة الاستغناء عن حلفائهما الذين ساعدوهما فى السابق فى أفغانستان والقوقاز وبعض دول آسيا الوسطى طوال سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى وحتى منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة. ويبدو أن هذا السيناريو تحديدا هو الأقرب إلى ما يدور حاليا. غير أن طموحات تيار اليمين الدينى المتطرف الذى يحكم مصر حاليا، وسيحكم العديد من دول الشرق الأوسط على المدى القريب، لديه أيضا طموحاته التى تصل بطبيعة الحال إلى مشروع يشمل آسيا الوسطى والقوقاز وربما الهند والصين وفقا لخارطة الخلافة القديمة. فهل يمكن أن تنجو الولاياتالمتحدة وأوروبا من مصيدة هذه الطموحات والمشاريع؟! وهل يمكن أن تنجو الدول الخليجية التى تلعب أدوار الكومبارس؟! أم أن لدى واشنطن والمحور الأورو-أطلسى خططا بديلة فى حال انقلاب التيارات اليمينية فى الشرق الأوسط ضدهما؟! لقد علمتنا التجارب السابقة أن خطط الغرب البديلة وردوده العنيفة لا تأتى إلا على حساب الشعوب وليس على حساب الأنظمة، التى يدعمها ويساندها حتى النهاية الأليمة للبشر وللدول التى تدمر، على الرغم من الشعارات الزائفة عن الحرية والديمقراطية التى يرفعها هذا الغرب مع كل سلطة استبدادية أو دينية يأتى بها إلى المنطقة! من جهة أخرى، لا يمكن أن يعنى الحديث أعلاه أن الولاياتالمتحدة ومحورها الأورو-أطلسى قادران دوما على فرض الأنظمة الاستبدادية أو الدينية المتطرفة، لأن معادلات الداخل عادة ما تلعب دورا مساعدا سواء بالإيجاب أو السلب، وإلا لاحتفظا بنظام مبارك إلى أبد الآبدين! هكذا تظهر الفرصة الكبرى أمام القوى المدنية المصرية والتحالفات والجبهات السياسية لتغيير المعادلة الداخلية. ولكن إذا تم ذلك على مستوى النخب فى تجاهل للشارع الناضج فعليا، فستتحول القوى المدنية وكل التحالفات والجبهات إلى مجرد ورق تواليت للجميع بمن فيهم الشارع الذى أصبح يقود بدرجة أو بأخرى. إن الذى يحتمى بالشارع الآن سيكون الرابح فى الجولة المقبلة، حتى وإن شابها عنف اليمين الدينى المتطرف أو إجراءات أجهزته الأمنية والعسكرية القمعية أو حتى الميليشيات المتطرفة التى بدأت تتلقى الأوامر بالاستعداد.