منذ إنشاء جماعة الإخوان المسلمين على يد المؤسس حسن البنا فى عام 1928، ظل نشاطها الحقيقى، وكل ما يتعلق بالتنظيم ومصادر التمويل وأوجه الإنفاق، سرا مطويا لا يعرفه إلا رأس الجماعة (المرشد) وبعض المقربين إليه وذوو الحظوة من أعضاء مكتب الإرشاد.. وبقى هذا السر الدفين حتى اليوم بمثابة قدس الأقداس الذى يحرق كل من يحاول الاقتراب منه أو يدفعه الفضول إلى مجرد طرح الأسئلة بشأنه، لأن فى ذلك تجاوزا لكل الخطوط الحمراء وخروجا على مبدأ السمع والطاعة.. وفى العمل السرى تباح كل المحظورات والرذائل والجرائم، ابتداء من الكذب وحتى قتل النفس دون وجه حق، على قاعدة أن «الضرورات تبيح المحظورات».. وقد تورط النظام الخاص الذى أنشأه البنا فى عمليات اغتيال طالت سياسيين ووزراء وقضاة، ولم تستثن عناصر من الجماعة شقت عصا الطاعة واعتبرت خطرا على التنظيم. أما الكذب فكان ولا يزال طقسا يوميا يُمارس كنوع من التقية (حيث يُضطر المرء إلى إظهار خلاف ما يبطن إذا استشعر خطرا يتهدد حياته أو عرضه أو ماله).. ولكن الكذب تحول إلى عادة وسياسة ثابتة، بعد أن تمكنت الجماعة من القفز إلى سدة حكم البلاد عقب نجاحها فى ركوب الثورة واختطافها بمساعدة المجلس العسكرى، ورعاية الأمريكيين وبعض الأنظمة النفطية.. هنا سقطت كل الأقنعة التى كان يتخفى وراءها قادة الجماعة وكوادرها، وكشفت عن وجه قبيح مراوغ، طالما أخفته تحت شعارات المشاركة والتعايش والتوافق والحوار الوطنى وقبول الآخر المختلف فى الفكر والعقيدة.. ولم يكتفوا بالكذب، بل أضافوا إليه نقض الوعد وخيانة العهد.. فى كتاب «سر المعبد» للقيادى الإخوانى السابق المحامى البارز ثروت الخرباوى، يقول إن محمد المأمون المحرزى، وهو من قيادات محافظة قنا، اتصل به من الكويت، حيث يقيم منذ سنوات طويلة، ليقول له «عندما فرض الحاج مصطفى مشهور سيطرته على الجماعة تغيرت وانقلبت إلى وجه آخر، وجه قبيح لا نعرفه، الجماعة الموجودة الآن ليست هى جماعة الإخوان المسلمين.. والحقيقة يا أستاذ ثروت أنا لا أعرف كيف يصبر الإخوان على الإدارة الحالية التى تديرهم.. إنها إدارة كاذبة مخادعة فاشلة تكفيرية، أضاعت الإخوان يوم أن ولغت فى السياسة. جريمة أن تستمر هذه الإدارة فى مكانها، لقد رأيتهم وهم يتحدثون فى التليفزيون فرأيتُ الكذب يقفز منهم قفزا، إى وربى إنهم يكذبون كما يتنفسون، والمأساة يا أخى أنهم يعرفون أننا نعرف كذبهم، ولكنهم لا يأبهون، هذه الإدارة تشكل فى ما بينها جماعة (الإخوان الكاذبون)»!! وفى هذه الشهادة الكاشفة لواحد من جيل الرواد فى الجماعة إشارة واضحة إلى الانقلاب القطبى (نسبة إلى سيد قطب) على أفكار المؤسس حسن البنا والذى نفذه فريق مصطفى مشهور.. وكان أبرز أعضاء هذا الفريق محمود عزت وخيرت الشاطر والدكتور محمد مرسى (الرئيس الحالى!).. فرض مصطفى مشهور أفكاره ورجاله على التنظيم حتى دانت لهم الأمور تماما.. ولم يُخف هذا الرجل أبدا تبنيه أفكار سيد قطب التى تكفِّر المجتمع المسلم وهى الأفكار التى وصفها العلَّامة الكبير الشيخ يوسف القرضاوى بأنها «خروج عن أهل السنة والجماعة»، مؤكدا أن سيد قطب تأثر بأفكار الشيخ أبو الأعلى المودودى إلى حد كبير وأخذ عنه فكرة الحاكمية والجاهلية، ولكن قطب خرج فى النهاية بنتائج عن تكفير المجتمع وجاهليته تختلف تماما عما قاله المودودى».. وهنا قامت قيامة القطبيين على الشيخ القرضاوى، حتى إن الدكتور محمد مرسى اتهمه بالجهل باللغة العربية، إذ قال نصا فى حديث تليفزيونى «ويجب لمن يقرأ لسيد قطب أن يتعلم اللغة العربية أولا، قلبى على القرضاوى الذى لا يعرف العربية ولا يُتقن غير التركستمانية، فإذا عرف العربية سيعرف أن ما يقوله سيد قطب هو الإسلام»!! ولكى نتعرف أكثر على أفكار تيار القطبيين الجدد الذين يحكمون مصر الآن، سأنقل إليكم حرفيا رأى زعيمهم مصطفى مشهور وموقفه من المسيحيين المصريين، إذ قال للمحامى البارز الأستاذ مختار نوح فى حضور الخرباوى شخصيا إن «النصارى يجب أن يدفعوا الجزية، ولا يجوز إدخالهم الجيش، فكيف يدخلون الجيش ويدافعون عن مشروعنا الإسلامى وهم لا يؤمنون بالإسلام، الجزية رحمة بهم، وهذا هو تشريع الله، هل نغير من تشريع الله؟!».. بل أضاف «لا يجوز أن نقول عنهم مسيحيون، فالله لم يقل عنهم هذا، نصارى أو أقباط أو صليبيون.. هؤلاء الأقباط ليسوا من أهل الكتاب، بل هم من المشركين، ولا يجوز الزواج منهم ولا أكل طعامهم.. ولا يجوز أن نُلقى عليهم السلام ونقول لهم تحية الإسلام.. السلام عليكم»!! أما آخر الشهادات التى أود إيداعها هذا المقال، لوجه الله والتاريخ، فهى شهادة المهندس أبو العلا ماضى الذى انفصل عن الجماعة، وقال للخرباوى إن «جماعة الإخوان مثل القطار الذى كان متجها إلى مدينة ما فقام بعض الأشرار باختطاف القطار وتغيير مساره».. وأضاف موضحا «تنظيم سيد قطب بدأ فى السيطرة على الجماعة، وهم ليسوا أبناء الفكرة الأصلية للإخوان، ولكن لديهم رؤى خاصة بهم»!!.. وأختم بشهادة الأستاذ عصام سلطان، وهو عضو سابق بالجماعة، والذى قال، فى ما نقله عنه الخرباوى أيضا إن «جماعة الإخوان يقودها الآن مجموعة من الأغبياء الذين لا يفهمون، ولو فهموا لماتوا»، مضيفا أن «الجماعة انتهت بوفاة الأستاذ عمر التلمسانى، ومن يدير الجماعة الآن هم المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السَّبُع»!!