أشار تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بعنوان «هل الضباط في مصر إخوان مسلمون؟»، إلى تساؤلات مجموعة متباينة من المراقبين في الوقت الذي كانت تترنح في مصر خلال أزمة سياسية أخرى على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية- عما قد يفعله الجيش في ظل مواجهة المصريين ضد بعضهم البعض حول الإعلان الدستوري للرئيس محمد مرسي في 22 نوفمبر، ومسودة الدستور. وورد في التقرير الذي كتبه ستيفن كوك ستيفن كوك زميل دراسات الشرق الأوسط في المجلس، أنه بينما يتعمق الاستقطاب على الساحة السياسية المصرية، ومع إشارة وزارة الدفاع إلى نيتها البقاء في ثكناتها، -باستثناء توفير الأمن أثناء استفتاء السبت- ظهرت الأسئلة مرة أخرى حول العلاقة بين الإخوان المسلمون والقيادة العليا القوات للمسلحة؛ حتى أن البعض استنتج أن التقاعس من قبل الجيش، يرجح أن الضباط يدعمون مرسوم مرسي ومسودة الدستور.
ومضى كوك بالقول دعونا نشترط أن لا أحد يعرف إلى أي مدى اخترقت جماعة الإخوان الجيش؛ فمنذ أطاح مرسي بالمشير طنطاوي من وزارة الدفاع في أغسطس الماضي كانت هناك ثرثرة مستمرة في القاهرة أن بديله الجنرال عبد الفتاح سيسي، مؤيد للإخوان أو أنه كان "خلد جماعة" داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
ومع ذلك، تابع كوك متسائلا لماذا تم ترقية السيسي؟ ما الذي يتعلق بشأنه ويجبر مرسي كي يلجأ إليه ليقود الجيش؟ ورأى أنها أسئلة جيدة لا توجد لها إجابات جيدة للغاية. ورغم الشائعات، فإن السيسي لن يكون أول ضابط كبير يبدو داعما لأجندة إسلامية.
واستذكر كوك أنه في أكتوبر 1973، أطلق على عبور قناة السويس الاسم الكودي "بدر"، في إشارة إلى المعركة الحاسمة بين جيش النبي محمد وقريش في 624 م. بعد عقد من الزمان، أكد بعبع مبارك -بحسب وصف كوك- المشير عبد الحليم أبو غزالة، ورعه وورع أسرته، وبخاصة أن زوجته كانت ترتدي الحجاب؛ كما أكد أبو غزالة في كثير من الأحيان أن مهمة ورؤية الجيش تتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
وتابع كوك قائلا: أثناء عملية عاصفة الصحراء/ درع الصحراء بين عامي 1990-1991، برر اللواء محمد علي بلال، الذي قاد قوة مصر التدخل السريع في المملكة العربية السعودية، نشر 35 ألف جندي في الخليج، وسماه واجبا مقدسا لحماية الحرمين الشريفين -مكة والمدينة- من صدام حسين.
واعتبر كوك أن أيا من هذه الأشياء لن يكون مفاجئا؛ نظرا لأهمية الإسلام بوصفه نقطة المرجعية السياسية والثقافية في مصر. وعلى الرغم من الجهود العسكرية لإبقاء الإسلاميين خارج الجيش، فمن المنطقي أن يعكس ضباط الجيش من الرتب المختلفة من الملازم إلى اللواء، المجتمع المصري، وبالتالي هناك على الأرجح بعض التواجد الإخواني في صفوف الرتب.
ورجح، أن عزم الجيش البقاء على الهامش أثناء لاضطرابات الحالية لا يتعلق كثيرا بتعاطف كبار القادة المزعوم تجاه جماعة الإخوان المسلمون أكثر منه بمجموعة من العوامل أكثر واقعية عددها كتالي:
أولا: ال 18 شهرا من مبارك لمرسي كانت تجربة قاسية للجيش، وانتهكت الرواية التي انغرست في الرتب؛ منذ حرب أكتوبر 1973. وتقول بأن حكم مصر يقوض الجيش كمنظمة ويستنزف قدرتها على الدفاع عن البلاد، وإدارة مصر على أساس «يوما بعد يوم» كان السبب الرئيسي لهزيمة يونيو 1967. فمكان الجيش الصحيح في الثكنات؛ حيث يمكن أن يركز على المحافظة على كفاءته المهنية والدفاع عن الوطن. والتراجع عن حكم مصر، حتى إذا ظل للجيش عميق الأثر من خلال صلاته بالرئاسة- صنع أعظم إنجازات مصر الحديثة العسكرية.. العبور. القيادة الكبيرة كانت تدرك تماما مخاطر الحكم خلال الفترة الانتقالية، وسعت في الواقع لوضع حد لفترة الوصاية العسكرية بسرعة؛ ينسى الكثيرون أن المجلس العسكري أراد إجراء انتخابات برلمانية في يونيو 2011، ولكنه كان مقتنعا في ظل صراخ الليبراليين والثوريين؛ وكذلك تشجيع الولاياتالمتحدة وأوروبا بالتأخير. وبالنظر إلى التجربة المحزنة لفترة ال12 شهرا التي تلت ذلك، لا يريد الضباط التدخل، وتعريض وضع الجيش للخطر مرة أخرى.
ثانيا: في حال لم يلاحظ أي شخص، فإن مسودة الدستور تمنح القوات المسلحة الحكم الذاتي الذي سعى إليه المشير طنطاوي والفريق سامي عنان خلال فترة المجلس العسكري. ومبادئ السلمي، التي فجرت أسبوعا من المظاهرات والعنف أواخر نوفمبر 2011، أدمجت إلى حد كبير في الدستور؛ فضلا عن أن الميزانية العسكرية محصنة ضد الرقابة الشعبية، والجيش يسيطر على مجلس الدفاع الوطني، وسياسة الدفاع لا تزال مملكة حصرية على قادة الجيش.
ثالثا: ممارسة مهام الشرطة في شوارع مصر وظيفة لا يريدها الجيش. ضباط الجيش المصري يزدرون نظرائهم في وزارة الداخلية. والدفاع عن الوطن مهمة، رومانسية نبيلة؛ أما ضرب بني وطنهم المصريين تبقى مهمة أفضل لجهلاء الشرطة. ولهذا السبب، في ظل مجلس طنطاوي ومنذ وصول مرسي للسلطة، لم يكن هناك أي تغيير كبير في وزارة الداخلية، التي تعد الأولى على قائمة الجميع للإصلاح. وإذا أجبر الجيش على إجراء تغييرات على أمن الدولة والشرطة، كان من المحتمل أن يتعرض لمواجهة رد فعل عنيف من داخل الوزارة، وقد تقع مسؤولية حفظ أمن الشوارع على عاتق القوات المسلحة.
واختتم كوك مقاله بالقول، في النهاية، فإن الجيش لا يزال يتمتع بنفوذ غير عادي. والحقيقة أن الرئيس مرسي لم يكن قادرا على التخلص من طنطاوي وآخرين دون دعم الضباط من رتب أقل، إنه يحتاج إلى الحفاظ على صفقته معهم، والذي يضمن تخليصهم من عبء حكم مصر، وضمان حصانة الضباط عن الجرائم خلال ال18 شهرا التي تولى خلالها المجلس العسكري المسؤولية، والسماح للجيش بإدارة في استثماراته (حرفيا ومجازيا) مع القليل أو لا تدخل من القيادة المدنية. حتى على خلفية الاستقطاب السياسي في البلاد وعشرات الآلاف من المصريين في الشوارع، تبدو الأمور جيدة كثيرا بالنسبة إلى وزارة الدفاع.