ستورك يا مرسى لن ينقذك، وجماعتك تفقد ما تبقى من كرامتها حتى أصبح معارضوها يشفقون على ضياع سنوات نضالها الثمانين، فهل تغضب؟المفاجأة أن عامين من السياسة والمرمطة جعلا (44%) من المصريين أكثر وعيا بالفعل، ولجؤوا إلى خيار مختلف للمرة الأولى فى التاريخ تقريبا، وبالطبع عدة أشهر أخرى فى عمرك الرئاسى جديرة بأن تكره غيرهم على السير على طريقتهم، أما أعضاء جماعتك الذين يصوّتون ب«نعم» لكل ما تهمس به شفتاك سواء كان حقا أم باطلا فهنيئا لك بهم.. استفتاءك يا أستاذ المعادن رغم كل بلاويه أعاد الثقة فى أشياء كثيرة، وجعلنا نرى عيوبا أكثر وضوحا.. فشكرا لك ولتأسيسيتك، ولجبروت حاشيتك، فهل تفهم؟ (مرسى) لم يسكت محمد مرسى منذ تولى الحكم مثلما سكت هذه الأيام، ففى يوم الجمعة الذى سبق الاستفتاء لم يتحدث الرئيس كما تعود كل جمعة وفى كل المساجد التى صلى بها حتى خارج مصر، ولا نعرف إن كانت هناك تعليمات له بالسكوت من مكتب الإرشاد وخيرت بك أم لا، لكن الرجل لم يفعلها منذ اعتلى كرسى الحكم وهو المحب للخطابة كعينيه بداعٍ ودونه، حتى عندما أدلى بصوته لم يتحدث كثيرا. ثمة شىء آخر فى مسألة إدلائه بصوته فى مصر الجديدة وهو الساكن فى التجمع الخامس، فكيف يحدث هذا ومن المفترض أن الكشوف الانتخابية لم يحدث لها أى تغيير منذ الانتخابات البرلمانية الرئاسية وحتى الآن؟، وهل غيَّر مرسى محل إقامته بينما لا تزال زوجته وأبناؤه كما هم مسجلين فى كشوف الانتخابات فى الشرقية، كما أن مؤسسة الرئاسة -حسب المتحدث الإعلامى لها ياسر على- لم تقدم إجابة شافية عن هذه المسألة حتى الآن، وفكرة أن الرئيس غيَّر محل إقامته غير حقيقية فما زال يذهب إلى التجمع الخامس حتى الآن وصلّى به أكثر من جمعة وفجر! نتمنى أن يكون سكوت مرسى جاء شعورا بالفشل فى حكم مصر، وتأكدا من أن مصر بلد لا يحكمه شخص واحد ممثل لجماعة سرية. (الإخوان) هذا أول اختبار حقيقى -رغم كثرة ما حدث من قبل- للإخوان منذ أن جاؤوا للحكم، فالاستفتاء أثبت فشلهم ومحا فكرة «الجماعة المنظمة»، فها هو الفصيل السياسى الأكثر تنظيما، والحاكم فى نفس الوقت لا يستطيع تنظيم استفتاء فى عشر محافظات فقط بشكل جيد، فما بالنا لو تم الاستفتاء فى جميع المحافظات فى وقت واحد، فلم تكن هناك عملية انتخابية منظمة -بعيدا عن التزوير- حتى عند الأشياء البسيطة التى يمكن إعدادها وتوفيرها بسهولة من قبل الدولة مثل المدارس والأوراق والصناديق ومواعيد فتح اللجان وغلقها وتأمينها، كذلك كارثة أن ورقة الاستفتاء لا توجد بها مواد الدستور التى من المفترض أن الناخب يوافق عليها أو يرفضها وهى كلها مشكلات إجرائية لم يقع فيها «المجلس العسكرى» وقت حكمه للبلاد، فقد أظهر استفتاء 2012 أن «العسكرى» كان أكثر قدرة على تنظيم عملية انتخابية من جماعة الإخوان كما حدث ذلك فى استفتاء 2011 ثم الانتخابات البرلمانية ثم انتخابات الرئاسة. يؤكد الاستفتاء أيضا أن الجماعة لا تحتكم إلى الصندوق كما تقول، بل إلى الانتهاك والمخالفات والتزوير المفضوح وعلى «عينك يا تاجر»، وأنها لا تعرف من الديمقراطية إلا ما يحقق ما تريد أن تصل إليه وما عدا ذلك فلا تعترف به، وأن ميل أفرادها للتزوير كبير -على اعتبار أنه جهاد فى سبيل الله-، وأن الإخوان بعدما وصلوا إلى الحكم لن يتركوه بسهولة. وطبعا أكثر ما حققه هذا الاستفتاء هو أن التصويت لصالح الجماعة تراجع بشكل كبير سواء مقارنة باستفتاء 2011 أو الانتخابات البرلمانية أو الانتخابات الرئاسية، خصوصا أن هذه هى المرة الأولى التى يصوّت فيها الناخبون بشكل حقيقى، ففى الانتخابات الرئاسية صوّت كثيرون لمحمد مرسى -بعد أن عصروا الليمون وغيره على أنفسهم- نكاية فى أحمد شفيق، لكن التصويت هنا كان على «دستور» تقول الجماعة إنه لكل المصريين، فيقول المصريون لها «هذا دستورك لا دستور مصر»، ومن ثم كان هذا الرفض الكبير الذى لولا الانتهاكات والتزوير لكانت نتيجة «لا» تعدت ال65%. (المعارضة) لم تتحد المعارضة ضد الحاكم منذ بدء الثورة وحتى الآن كما هو حالها الآن، وهو ما ظهر من خلال «جبهة الإنقاذ الوطنى» التى جمعت كل أطياف المعارضة المختلفة فكريا وسياسيا فى فصيل واتجاه واحد نجح إلى حد كبير فى أن يقود الحشد للتصويت ب«لا» -وإن لم يكن سببه الوحيد-، وقد كان خيار التصويت ب«لا» الذى اختارته الجبهة ناجحا بشكل كبير، وظهر أنه أفضل بكثير من خيار المقاطعة، وكان فاعلا فى إظهار ضعف الإخوان وكشف حقيقتهم أكثر وأكثر للشعب، ورفضهم للديمقراطية المتمثلة فى الصندوق الذى يحتكمون إليه دائما فى كل مشكلة سياسية تحدث، فنراهم يتحدثون عن «شرعية الصندوق» التى لو احتكمنا إليها فسيكون هذا الدستور باطلا شكلا وموضوعا -فيه استفتاء توافقى بنسبة 56%-، ولو كان الإخوان عكس ذلك ما رأينا كل هذا الكم من الانتهاكات والمخالفات الفجة. وربما لو توحدت المعارضة بهذا الشكل ضد التيارات الإسلامية فى أى انتخابات برلمانية قادمة، لجاءت النتيجة بما لا يقل عن 60% لصالحها. (الناخبون) قلة المشاركة هى الملاحظة الأولى، وهذا ربما لأن المصريين ذهبوا إلى الصندوق كثيرا منذ 19 مارس 2011 وحتى الآن، دون أن يشعروا بأى تقدم يذكر، لكن ما لا يدركه كثيرون هو أن ما بُنى على باطل فهو باطل، ولأن الأمور منذ البداية سارت فى الطريق الخطأ، فكان لا بد أن يعزف الناخب عن المشاركة وبالتالى تقل نسبة المصوتين كما رأيناها فيكون الفرق مثلا فى القاهرة بين استفتاء 2011 و2012 أن ما يقرب من 700 ألف ناخب شاركوا فى الأول ولم يشاركوا فى استفتاء أول من أمس، وهكذا فى أكثر من محافظة. وعى الناخب زاد هذه المرة ليس فقط لأن نسبة التصويت ب«لا» زادت، لكن لأن «لا» هنا تمثّل حقيقة الأمر رفضا للانسياق والتبعية لكذب التيارات الإسلامية الفاجر عن الدستور المسلوق، والكلام المعسول عن المواد الجيدة فيه، فكثيرون تحدثوا أمام اللجان عن فرضية رفض الدستور حتى لو كانت به مادة واحدة فقط بها عوار، فما بالنا بدستور كتبه ترزية أفشل من ترزية مبارك؟! كذلك هناك محاضر كثيرة تم تحريرها من قِبل ناخبين رفض القضاة إظهار هوياتهم الشخصية لهم، حتى إن المستشار حمدى ياسين، رئيس نادى قضاة مجلس الدولة، أكد فى أكثر من تصريح صحفى أنه طلب من قضاة المجلس فى اللجان إبراز كارنيه عضوية النادى للناخبين، ويمثل هذا وعيا أكثر من ناخبين كانوا فى السابق يخافون المرور بجانب لجنة انتخابات، أيضا طلب الناخبون أن تكون بطاقات الاستفتاء مختومة بخاتم اللجنة العليا للانتخابات، والمحاضر التى تم تحريرها والبلاغات التى قُدمت إلى غرف العمليات فى كل مكان تؤكد تجاوبا أكثر من الناخبين وإيجابية أكبر تجاه كل الانتهاكات التى شابت استفتاء الإخوان. وللأسف يظهر وعى الناخبين أكثر فى المدن عن القرى ومحافظات الصعيد التى أظهرت نتائجها أن توجهات الناخبين لم تتغير. (الصعيد) لماذا يصوّت الصعايدة ب«نعم» دائما؟ سؤال يتبادر إلى أذهان الجميع بسبب نتيجة محافظتى أسيوط (77% نعم) وسوهاج (79% نعم)، رغم أن الأولى لم يمر على كارثة أوتوبيس الأطفال فيها كثيرا، والثانية ودّعت الأسبوع الماضى فى جنازة مهيبة شهيد الصحافة الحسينى أبو ضيف الذى قُتل على يد ميليشيات الإخوان أمام قصر مرسى فى مصر الجديدة. الحقيقى أن الصعيد الأمور تحتكم فيه أكثر إلى الطائفية ممثلة فى تصويت الأقباط هذه المرة ب«لا» على الدستور ولذلك كان هناك حشد كبير من المسلمين للتصويت ب«نعم» وهو ما يستغله الإسلاميون بل ويدعون إلى «نعم» بناء عليه. أيضا الصعيد بعيد عن «العين والقلب» والانتهاكات فيه تكون أكثر، فلا إعلام ولا صحافة، وما يحدث فى الجوامع من توجيه ناخبين واستغلال للتأثير فى اتجاهات التصويت يفوق الوصف، ولا أحد يحاسب أحدا، ومن المستحيلات أن يسأل ناخب فى قرية قاضيا عن هويته مثلا. أغرب ما فى الأمر أن الصعايدة أكثر من عانوا وذاقوا الأمرّين على يد الجماعات الإسلامية المسلحة فى التسعينيات، هم من يصوّت الآن لهذه الجماعات ب«نعم»، وهم أنفسهم من كان يتم سحلهم لأن أحدهم يسير مع فتاة تكتشف الجماعات بعد سحله أنها أخته، وهم أيضا من يعيش بينهم أفقر ممن يعيش فى عشوائيات القاهرة. وكل ما سبق يؤكد أن الصعيد يحتاج إلى اهتمام أكثر من المعارضة والكيانات السياسية والثورية، لأن كتلته التصويتيه ترجّح كفة من تصوت لصالحه كثيرا