قبل الاستفتاء ومع كل احتمالات التزوير من جانب السلطة، فإن نتيجة المعركة حول الدستور محسومة، حين يقف الحاكم وجماعته ضد الشعب كله، فإن كل أنواع الخداع والتزييف لن تنجح فى إلغاء كلمة الشعب. حين تتحول عملية وضع دستور يجسد أحلام المصريين فى العدل والكرامة والحرية، إلى عملية اختطاف للدولة واستيلاء على الثورة، فإن كلمة «لا» تصبح أقدس الكلمات، وتكون وحدها هى السبيل لإنقاذ مصر. قبل الاستفتاء، ومع كل احتمالات التزوير، تكشف المعركة حول الدستور كل الأقنعة. لا توضع الدساتير فى الظلام، ولا فى غيبة كل القوى الوطنية، ولا بأسلوب رجال العصابات الذين يهربون من القانون، ويخافون من العدالة ويخافون أن يمسك بهم القضاء وهم فى حالة «تلبُّس» بتزوير إرادة الأمة، واختطاف الدستور ليقيموا عليه دولة الاستبداد وحكم الميليشيات. قبل الاستفتاء، ومع كل احتمالات التزوير، كانت المعركة حول الدستور محسومة، فلا يمكن أن يكون دستور مصر بعد الثورة هو هذه الوثيقة الباطلة الركيكة التى تعارضها مصر كلها.. يعارضها الشباب الذى أشعل الثورة، والقوى الوطنية بكل اتجاهاتها، والمرأة التى تعيدها هذه الوثيقة الباطلة إلى عصر الجوارى، والمثقفون والقضاة والصحفيون، والعمال والفلاحون، والأقباط والمسلمون الذين عرفوا الإسلام دينًا للحرية وكرامة الإنسان ولقيم التسامح والمحبة، وليس الإسلام القادم من كهوف أفغانستان أو من مغارات تكفير كل المصريين لتعلو راية جماعة الشر ودعاة التخلف والمتاجرين بالدين الحنيف. قبل الاستفتاء ومع كل احتمالات التزوير.. كانوا يكشفون عن الوجه القبيح للدولة التى يريدون إقامتها، والتى يريدون أن يمنحوها «الشرعية» من خلال دستورهم الباطل، إنها الدولة التى تصادر الحريات وتحاصر الصحافة، وتعتدى على استقلال القضاء، إنها الدولة التى تقتل المتظاهرين المسالمين أمام قصر الرئاسة، وتحوّل محيط القصر إلى ساحة تعذيب لشباب ثائر، إنها الدولة التى تصنع الدساتير فى الظلام، وتصدر الإعلانات غير الدستورية لتحصين استبداد الحاكم، وتتلاعب بالقانون لتسلب الشعب حريته وحقوقه المشروعة، إنها الدولة التى ترهن إرادتها لصندوق النقد وتخضع لشروطه، وتنفذ سياساته التى تعادى الفقراء وتزيد العبء عليهم، وتتخذ قرارات رفع الأسعار وإلغاء الدعم التى لم يجرؤ نظام مبارك على اتخاذها! قبل الاستفتاء قالت مصر كلمتها، رفضت الدستور الباطل ورفضت حكم الاستبداد والميليشيات مهما حاول الاختفاء وراء شعارات دينية يحاول بها خداع الجماهير، لقد استخدموا كل ما لديهم من أسلحة فاسدة، كذبوا على الله والناس، سرقوا الثورة وحاولوا اختطاف الدولة، أصدروا فتاوى التكفير ضد كل من خالفهم الرأى، قسموا مصر ووضعوها أمام نار القتال بين الأشقاء، كل ذلك فشل، وكل ذلك لا يصل إلى الجريمتين الكُبرَيَين فى حق الوطن.. الجريمة الأولى هى المحاولة اليائسة لإشعال الفتنة الطائفية كأمل أخير لاختطاف الدستور والسيطرة على الدولة، عرفنا قبل ذلك أن تجىء الفتنة الطائفية من عصابات متطرفة خارجة على الدين والدولة، الآن يشعل الفتنة فريق يسيطر على الحكم، أى شرعية تبقى لحكم يريد الاحتفاظ بسلطته ولو أحرق الوطن؟ أما الجريمة الثانية فكانت مع حديث منسوب إلى الأخ القرضاوى من مكمنه بجوار القاعدة الأمريكية فى قطر، حيث هددنا بأن رفض الدستور الباطل يعنى أن تمنع عنا دولته قطر أكثر من عشرين مليار دولار، يقول إنها ستستثمرها فى مصر! والرد باختصار: قطع لسان كل من يتصور أنه قادر على إهانة مصر بهذه التهديدات الوضيعة.. وقطع يد كل من هيّأ له خياله المريض أنه قادر على أن يضغط على مصر، أو أن مصر يمكن أن تبيع قرارها بكل أموال الدنيا. نعرف أن لحظات السقوط تشهد كثيرا من الجرائم، قد نتسامح فى بعضها، لكن إهانة الصغار لوطن بحجم مصر.. تبقى إلى الأبد جريمة لا تُغتفر