أصاب أردوجان كبد الحقيقة، ولكن من يرى ومن يسمع، عندما سألته الإعلامية منى الشاذلى «كيف استطاع أن يوفر الأموال أو يأتى بها ليحول إسطنبول إلى مدينة عالمية، بعد أن كانت تعج بالمشكلات التى أبعدتها عن كونها مدينة متميزة؟»، بالطبع هذا السؤال سؤال مصرى صميم، فلطالما طالبنا حكومة العهد البائد بأن تغير البلد، وتقيم المشروعات، وتعطى الناس حقوقها، وكانوا دائما يرددون بقيادة المخلوع ورئيس وزرائه فارع الطول ووزير ماليته.. «ماذا نفعل إننا لا نملك موارد مالية، وكيف يمكن لنا ونحن لا نملك موارد مالية أن نأتى بالتقدم والعمران فى مصر؟»، لذلك كان رد أردوجان قويا ومذهلا، عندما قال ابحثوا عن الفساد، واقضوا عليه تحصلوا على الأموال. لم يقل لنا افرضوا ضرائب أو اقترضوا من الخارج الرجل، كان واضحا وجليا، فقال ببساطة شديدة «ابحثوا عن الفساد، واقضوا عليه تحصلوا على الأموال»، نعم لك الحق كل الحق، ولكن لا بد أن تعرف يا سيادة رئيس وزراء تركيا أن مشكلتنا عميقة، مشكلتنا يا سيدى أن العهد البائد جعل الجميع فاسدين.. الدولة فاسدة.. الشعب شارك مشاركة فاعلة فى ملحمة الفساد، وأصبحنا كلنا فاسدين، لذلك فالطريق السهل الممتنع يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه صعب ورهيب، وأنا هنا سأتحدث عن مجال واحد، فى فساده مثال كبير يوضح حجم ما نعانيه وهو مجال الإسكان. نحن جميعا نعلم أن مجالس المدن والمحافظات والأحياء تعج بملحمة فساد، كانت قبل الثورة وما زالت إلى الآن، فعندما يريد أى مواطن أن يقيم مبنى، سواء هذا المبنى صغيرا أم كبيرا، أو عندما يتجمع المواطنون تحت لافتة اتحاد الملاك، ليقيموا برجا عليه أولا بعد شراء الأرض أن يستعينوا بالرسومات الهندسية، ولا بد لهم أن يتقدموا إلى أحد المكاتب الهندسية، الذى لا بد أن يكون له علاقة جيدة بموظفى الإدارة الهندسية الموجودة بالمدينة، حتى يمكن أن يقبلوا الرسومات، وعندما تسأل نفسك لماذا لا يقبلون الرسومات؟ لماذا لا يقبلون الرسومات مع أنها قانونية؟ يقال لك انت بتحلم انت فى مصر، عادى قانونية، لكن بجرة قلم أى موظف داخل الإدارات الهندسية، ممكن يوقف لك البرج تحت أى ذريعة، ويعطل لك الأوراق، ويطلع عينك، من أجل الرخصة، مع أنك عندما تدخل أى إدارة هندسية ستجد أمامك التعليمات القانونية، معلقة على الجدار، وتتوهم أنك إذا نفذت هذه التعليمات، فأنت قادر على الإفلات من هؤلاء الأباطرة، لذلك لا بد أن تدفع لهم أكثر من 50% زيادة عن الرسوم المقررة للرخصة والجميع يتظبط من الريس للعامل، وإذا تخيلت أنك راجل ناصح، وتدخل معهم فى ملحمة الفساد، وتريد أن تزيد ارتفاع برجك أو عمارتك بدور أو بدورين، لزيادة أرباحك، فما عليك إلا أن تدفع عن الدور فى المحافظات ما لا يقل عن 100 ألف جنيه، وفى القاهرة ما لا يقل عن مليون جنيه، وعندما تسأل نفسك ما هذه المبالغات التى نتحدث عنها، نقول لك إذا أردت أن تتأكد، فما عليك إلا أن تمشى فى شوارع القاهرة أو الإسكندرية، أو أى من المحافظات، وتنظر نظرة فاحصة على جانبى الشارع، لتجد ارتفاعات شاهقة ومخالفة للقانون «تخرج لسانها لنا جميعا، واسأل نفسك كيف أقيمت تلك البنايات بمخالفاتها المعلنة، أقول لك ابحث عن الفساد، ولا بد أن تعلم أن هناك موظفين لا يقل دخلهم عن 10 إلى 20 ألف جنيه شهريا، وإذا سألنا أنفسنا لماذا لا يشتكى المواطن ليأخذ حقه فى تلك الحالة، يخرج لنا الفاسدون ألسنتهم، ويقولون لو جدع اعمل كده!! لن تصل لشىء إلا حرقة الدم، ولن يقام لك أى مبنى، فهم يمتلكون الأوراق وقوانين وقرارات المخالفات، وقادرون على حرق دمك، ووقف مصالحك، ونتخيل مثلا أنك نجحت فى أن تحصل على الرخصة، إياك أن تتصور أنك قادر على أن تبنى بناءك، فمن هنا بدأت مشوارا آخر، فلا بد أن تخرج لك الإدارة الهندسية ثلاثة خطابات فى غاية الأهمية إلى الكهرباء والدفاع المدنى والمياه، لتذهب بهم لهذه المرافق، لتبدأ فى توصيلها، اوعى تتخيل أنك قادر أن تأخذ تلك الخطابات، بمجرد حصولك على الرخصة، لا يا باشا لا بد أن تدفع على كل خطاب الآلاف، تبعا لمساحة المبنى وأدواره، وهنا يبرز السؤال الغريب، الذى أود أن أجد له إجابة، الرخصة تم استخراجها، فما المشكلة فى أن يبرزها المواطن للهيئات الثلاث؟ لماذا الإصرار على الخطاب؟ معنى أننى أنهيت الرخصة أننى أنهيت كل متعلقات مجلس المدينة، لكن ماذا تفعل.. إنه الفساد يا سيدى! وإياك أن تبحر فى بحور الأحلام، وتتخيل أنك خلصت نفسك بعد دفع الرشاوى لخروج الخطابات، فإنك بهذا بدأت مشوارا آخر يعج بالفساد والروتين فى إدارات تلك المرافق، وهنا يبرز اقتراح عجيب، هل يمكن للسيد أردوجان أن يغامر، من أجل الحصول على ترخيص لبناء برج سكنى فى مصر، ليقول لنا فى النهاية كيف نقضى على الفساد؟!