«مصر وتركيا، عايزينها خلافة إسلامية» كان هذا واحدا من شعارات عديدة رددها أنصار جماعة الإخوان المسلمين لدى استقبالهم الحافل لرئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوجان فى عديد من المحطات التى توقف بها لدى زيارته إلى القاهرة مؤخرا. انتهت مشكلاتنا جميعا، وتم ملء الفراغ الأمنى، وتحسنت أوضاع الاقتصاد المصرى، واتفقنا على الدستور وقواعد الانتخابات النزيهة، ولم يبق إذن سوى إعلان الخلافة الإسلامية حلم مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا. وعندما تتم المطالبة بالخلافة الإسلامية فى حضور رئيس وزراء تركيا، التى حكمت العالم العربى والإسلامى لقرون طويلة تحت مظلة الإمبراطورية العثمانية، فإن هذا يؤكد مجددا جدية الموقف الذى أعلنه المرشد العام السابق لجماعة الإخوان مهدى عاكف، صاحب المقولة الشهيرة «طز فى مصر»، والذى قال فيه إنه لا يمانع أن يتولى ماليزى حكم مصر ما دام أنه مسلم. لكن هذه المرة، فإن الإخوان وأنصارهم يريدون أن يحكمنا تركى وكأن البلد التى يقترب تعداد سكانه من 85 مليونا لا يوجد به من يستطيع إدارة شؤونه. لماذا لم يردد أنصار الإخوان شعار الثورة الشهير المبدع «ارفع راسك فوق انت مصرى»، خصوصا أن أردوجان ما كان ليزور مصر ما لم يكن شعبها قد نجح فى القيام بثورة تحدث العالم عنها بكثير من الانبهار والتقدير؟ لماذا هذا الإصرار على التعامل مع مصر على أنها مجرد «ولاية» فى الخلافة الإسلامية التى لم يعد لها وجود؟ وحتى إذا كانت هذه الخلافة لتنشأ وتنطلق بعد عمر مديد، فما سبب إصرار الإخوان على أن يكون دور مصر فى المؤخرة وليس فى المقدمة؟ على الأقل إذا عادت الخلافة فليكن مقرها القاهرة وليس إسطنبول، ولو على سبيل التغيير. أما الشعار الآخر الذى تردد فى استقبال رئيس وزراء تركيا «افرحى يا فلسطين، أردوجان صلاح الدين»، فنرجو من قادة إخوان مصر أن يتركوا ذلك الأمر للأتراك لكى يقرروا بأنفسهم إذا ما كانوا يريدون الآن خوض حرب ضد إسرائيل تحت لواء «الخليفة أردوجان». مرة أخرى يثبت الإخوان أن لديهم أجندة وأولويات خاصة بهم تختلف عما يهتم به عموم المصريين. وربما تأتى الشؤون المصرية فى مؤخرة اهتماماتهم. ففى سبيل بناء الخلافة الإسلامية، يهون لديهم الوطن الذى هو مجرد جزء من الكل الأوسع والأرحب. وليس هذا الموقف بغريب عن قيادات الإخوان الذين لا يشغل الشأن المحلى اهتماماتهم كثيرا. أنصار الإخوان الذين نصبوا أردوجان خليفة للمسلمين لم يبالوا، وربما صموا آذانهم عن موقف أردوجان من الدولة العلمانية، والفارق المهم الذى أشار إليه فى تصريحاته التى أدلى بها فى مصر بين ضرورة الحفاظ على علمانية الدولة مقابل حرية الأفراد أو المواطنين فى هذه الدولة، فالدولة، وفقا لأردوجان، يجب أن تكون علمانية بمعنى أنها تحتفظ بمسافة واحدة ومتساوية بين أتباع كل الأديان والمعتقدات. أما المواطنون فالأمر يبقى فى إطار الحرية الشخصية التى تضمنها الدولة العلمانية، وإذا أراد المواطن أو المواطنة تبنى أفكار إسلامية أو مسيحية أو يهودية أو بهائية أو علمانية أو لا دينية، فهذا شأنه أو شأنها وحرية شخصية. أما الدولة فيجب أن تبقى على الحياد ومهمتها فقط حماية الحريات الفردية، ما دام أنها لا تضر أو تتعدى على حريات مواطنين آخرين. أما الإخوان المسلمون فى مصر بفكرهم الضيق والمحدود، فهم لا يقدرون الحرية الفردية ولا يهتمون بها. كما أن الإقرار بتعددية البشر وحقهم فى تبنى مواقف مختلفة هو رجس من عمل الشيطان فى فكر الإخوان. فالدولة فى مصر إسلامية شاء من شاء وأبى من أبى، وذلك فقط لأن غالبية المصريين من المسلمين. ووفقا لهذا التصور، فإن من لا يتفق مع هدف بناء الخلافة الإخوانى، تنزع عنه صفة الدين والإسلام. ففى الفكر الإخوانى، من غير المسموح للمواطن المصرى أن يفخر بمصريته لأن هذه قومية ضيقة تخالف تعاليم الإسلام. ولا يهتم الإخوان، ولا يسمحون فى هذا الإطار بأى نقاش موضوعى لما جرّته علينا خلافة العثمانيين تحديدا من ويلات، وكيف أن الأتراك حكموا مصر واحتلوها قرونا بينما هم يتعاملون مع المصريين على أنهم مجرد رعاع وفلاحين. تركيا أردوجان وافقت على إلغاء حكم الإعدام فى إطار الشروط المطلوب استيفاؤها للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبى الذى هو حلم وأمل غالبية الأتراك. فهل يوافق الإخوان على اتخاذ موقف مماثل فى مصر، أم أنهم سيرفعون فى وجوهنا سيوف التكفير والتهديد والوعيد بدعوى مخالفة نص صريح وواضح من وجهة نظرهم؟ إخوان تركيا الذين ينتمى إليهم أردوجان لم يرفعوا صوتا أو يافطة ضد استمرار وجود قاعدة إنجرليك الأمريكية على أراضيهم، والتى منها تنطلق الطائرات لتنفيذ المهام العسكرية المختلفة فى العراق وأفغانستان. وبالطبع لا يتجرأ أى من قادتهم بمن فى ذلك أردوجان شخصيا، أن يتدخل فى أدق التفاصيل الشخصية للمواطنين كما يفعل قادة إخوان مصر، فيحددون لنا ما نلبس ونأكل ونشرب، وإذا كان من حقنا ارتياد الشواطئ أو حتى المتنزهات. إخوان تركيا الذين يقودهم أردوجان أوسع أفقا وأكثر رحابة صدر من إخوان مصر بمراحل متقدمة. وليتنا نتعلم من الأتراك حب الوطن والسعى إلى تقدمه وبنائه، لأنه من دون هذه الخطوة، لن تنصلح أحوالنا، ولن نصلح لنكون ولاية أو قرية فى أى خلافة إسلامية أو بوذية. ولكن بالنسبة للإخوان، فهذه تفاهات، والمهم إقامة الخلافة أولا وبعد ذلك لنتلفت إلى مصلحة الوطن «الصغير»، مصر أم الدنيا.