المكان: العلمين، «12 كم غربي الإسكندرية».. التاريخ.. 23 أكتوبر 1942.. الحدث: معركة فاصلة ساهمت في حسم نتيجة الحرب العالمية الثانية، ففي هذا اليوم تقهقرت قوات القائد الألماني روميل وقوات الفيلق الإفريقي أمام الجيش البريطاني الثامن والفرقة الفرنسية الأولى بقيادة بيير كوينج، حيث تعتبر هذه المعركة أشهر انتصار للحلفاء في شمال إفريقيا ضد قوات رومل الألمانية الإيطالية وآخر هجوم كبير لقوات الكومنولث والذي سمح باستعادة الأراضي المحتلة من قبل قوات المحور. لكن ألد أعداء الماضي كانوا مجتمعين معا أمس السبت، حيث جرى الاحتفال بالذكرى السبعين لهذه المعركة التاريخية، حيث حضر العديد من أهالي ضحايا هذه الحرب، وعدد من الجنود الذين شاركوا فيها والذين ارتدوا الزي العسكري التذكاري ووضعوا أكاليل الزهور على قبور الضحايا. العديد من هؤلاء الجنود الذين شاركوا في الحرب كانوا مقعدين أو يستعينون بعصى يتكئون عليها، فمعظمهم الآن في تسعينيات العمر، وتجولوا وسط المقابر، ليستعيدوا إلى الذاكرة مشاهد المعركة وتجيش مشاعرهم وهم يتذكرون رفاقهم الذين يرقدون وسط سكون الصحراء. ومع وجد عدد قليل جدا من الجنود الذين خاضو المعركة على قيد الحياة، فيمكن أن تكون هذه آخر ذكرى من نوعها التي يحضرها محاربون قدماء. وقال جو مادلي، وهو محارب أسترالي قديم شارك في معركة العلمين، وكذلك في معارك شهدتها مدينة طبرق الليبية قبل 70 عاما «أتيت هنا بالفعل في الذكر الخمسين والستين، عندما تسير هنا وسط مقابر هؤلاء الرفاق الشباب، وعندما ترى أسماء تعرفها، تشعر بالحزن». أما ويليام بريستو من نيوزيلاندا الذي كان في ال 24 من العمر عندما خاض معركة العلمين فقال «أنا سعيد لأنني هنا لكن من الصعوبة أن أعبر عن مشاعري». الاحتفال نظمته بريطانيا، أمام النصب التذكاري لمقبرة الكومنولث وجبانة المقابر الإيطالية والألمانية واليونانية، حيث يرقد أكثر من 7 آلاف جندي من دول الكومنولث، إضافة إلى نحو 100 ألف جندي من جنسيات أخرى. وشارك في هذه الاحتفالية 60 من المحاربين القدماء الذين خاضوا معركة العلمين، من أستراليا ونيوزيلاندا وبريطانيا وفرنسا واليونان وإيطاليا وألمانيا. لكن من ناحية أخرى يستمر مسلسل عدم الاهتمام من جانب الحكومة المصرية بحدث من هذا النوع، حتى في عهد أول رئيس منتخب، حيث فشلت الحكومة في استغلال الحدث لتسليط الضوء على ما تكبدته مصر من خسائر جراء الحروب التي وقعت في هذه المنطقة، فقد خلفت ملايين الألغام التي تقدر أعدادها بنحو 17 مليون لغم أرضي من مخلفات الحرب بين قوات الحلفاء والمحور. وتسبب هذا في قتل وإصابة الآلاف، ومازال أهالي المنطقة يعانون منها، إلى جانب تسببها في تعطيل تنمية واستغلال أكثر من مليوني فدان من أراضي هذه المنطقة المزروعة بالألغام. وتضم منطقة العلمين العديد من المقابر، مثل مقبرة الكومنولث لضحايا الحرب العالمية الثانية التي تضم 7367 مقبرة لضحايا من بريطانيا ونيوزيلاندا واستراليا وجنوب إفريقيا وفرنسا والهند وماليزيا، كما تشتمل على أسماء 11945 من الجنود الذين لم يتم العثور على أشلائهم وقد كتب أسماء بعضهم على الحوائط. كما تضم العلمين أيضا المقبرة الألمانية التي شيدت خلال عام 1959 وتقع على مسافة ثلاثة كيلومترات غرب مدينة العلمين وتطل على البحر مباشرة من فوق جبل مرتفع نسبيا وتضم أجساد 4280 شخصا. وهناك المقبرة الإيطالية التي تقع على مسافة خمسة كيلومترات غرب العلمين، وتعتبر أجمل المقابر من حيث الفخامة وفن المعمار، وتضم كنيسة صغيرة ومسجدا وقاعة للذكريات ومتحف صغير، بالإضافة إلى 4800 من الضحايا، وتشير لوحة إلى أن الصحراء قد ابتلعت أجساد 38 ألف شخص من الضحايا. شارك في الاحتفالات هذا العام الرئيس اليوناني كارلوس بابولياس ووزير الدفاع النيوزيلاندي جوناثان كولمان ونائب وزير الدفاع في جنوب إفريقيا تابانج ماكويتلا إلى جانب سفراء وقناصل العديد من الدول الأجنبية، ومنها دول الكومنولث والدول التي شاركت في الحرب العالمية الثانية والعديد من أهالي ضحايا الحرب العالمية الثانية. ومثل مصر في هذه الاحتفالات محافظ مطروح اللواء طه السيد الذي قام بوضع أكاليل من الزهور على قبر الجندي المجهول بكل من المقابر الإيطالية والألمانية والكومنولث واليونانية باسم الحكومة المصرية. وقبل بدء الاحتفالات، أقيمت الصلاة الجنائزية على أرواح ضحايا هذه الحرب، كما عزفت الموسيقى السلام الوطني لبريطانيا وعدد من دول الكمنولث، ثم ألقى السفير البريطاني جيمس وات كلمة وصف خلالها الجنود الذين ضحوا بأرواحهم ب”الزهور التي تزهر حتى الآن”، مشيرا إلى أنه على الجميع أن يتذكروا هذه التضحيات التاريخية الخالدة. وقال “إن الأجراس تدق من أجل الجميع لتجعل موتانا في الأرض المقدسة” .. موضحا أن أسماء الذين ضحوا في هذه الحرب ستبقى خالدة وراسخة. وأضاف أن الشهداء في هذه الحرب صنعوا الكبرياء، واعتبر أن هذه الذكرى تضاهي في عظمتها حروب طروادة. وألقى الملحق العسكري الألماني الكولونيل انجلبرت تايسن كلمة في هذه المناسبة، أكد فيها أن الخسائر التي شهدتها الحروب يجب أن تكون حافزا لتحقيق الأخوة والصداقة بين جميع البشر، وأوضح أن الإنسان يحقق السعادة عندما يضحي من أجل الآخرين. ثم ألقى الملحق العسكري الهندي الكولونيل جريش كاليا كلمة بهذه المناسبة. وفي منطقة المقابر اليونانية، عزفت الموسيقى السلامين الوطنيين المصري واليوناني، واحتشد أعضاء السفارة والقنصلية اليونانية في القاهرةوالإسكندرية وأبناء الجالية اليونانية في مصر، كما شارك فيها طلاب من المدارس اليونانية في مصر. وفور وصول الرئيس اليوناني إلى منطقة الاحتفالات، أقيمت الصلوات الجنائزية على أرواح ضحايا هذه الحروب. ثم ألقى السفير اليوناني لازاريس كلمة بهذه المناسبة أمام المقابر اليونانية، أكد فيها أن كل معركة تكون من أجل المستقبل، مؤكدا أن معركة العلمين كانت لحظة فارقة في تاريخ اليونان. وقال لازاريس «إن اليونانيين شاركوا في هذه المعركة، الرجال الصغار وهم ليسوا صغارا مقارنة بالآخرين.. كانوا هنا وأسماؤهم محفورة على النصب التذكاري هنا أو في الأماكن الأخرى». وأضاف «إننا لن ننسى هؤلاء الرجال الذين ضحوا بأرواحهم لتحقيق العدل». وتم توزيع ميداليات تذكارية بهذه المناسبة على الرموز التي شاركت في إحياء هذه الذكرى. وتقع منطقة العلمين في الساحل الشمالي الغربي بمحافظة مطروح عند الكيلو 280 من القاهرة، و110 كيلومترات من غرب الإسكندرية. كما تم تشييد متحف العلمين الحربي الذي يعبر عن سير معركة العلمين الفاصلة، ويضم مجموعة من الأسلحة والدبابات والذخيرة للقوات المشتركة في الحرب العالمية الثانية، كما يضم خرائط عن سير المعارك. وتضم مقابر وادي الحلفاوي ضحايا الحرب العالمية الثانية للألمان وقوات التحالف، وتقع في وادي الحلفاوي، حيث دارت على رمال هذا المكان معركة حاسمة بين قوات المحور بقيادة روميل والتي انتصر فيها القائد الألماني. وقد بدأت الاحتفالات هذا العام مبكرا عن موعدها المحدد في 24 من أكتوبر من كل عام تخليدا لهذه الذكري.