يا له من موقف بالغ الدقة.. والحرج! لقد هَمّ سيدنا علِىّ بالزواج على السيدة فاطمة، ولم يفكر فى عواقب الأمور، فكل ما شغله أنه يسير على درب قومه بالجمع بين زوجتين وأكثر دون أن يخطر بباله أن هذا يمكن أن يؤذى مشاعر بنت النبى. لكن الأمر جرى على غير ما قدّر علِى، فالزوجة المنتظرَة هى بنت أبى جهل! هل كان ممكنا أن تكون بنت أبى جهل، ضرة السيدة فاطمة بنت النبى؟! كان الأمر لا يُحتمل، والرؤية ضبابية، والموقف شديد الصعوبة على الجميع، ففاطمة تعيش لحظات عصيبة تبكى وتتألم، وعلِى لا يدرى ما يفعل، والمدينة تترقب فى حذر ما ستسفر عنه الأحداث. أما النبى (صلى الله عليه وسلم) فقد انطلق إلى المسجد غاضبا حتى بلغ المنبر، فخطب فى أصحابه قائلا: «إن بنى هشام بن المغيرة أستأذنونى أن يُنكِحوا ابنتهم علِىَّ بن أبى طالب، فلا آذن لهم ثم لا آذن لهم ثم لا آذن لهم، اللهم إلا أن يحب ابن أبى طالب أن يُطلِّق ابنتى وينكح ابنتهم، فإن ابنتى بضعة منى يريبنى ما أرابها، ويؤذينى ما آذاها، وإنى لأتخوف أن تُفتَن فى دينها». ثم ذكر الرسول أبا العاص، وأثنى على مصاهرته قائلا: «حدثنى فصَدَقنى، ووعدنى فأوفى لى، وإنى لا أُحرّم حلالا، ولا أُحِلّ حراما، ولكن الله لا يجمع بين بنت رسول الله وعدو الله ببيت واحد أبدا». هذا هو محمد الأب الذى لم يتحمل ألم ابنته، وهو فى الوقت ذاته رسول الله الذى لا ينطق عن الهوى. لعلك لا تصدِّق تلك الواقعة، لكن هذا الحديث قد ورد فى الكتب الستة الأمهات، ونقلته عنهم بنت الشاطئ فى مؤلفها «بنات النبى». لكن أين علِى ابن عم النبى الآن؟ لقد كان فى المسجد يسمع ويرى رسول الله وهو يخطب فى الناس، وبمجرد أن انتهت الخطبة كان علِى (كرم الله وجهه) فى طريقه إلى البيت حيث كانت فاطمة وحدها تتألم، فاقترب منها حتى أخذ مكانه إلى جانبها صامتا لا يدرى ما يقول. فدمعت عيناها، فهمس لها معتذرا: «أخطأت فى حقك يا فاطمة، فمثلك أهل العفو والمغفرة». لكن فاطمة صمتت حتى هدأت، ثم قالت: «غفر الله لك يا ابن العم». وأقبل علِى على زوجته، وحكى لها ما حدث فى المسجد، وروى لها ما قاله رسول الله عن ضيقه بالأذى الذى لحق بابنته فاطمة. واغرورقت عينا فاطمة بالدموع تأثرا بحب أبيها، وانفعالا بموقفه، ثم قامت للصلاة! والسؤال: هل ما يفعله بعض المشايخ الذين يتزوجون مثنى وثلاث ورباع سنة عن أبى فاطمة الزهراء؟! إن النبى -صلى الله عليه وسلم- لم يتزوج طيلة 25 عاما سوى السيدة خديجة -رضى الله عنها وأرضاها- وكل زيجات النبى جاءت بعد وفاتها وبعد أن بلغ رسول الله الخمسين من عمره وبالتالى فإن كل زوجاته بعد خديجة بوحى من الله من أجل نشر الإسلام وتكريم أصحابه لا من أجل محمد الإنسان.