قبل يومين فقط من لقاء وزراء دفاع الدول الأعضاء فى حلف الناتو، فى مدينة بروكسل، تصاعدت وتيرة الهيستيريا الأمريكية ضد «الخطر الروسى الداهم» على أوروبا. ومما يعطى دلالة على ذلك، ما قام به وزير الدفاع الأمريكى، أشتون كارتر عندما توقف طريقه إلى بروكسل، فى كل من ألمانيا وإستونيا، باعتبارهما من أهم المحطات على التهديدات الأمريكية-الأطلسية المتكررة بتخزين أسلحة ثقيلة فى أوروبا. وتعتبر دول البلطيق الثلاث (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) هى الدول الأكثر احتمالا لنشر هذه الأسلحة، إضافة إلى بولندا ورومانيا وبلغاريا والمجر، لكن تصريحات قادة القوات الأمريكية تشير إلى أن القاعدة العسكرية الأمريكية فى مدينة جرافينفير الألمانية قد تكون المكان الأساسى لنشرها. وعلى الرغم من الخضوع الألمانى شبه الكامل لرغبات الولاياتالمتحدة، فإن مجلة «دير شبيجل» نشرت أن ألمانياوفرنسا ترفضان نشر صواريخ أمريكية مزودة برؤوس نووية فى أوروبا. وإذا كانت مصادر المجلة الألمانية صحيحة، فإن أسباب مخاوف فرنسا تختلف عن أسباب مخاوف ألمانيا، فالأولى، تدفع واشنطن إلى مزيد من المغامرات فى أوكرانيا والشرق الأوسط وأوروبا لتتمكن من تحقيق طموحاتها فى شمال إفريقيا، بينما الثانية تتخوف من أن تتحول إلى رأس جسر لحلف «الناتو» ضد روسيا، وربما لا يعرف أحد عواقب المواجهات مع روسيا أكثر من ألمانيا. إن أول تصريحات وزير الدفاع الأمريكى فى مستهل جولته الأوروبية، شدد على أن واشنطن تنوى أن تسلك فى هذه الفترة نهجا قويا ومتزنا فى العلاقة مع روسيا، وأن الخلافات الحادة مع موسكو لها طابع طويل الأمد، هذا التصريح يأتى على نفس طريق دعوة صقور الكونجرس والبنتاجون الدول الأوروبية لزيادة ميزانيات الدفاع «من أجل مواجهة الغزو الروسى لأوروبا»، وهو أيضا ما دعا إليه الأمين العام لحلف «الناتو» ينس ستولتنبيرج أكثر من مرة. الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فطن مبكرا إلى هذه الضوضاء، عندما أدلى بحديث فى حديث لصحيفة «ديلا سييرا» الإيطالية فى 6 يونيو الحالى، قال فيه إن من يستطيع تخيل هجوم روسيا على «الناتو» ليس عاقلا، وأن بعض الدول تتلاعب بمشاعر الخوف من روسيا، وأعرب بوتين عن رأيه بأن الأمريكيين لا يرغبون كثيرا بالتقارب الروسى-الأوروبى، بل يريدون الحفاظ على زعامتهم. فى نفس السياق، نفى رئيس الديوان الرئاسى الروسى سيرجى إيفانوف، فى مقابلة مع صحيفة «فاينانشيال تايمز» الأحد 21 يونيو الحالى، كل المزاعم التى تدور حول وجود تهديد من قبل روسيا لدول البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا)، واصفا إياها ب«الهوس المرضى» الذى لا أساس له أصلا، وأشار إلى أن الهدف من هذه التصريحات ليس سوى محاولة هذه الدول الحصول على تمويل إضافى من قبل «الناتو». وشدد رئيس ديوان الكرملين على أن روسيا ليست «دولة انتحارية» كى تفكر جديا فى شن هجوم على حلف شمال الأطلسى. الخطوط العريضة لأجندة لقاء وزراء دفاع «الناتو» اليوم وغدا فى بروكسل تتضمن 3 محاور أساسية، التحديات الناجمة عن روسيا وسبل تعزيز أمن حلف «الناتو»، والجبهة الجنوبية للحلف فى ظل الأزمة الأوكرانية، والخطر الذى يشكله تنظيم «داعش»، بالإضافة إلى خطط الحلف لتقديم المساعدة للقوات العراقية فى مواجهة التنظيمات الإرهابية. من جهة أخرى، حذر رئيس الجامعة الأمريكية فى موسكو إدوارد لوزانسكى من عواقب امتناع الولاياتالمتحدة عن الحوار مع روسيا، مشيرا إلى أن ذلك سيؤدى إلى كارثة، وأوضح، فى مقال نشر فى مجلة «The Nation»، أن العالم مهدد بعواقب كارثية إذا لم تعد واشنطنوموسكو إلى الحوار حول قضايا انتشار السلاح النووى والأمن النووى. وحذر لوزانسكى فى هذا السياق من أن كل ذلك يمكن أن يؤدى إلى بدء سباق تسلح جديد لا تحمد عقباه. وأشار الكاتب فى هذا الصدد إلى أن البلدين كانا قد شكلا 21 مجموعة عمل فى الفترة الرئاسية الأولى لباراك أوباما، ارتكزت فى عملها على الخبراء فى مجالات واسعة أهمها الحد من التسلح وأمن الإنترنت والتعاون العسكرى، مضيفا أن الرئيس الأمريكى أمر بتجميد عمل هذه الفرق فى جميع المجالات تقريبا، وذلك بضغط من المشرعين «الراغبين فى معاقبة روسيا» بحجة تدخلها فى الأزمة الأوكرانية.