شوه مشهد عبثي، صورة الآثار المصرية المميزة بمحافظة الأقصر، ما تسبب في المساس بقيمتها الكبرى، وأهدر أصولها التاريخية النادرة، ويعد الإله آتون شاهدًا على ذلك، ودليلًا ملموسًا على ما تعانيه الآثار المصرية من إهمال صارخ. "التحرير" ترصد ما آل إليه حال أول مركز لعبادة الإله آتون، إله التوحيد، في مصر القديمة، بمنطقة النجع الطويل بالكرنك شمال الأقصر، وكيف تمكن الإهمال من تحويله لمقلب قمامة، في ظل وجود حالة من التراخي من جانب الدولة. وقال إسلام أحمد، خريج معهد تمريض، 22 سنة، "منزلي مجاور لمعبد الإله أتون, ومنذ بداية تعرفي على ذلك المعبد لم أشهد أي تغيير طرأ عليه، فمنذ مدة طويلة كان هذا المعبد عبارة عن قطعة من الأرض الفضاء، تحوي عددًا من الأحجار الرملية الكبيرة، وتلال مكدسة من الرمال، وكان الأهالي يستخدمونها لإلقاء القمامة بها". وأكمل يوسف طه، 54 سنة، موظف: "على الرغم من الأهمية الأثرية التي يحظى بها معبد الإله آتون، باعتباره أول مركز لعبادة الإله الواحد في مصر الفرعونية، إلا أنه يعاني الكثير من مشاهد الإهمال، فبدلًا من استغلاله للكشف عن التاريخ المصري، تم تحويله إلى مقلب للقمامة، لتقبع الأثار المصرية أسفل أكوام مكدسة من مخلفات الأهالي". وكشف علي محسب، عامل أجري، 25 سنة، أن معبد الإله أتون يتعرض للعديد من حوادث الحريق، مشيرًا إلى أن تكدس القمامة بداخل أسوار المعبد يدفع المواطنين للتخلص منها عن طريق إضرام النيران بها، وهذا ما يجبر القوات الأمنية المتواجدة إلى جوار المعبد والممثلة في الكمين الشرطي الخاص بمنطقة النجع الطويل، على استدعاء قوات الأطفاء للقضاء على الحريق، ومن المؤكد أن كميات المياه المستخدمة خلال عملية الإطفاء، سوف تتجمع بالنهاية في صورة مياه جوفية، لتؤثر على الأثار القابعة أسفل ذلك المعبد. من جانبه، قال الطيب غريب، كبير مفتشي معابد الكرنك بهيئة آثار الأقصر، إنه تم العثور بمنطقة النجع الطويل بالكرنك على معبد الإله آتون والذي تم تشييده في عهد الملك أمنتحب الرابع والشهير ب" إخناتون" في النصف الثاني من تاريخ الأسرة 18 في الدولة الحديثة، مشيرًا إلى أنه يرجع تاريخ ذلك المبعد للفترة الأتونية، والتي قام فيها الملك أخناتون بتكريسها لعبادة الإله أتون، وهو الإله الذي أراد به أخناتون توحيد الآلهة في إله واحد. وتابع: "لعل من أبزر الأسباب التي دفعت الملك الشاب إخناتون لبناء مبعد الإله أتون خارج حدود معابد الكرنك يرجع إلى العداء التاريخي بين الإلهين (أتون وأمون)، واعتقد بعض العلماء أن قيام الملك الشاب بالإعلان عن الديانة الشهيرة, وظهور أول دعوة للتوحيد في ذلك الوقت، اضطر بكهنة الإله أمون، والذين كانوا يتمتعون بالسلطة والنفوذ في ربوع الإمبراطورية المصرية آنذاك، بفرض شرط يقتضي بتشييد معبد عبادة الإله آتون خارج حدود منطقة نفوذ الإله أمون". وأردف: "قام الملك الشاب بتشييد كافة المعابد والمقاصير الخاصة بالإله أتون خارج حدود معابد الكرنك، اتقاءً لإثارة أي مشاكل مع كهنة أمون، إلا أن مؤامرات الكهنة لم تنته حتي قام الملك الشاب بهجر العاصمة طيبة، لينتقل إلى العاصمة الجديدة في محافظة المنيا والمعرفة باسم (إخيتاتون) بمنطقة تل العمارنة". وأوضح أن المعبد، شهد الكثير من أعمال الحفريات والكشف عن مقتنياته من خلال عمل البعثة الكندية برئاسة العالم الأثري الدكتور "دونالد ديدفور"، كما عملت به البعثة الأثرية المصرية برئاسة العالم الآثري الدكتور رمضان سعد، فانتسب ذلك المعبد لاسم العالم الآثري، وأصبح يعرف بين أوساط الأثريين باسم حفائر الدكتور سعد، وكان هذا في سبعينيات القرن الماضي. وأضاف غريب، أن أعمال الحفر والتنقيب في هذا المعبد تمكنت من الكشف عن مجموعة من أساسات المعبد، وكذلك بعض الحجارة المصنوعة من الطوب اللبّن، والتي من المرجح أنها كانت تستخدم في الأسوار التي كانت تحيط بهذا المبعد، كما كشفت أيضًا عن بعض الملحقات الخاصة بالمعبد وهي مجموعة من أحجار "التلاتات" والتي كانت تستخدم لتصوير مناظر الحياة اليومية إبان تلك الفترة، كما سجلت أيضًا علاقة الأسرة الحاكمة الدينية بالمعبود الشهير آتون. وأردف: "كما تم العثور على أحد منازل المواطنين بمنطقة النجع الطويل على مائدتي قربان مصنوعتان من حجر الجرانيت، وقد نقض عليها الخارطيش التي تحتوي على أسماء وألقاب الملك إخناتون، هذا بالإضافة إلى اسم زوجته الشهيرة الملك نفرتيتي، ونظرًا لأهمية القطع المعثور عليها بذلك المبعد، تم التحفظ عليها بمخازن مجموعة معابد الكرنك، وذلك بقصد الحفاظ عليها لما تمثله من قيمة أثرية وعلمية مهمة، حيث إنها تؤرخ فترة غامضة وقليلة المصادر في تاريخ الحضارة المصرية". وأوضح أن الصورة التي يظهر عليها المعبد في تلك الفترة، جاءت نتيجة تصرفات الأهالي الخاطئة، والتي ساهمت في تشويه المعبد وتحويله إلى مكب للنفايات. وأكد غريب، أن وزارة الآثار كانت تلقي عناية خاصة لذلك المعبد قبيل ثورة 25 يناير، إذ أن هذا المعبد كان يحظى بوجود حراسة مشددة عليه من خلال تعيين خفراء لحراسته، إلا أن ضعف إيرادات وزارة الآثار بعد الثورة بسبب غياب السياحة، عجز عن توفير ميزانية لاستمرار الحماية على المعبد. وأوضح أن هيئة الآثار، تحاول جاهدة التخلص ما يعانيه المعبد من تصرفات خاصة، بواسطة توعية الآهالي بالقيمة الأثرية للمعبد، ودعوتهم للحفاظ عليه.