هى ليست جريمة فى الإسكندرية فقط، بل تكاد تكون جريمة عامة منتشرة فى أغلب، إن لم يكن كل، المدن التى تطل على البحر المتوسط أو البحر الأحمر أو على نهر النيل، جريمة ضد الإنسانية.. ودعونا نبدأ من الإسكندرية. هل تصدقون أن بحر الإسكندرية الذى غنَّت له فيروز ومحمد قنديل، وغيرهما، قد اختفى من الوجود تقريبًا تحت ركام من الأسمنت والإنشاءات الخشبية والنوادى الخاصة؟! لم يعد كورنيش الإسكندرية هو ذلك الشريط الساحر الساحلى المطل على البحر مباشرة الممتد من أسوار حدائق المنتزه إلى اللسان أمام مكتبة الإسكندرية، إلا من بعض نتوءات عشوائية مخالفة للقانون متناثرة على استحياء يتمتع أصحابها بنفوذ فوق القانون، فندق ثلاث نجوم شهير، كازينو قديم، نادى السيارات... إلخ، اختفى البحر تمامًا ولم يعد له وجود إلا نادرًا فى مناطق محدودة من جليم وكليوباترا، استغلال النفوذ والفساد وسوء الإدارة حجب البحر عن الناس، وقد تكون مصر هى الدولة الوحيدة فى العالم التى تبيع لأهلها الهواء والشمس والبحر، فهذه ثروات ملك الإنسانية جمعاء لا يجوز أن تحتكرها فئة أو جماعة أو نقابة أو هيئة أو مؤسسة أو أى كائن مهما كانت كينونته، هذه ثروة كل المصريين بلا استثناء، من أكبر رأس فى مصر إلى أبسط مواطن على باب الله، لكن إدارة الشواطئ فى الإسكندرية رأت أن البحر يتبعها والرمل من أملاكها وهواء البحر يخصّها، فطرحته فى مزاد لمقاولى «مصيف»، ومَن يدفع أكثر يأخذ الجمل بما حمل، شواطئ وبشر، فلا يمكن أن يدخل مصرى شاطئًا مجانًا، أو يجلس على البحر دون أن يؤجّر شمسية وكرسيًّا، وإذا كانت عائلة من ستة أفراد فسوف تدفع دم قلبها يوميًّا لترى البحر وتجلس أمامه، من أول فندق شيراتون تجد كافيتريا على البحر مباشرة، تابعة للفندق، لا تسأل بأى حق تقيم إنشاءاتها الخشبية وتسد البحر عن العابرين على أقدامهم أو الجالسين على الأسوار، وبعدها شاطئ خاص تابع لفندق للقوات المسلحة، وأيضًا لا تسأل مَن الذى منح هذا الفندق حرم الشاطئ الذى أمامه، وكل من كافيتريتَى الفندقين لها «حد أدنى» للمشروبات، بل دخول شاطئ فندق القوات المسلحة قد يكون الأعلى بين كل شواطئ الإسكندرية، للحفاظ على «قدسية» المكان من الأوباش الفقراء الذين قد يلوثون الشط بسلوكيات بلدى، وخُذ عندك المندرة والعصافرة وسيدى بشر وميامى... إلخ، يستحيل أن تدفع أسرة أقل من ستين جنيهًا دخولاً وشمسية وكراسى، وبالطبع تركت المحافظة لأصحاب المزادات أن يفعلوا بالناس ما يشاؤون ما داموا دفعوا المعلوم. ولا أعرف مَن الذى منح الأطباء والمهندسين والمعلمين وضباط الشرطة والتجاريين والصحفيين وغيرهم من فئات المجتمع أندية على البحر مباشرة، وهذه أفعال مخالفة للدستور، لأن البحر ملكية عامة، للناس جميعًا دون استثناء، ليس من حق الحكومة، أى حكومة مهما كانت، أن تخصص بعض البحر لمجموعة من المصريين دون غيرهم، كما لو أن المصريين صنفان، أصحاب الفرعون وخدم الفرعون، أصحاب الفرعون لهم تخصيص فى قرى سياحية وأرض صحراوية وأندية على النيل وشقق وعقارات، وخدم الفرعون لهم الدعم وطابور العيش وأنابيب البوتاجاز والمشى على رصيف الإسكندرية دون أن يروا البحر. ما يحدث فى الإسكندرية وغيرها جريمة بيئية ضد الإنسانية. وللحديث بقية.