تحقيق- محمد علاء ومحمود عاطف: كشك سجائر واحد من أصل 20 كشكا، تحقَّق من سن عبد الرحمن علاء، ابن الأربعة عشر عامًا، حيث فوجئ «عبد الرحمن» برفض تاجر بيعه علبة سجائر بعد سؤاله عن عمره، لكنّ 19 تاجرًا آخر وفروا لصلاح طلبه دون حواجز، فى خرق فاضح للقوانين. ساعدنا «عبد الرحمن» على تنفيذ مهمة ابتياع سجائر من 20 كشكًا للسجائر، فى مناطق المهندسين والدقى والعجوزة بمحافظة الجيزة، رغم أن هيئته تكشف عدم بلوغه السن القانونية فى بلد 35% من سكانه تحت سن 18 عامًا. فى أقل من ساعة، اشترى «عبد الرحمن» سجائر من 19 كشكا مختلفا دون السؤال عن عمره، فى مخالفة صريحة للقانون رقم 85 لسنة 2002 فى شأن الرقابة على أضرار التدخين. توصل محررا التحقيق إلى أن ضعف الرقابة وإهمال الجهات المنوطة بذلك يجردان القانون من تنفيذه ويشجعان غالبية أكشاك السجائر على خرقه، خصوصًا فى ضوء عدم تفرغ مراقبى وزارة الصحة ووزارة التموين المحدود عددهم بمحاسبة المخالفين. المفارقة أن «التحرير» أجرت هذه التجربة فى الأسبوع الذى يسبق مباشرة اليوم العالمى لمكافحة التدخين، ليبدو واضحًا أنه ربما تكون هناك جهات عدة تكافح التدخين، لكن أجهزة الدولة المعنية ليس من بينها. المسؤولية الحائرة بين «التنمية المحلية» و«الصحة» التجربة الميدانية أثبتت أن المسؤول عن الأكشاك وتراخيصها وسبل بيعها لمعروضاتها، جهتان، الأولى الحى الذى يوجد فيه الكشك، والثانية وزارة التموين التى تراقب الأسعار فقط. خالد مصطفى، مدير إدارة الإعلام بمحافظة القاهرة، يقول إن هناك حملات من المحافظة على الأكشاك للتأكد من صحة تراخيصها، وصلاحية المنتج، ولكن ليست هناك آلية رقابة على بيع السجائر لمن هم أقل من 18 عاما، ولكن سنسعى فى الفترة القادمة إلى وضع هذا الأمر على رأس أولويات المحافظة، وإرسال فِرق من الشؤون الصحية لمتابعة الأمر. يقول أحمد صبحى، عامل فى أحد الأكشاك، إنه يضطر إلى بيع السجائر لمن دون ال18 عاما بالتجزئة (الفرط)، لأن العائد المادى مربح أكثر من بيع علبة السجائر، ويسأل كيف لى أن أعرف أن الطفل سيدخن السيجارة أم سيعطيها لوالده الذى أرسله لتلك المهمة؟ أما أشرف زكى، تاجر سجائر فى موقف عبد المنعم رياض، فيقول إنه لا يبيع السجائر للأطفال الأقل من 18 عاما إلا إذا كان الطفل معروفا أنه من أبناء أحد التجار فيعطى له السجائر باطمئنان. محمد الضبع، مالك كشك فى منطقة أرض اللواء، قال إنه يبيع السجائر لأى شخص يريد فهو المسؤول، ولم ير أى مسؤول أتى إليه وقال له إن هناك قانونا يمنع بيع السجائر للأطفال، حيث إنه افتتح الكشك منذ 15 عامًا. أين دور وزارة الصحة؟ تقول الدكتورة سحر لطيف لبيب، مدير الإدارة العامة لمكافحة التدخين بوزارة الصحة، إن 16% من الأطفال يدخنون السجائر، حيث تتوزع النسبة على أطفال المدارس وأطفال الشوارع، مضيفة أن هناك قانونا بالفعل يمنع بيع السجائر لمن دون ال18 عاما ولكن لا توجد آليات فاعلة على أرض الواقع لتطبيقه. مديرة إدارة مكافحة التدخين تقول إن بيع السجائر لمن دون ال18 سنة جريمة أكثر خطورة من جرائم السرقة والقتل، لأنها تفتك بالأطفال، مطالبة الإعلام بضرورة التكاتف مع الإدارة لعمل حملات توعية مستمرة، لأن وزارة الصحة لا تمتلك الميزانية الكافية لعمل حملات فى القنوات الأكثر مشاهدة والجرائد الأكثر مبيعًا، مضيفة أن هناك أفعالا يجب أن يتجنبها المجتمع، منها عدم تدخين أولياء الأمور أمام أبنائهم، لأن ذلك يدفعهم إلى تجربة العادة السيئة، وأيضًا عدم إرسال الأبناء إلى أماكن بيع السجائر المختلفة لشرائها لهم، كما يجب أن يتم منع التدخين فى السينما والدراما، لأن هناك نسبة عالية من الأطفال تتابع تلك المسلسلات والأفلام وبالتأكيد ستفكر فى تجريب التدخين، قائلة: «نعقد ورشا باستمرار مع صناع السينما والدراما للحد من مشاهد التدخين، لأنها تؤثر بالسلب على الأطفال». وتقول «سحر» إن بيع السجائر بالواحدة (الفرط) ليس له صفة قانونية، مطالبة المشرِّع القانونى بضرورة سن قانون يمنع هذا النوع من البيع، لأن غالبية الأطفال لن يكون فى مقدورهم شراء علبة سجائر كاملة، ولكن بالتأكيد سيكون معهم ثمن سيجارة واحدة أو اثنتين، قائلة: «امنعوا الفرط، خوفًا على أبنائكم» أما بالنسبة للأكشاك فترى «سحر» أنه لا بد من وجود آلية مراقبة وإجراءات عقابية من قبل الحى المسؤول عنها فى حال ثبوت بيعها السجائر للأطفال. تجارب أطفال مدخنين أحمد حسنين، يبلغ 15 عاما، يعمل بورشة لإصلاح السيارات، يقول إنه بدأ التدخين منذ نعومة أظافره عندما كان يبلغ 9 سنوات، يحكى حسنين أنه لم يجد أحدًا ليمنعه عن التدخين، حتى والداه كلاهما كانا دائمًا مشغولين بتوفير لقمة العيش. فالأب يعمل عامل بناء، والأم خادمة بالمنازل، ويتابع حسنين بأن والديه ليس لديهما وقت له أو لإخوته الخمسة، لذلك نشؤوا معتمدين على أنفسهم، فهو يعمل ميكانيكيا منذ التاسعة من عمره، وحينها بدأ التدخين، عندما تعرف على صديقه رأفت، الذى دخن معه أول سيجارة، ومن حينها وهما يدخنان معًا، ويتقاسمان علبة السجائر سويا، ويؤكد حسنين أنه ليس هناك سبب محدد دفعه للتدخين، فكان يريد فقط أن يجرب ما يشاهده دائما بصورة شبه يومية، سواء فى التلفاز أو على أرض الواقع. عمر عبد الباقى، يبلغ من العمر 16 عامًا، يدرس بإحدى المدارس الدولية بمدينة نصر، ويقول إنه بدأ التدخين منذ عامين، ولا يرى ما يمنع من ذلك، فنحن فى بلد حر، وما دام لا يؤذى أحدًا فلا أحد يستطيع محاسبته، ويقول عبد الباقى إن والدته تعلم بالأمر وتحاول دائمًا منعه للإقلاع عن هذه العادة، أما والده فنادرًا ما يراه، حيث يعمل ضابط شرطة، لذلك يعتقد أنه فى أمان حتى الآن، لأنه ليس على علم بالأمر، ولو علم لكان شطره نصفين، ولا يتوقع أن تتفوه والدته بشىء له، «فوالدتى طيبة». ويقول عبد الباقى إنه دائم التردد على كشك بجوار المدرسة ليشترى سجائره المفضلة بنكهة الشيكولاتة، ويقول إن التدخين بالنسبة له أصبح عادة، إذ إنه لا يستطيع المذاكرة إلا عند تدخين سيجارتين على الأقل. الدولة تكسب 22 مليار جنيه من السجائر يقول الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادى، إن عوائد الحكومة من جنى الضرائب على السجائر فى السنة الأخيرة وصلت إلى 22 مليار جنيه، حيث تعد شركة الشرقية للدخان من أهم الجهات التى تعتمد عليها الحكومة فى مواردها، مما يثير الشكوك حول آلية تطبيق القانون فى بيع السجائر خوفًا من تقليل الأرباح. بدورها تقول الدكتورة عزة العشماوى، الأمين العام للأمومة والطفولة، إنه يوجد قانون رقم 85 لسنة 2002 بمنع بيع السجائر لمن هم أقل من 18 عاما، ولكنه غير مفعل، بالإضافة إلى قانون الطفل مادة 96 التى تمنع تعريض الطفل للخطر، لذلك فإنها تدعو المواطنين للإبلاغ عن أماكن بيع السجائر لهؤلاء الأطفال، لأنها تعتبر جريمة فى حق الوطن والطفل، وتمثل تهديدًا حقيقيًّا على مستقبل هذه الأمة المتمثلة فى شبابها. تضيف «العشماوى» أنه يجب أن تخضع المقاهى للإشراف القانونى وأن يتم منع من هم دون ال18 عاما من الدخول للمقاهى، ويجب أن يتم سحب رخص المقهى المخالف لهذا الأمر، فما يحدث الآن هو «عبث»، قائلة: «نرى أطفالا لم يبلغوا ال15 عامًا يجلسون على المقهى ويدخنون الشيشة والسجائر، والعجيب أن صاحب المقهى يقدمها لهم بصدر رحب، فهل تخيل صاحب المقهى ابنه أو ابنته فى هذا الموقف؟! وما سيكون رده فعله حينها؟! لذلك أطالب لجان حماية الطفل بما لها من آلية مجتمعية وقانونية بممارسة دورها الرقابى، وكذلك وزارة الداخلية، أن تقوم بعملها وتقوم بتفعيل القوانين غير المفعلة». من جهتها تقول الدكتورة سوسن فايد، مستشارة علم النفس بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن هناك مجموعة من العوامل تعمل على انتشار ظاهرة التدخين بين الشباب ما دون ال18 عاما، أولا من خلال عدم الاهتمام من جانب المدرسة، فالشاب أو الشابة يقضى وقتًا طويلا بالمدرسة، لذا لا بد أن يكون ثمة نوع من الرقابة على سلوك الطلاب، ومحاولة تثقيفهم وتوعيتهم بمخاطر التدخين، ومعرفة الأسباب التى تدفع الطلاب إلى التدخين والعمل على حلها، وذلك يكون عن طريق طبيب نفسى يكون بالمدرسة بصورة أسبوعية على الأقل، والأمر الثانى هو دور المؤسسات الدينية التى غاب دورها فى الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، وأصبحت تهتم بأمور بعيدة كل البعد عن الواقع، فلماذا لا يهتم الأزهر بشباب الوطن وتوعيته وإرشاده للطريق القويم عوضًا عن تركه فريسة للإرهاب أو أن يقع فى براثن الإدمان؟! فمن الممكن أيضًا أن يرسل الأزهر إماما صغيرا فى السن ليتمكن من التعامل مع شباب هذا الجيل، للنصح والإرشاد، بالإضافة إلى عمل ندوات تثقيفية فى النوادى ومراكز الشباب. تقول «فايد» إن العامل الأهم هو المنزل، فالإهمال الأسرى وعدم الاهتمام بالشباب فى هذه السن يشكل خطرا داهما، فيجب على أولياء الأمور متابعة أبنائهم وأن يقوموا بالتوعية والنصح والإرشاد، مع الابتعاد عن الترهيب والترغيب لأنه يأتى بنتائج عكسية، لغة الحوار بين الآباء والأبناء هامة للغاية. وتؤكد مستشارة علم النفس أن الأفلام والمسلسلات تلعب دورًا هامًّا فى التأثير على عقول الشباب، خصوصًا إذا كان بطل الفيلم محبوبا لدى الشباب، فستجد قطاعا كبيرا منهم يسعى لتقليده فى كل شىء، لذلك يجب أن يكون هناك دور رقابى على الأمر، إما بمنعه وإما بإظهاره فى صورة تصرف سيئ. أسامة سلامة، أنشأ مؤخرًا رابطة تضم جميع بائعى السجائر على مستوى الجمهورية، يرى أن موضوع بيع السجائر لمن دون ال18 عاما يحتاج إلى التوعية، حيث تم توزيع منشورات فى أماكن بيع السجائر التى تقع بجوار المدارس تحث التجار على اتباع القانون وسؤال المستهلك عن سنه قبل بيعه السجائر، وتناشد شركات السجائر طبع لاصقات على السجائر تراعى ذلك الأمر. ويضيف سلامة: «لكى نكون أكثر وضوحًا فغالبية منافذ بيع السجائر لا تلتزم بقانون بيع السجائر إلا من رحم ربى». وأوضح سلامة أسباب عدم التزام منافذ البيع بالقانون بأن هناك أشخاصا لا يلتزمون بأى معايير سوى الربح، معللاً ذلك بعدم وجود آليات رقابية مفعلة على أرض الواقع، مطالبًا بعمل حملات توعية تنظمها وزارة الصحة بديلا عن حملاتهم التى تكون بالجهود الذاتية، وبالتالى لا تصل إلى القدر المطلوب من بائعى السجائر. القانون رقم 85 لسنة 2002 فى شأن الرقابة على أضرار التدخين بتعديل بعض أحكام القرار بالقانون رقم 52 لسنة 1981 فى شأن الرقابة على أضرار التدخين باسم الشعب - رئيس الجمهورية، قرر مجلس الشعب القانون الآتى نصه، وقد أصدرنا: المادة الأولى: تستبدل بالفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من القرار بالقانون رقم 52 لسنة 1981 فى شأن الرقابة من أضرار التدخين النص الآتى: «كما يجب أن يثبت على كل عبوة من منتجات التبغ أو السجائر، التحذير الآتى: (احترس التدخين يدمر الصحة ويسبب الوفاة)، على أن يشمل هذا التحذير ثلث مساحة واجهة العبوة على الأقل». المادة الثانية: تضاف إلى القرار بالقانون رقم 52 لسنة 1981 المشار إليه مواد جديدة بأرقام 6 مكررًا، 6 مكررًا (1)، 6 مكررًا (2)، نصوصها الآتية: مادة 6 مكررًا «يحظر الإعلان أو الترويج لشراء أو استعمال السجائر ومختلف منتجات التبغ كلية، سواء كان ذلك فى الصحف أو المجلات أو ما يصدر عنها أو تقوم بتوزيعه أو بالصور الثابتة أو المتحركة أو بالرمز أو بالصور المرئية أو بالوسائل المسموعة أو بأى وسيلة أخرى». مادة 6 مكررًا (1) «يحظر توزيع السجائر أو منتجات التبغ بكل أنواعها فى مسابقات أو فى صورة جوائز أو هدايا مجانية أو أن تكون منتجات السجائر أو التبغ وسيلة للحصول على جوائز مالية أو عينية أو أدبية». مادة 6 مكررًا (2) «يحظر بيع السجائر ومختلف منتجات التبغ أو بطاقات شرائها، وذلك لمن يقل عمره عن ثمانية عشر عامًا». المادة الثالثة يستبدل بنص المادة (7) من القرار بالقانون رقم 52 لسنة 1981 المشار إليه النص الآتى: مادة 7- مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف الأحكام الواردة فى المواد 1 و3 و6 مكررًا و6 مكررًا (1) من هذا القانون. وفى حالة العودة تكون العقوبة الحبس والغرامة معًا المنصوص عليها فى الفقرة السابقة وتكون العقوبة الغرامة التى لا تقل عن مئة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه لكل من يخالف الأحكام الواردة بالمادة 6 مكررًا (2) من هذا القانون ولا تسرى على المشترى أحكام الاشتراك الواردة فى قانون العقوبات. وفى حالة العودة تكون العقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن مئة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.