تتعجب وهم يناولونك قطعة صغيرة من اللحم مقترنة بكلمة «مبروك»، تنظر إلى ابنك الوليد متفحصا، ممسكا بيده الصغيرة منمنمة الأصابع، تسخر فى سرك من كل المهنئين الذين اتفقوا على جملة واحدة «الواد شبه أبوه بالظبط».. أين ملامحه التى تشبهنى أصلا يا ولاد الكدابة؟ هوّه باين منه حاجة؟ فى زحمة الروتين وأنت تنهى الأوراق المطلوبة، يظل السؤال قائما فى أعماقك: أين عاطفة الأبوة؟ لماذا لا تشعر بهذا الحنان الجارف الذى تراه منسابا من زوجتك لابنك؟ يقولون إن الأمومة فطرة والأبوة مكتسبة، متى ستكتسب هذه العاطفة إذن؟ تبدأ فى التأفف من هذا البكاء الجديد الذى لا ينقطع فى بيتك، ولكن شيئا فشيئا تحبه، تعشقه، تتمنى أن لا ينقطع، تتسرب إليك مشاعر الأبوة دون أن تنتبه، ويصبح حضن ابنك الصغير هو كل ما تتمناه من هذه الدنيا. ستشعر بالأبوة واللهفة مع أول خبطة لرأس ابنك الرضيع فى ضهر الكرسى، وأول وقعة من السرير، وأول لسعة حشرة كانت تهيم فى الغرفة، وأول نزلة معوية تجرى به بسببها فجرًا وهو على كتفك ودموعك تنساب دون أن تعلم لها سببا، داعيا ربك أن يأخذ منك كل ما حققته فى الدنيا تاركا لك ضناك، وأول كلمة «بابا»، وأول حركة يقلدك فيها، وأول حضن يعطيه لك بعد أن استوى عوده قليلا، وصارت أصابعه المنمنة واضحة تشعر بقوتها وهى تنزل على قفاك وأنت تبتسم. تتحول كل طموحاتك إليه، وكل اعتزازك بنفسك إليه، فيقولون: ابنك شبهك، فترد: بل هو أحلى، ابنك كريم مثلك.. بل هو أكرم، ابنك زيك نفسه عزيزة.. بل هو أعز، ابنك سيفتخر بك.. بل هو مصدر الفخر. نعمة كبيرة نسينا شكر الله عليها وسط روتين الحياة وتعبها، أنتَ أب.. قبِّل أولادك واشكر الله.