المقال الذى ستقرؤه حالا كتبته ونشرته فى هذا المكان قبل نحو عام تقريبا، واليوم أعيد نشره مهديا إياه إلى فرق وعصابات الجهلة الشتامين المستجلَبين من على أوسخ الأرصفة إلى حوارى وأزقة «الإنترنت» لكى يصبوا أبشع وأحط سخائمهم تجاه خلق الله الذين يمارسون حق المعارضة والاختلاف مع الست «جماعة الشر» وحلفائها المنتشرين حاليا بكامل عتاد الظلم والظلام والتخلف فى أروقة ودهاليز سلطة الحكم العليا.. أعيد نشر المقال ولا أمل عندى أن يرتدعوا أو يرعووا أو يتعلموا شيئا بما فى ذلك الأدب والأخلاق الحميدة: أعتذر وآسف جدا أن أبدأ هذه السطور منوها ومذكرا بأن العبد الفقير إلى الله كان واحدا من كُثر دافعوا بإخلاص عن حق جماعة الإخوان المسلمين فى التمتع بالشرعية القانونية، وفى سجلى عشرات المقالات والأحاديث العلنية التى استهجنت واستخففت و«اتريقت» فيها بشدة على ذلك الوصف الممجوج البذىء الذى شاع فى إعلام المخلوع أفندى، إذ كان لا يشار أبدا إلى هذه الجماعة باسمها المعروف وإنما بلفظة «المحظورة» فحسب.. كما أننى كثيرا ما تضامنت (كتابة وبكل الوسائل المتاحة لأمثالى) مع قيادات وأعضاء جماعة الإخوان عندما كانوا يلاحقون بالمحاكمات الجائرة والاعتقال والسجن الذى جربته وذقت مرارته مرات عدة. فأما الاعتذار والأسف الذى استهللت به الكلام فمصدره أن مواقفى آنفة الذكر دفاعا وتضامنا مع الجماعة وأعضائها لا يليق أن تكون موضوعا للتفاخر أو تقال من باب المعايرة والمَن (حاشا لله) لأنها ببساطة، مواقف مبدئية يفرضها واجب الاستقامة وصدق الالتزام بمفاهيم وقيم الحرية التى لا دليل على الإيمان الحق بها إلا أن يتسق ادعاء المرء مع سلوكه ومواقفه العملية تجاه حقوق الآخرين ممن يخالفونه الفكر والرأى قبل الذين يشاطرونه أفكاره وعقائده. وما فات كله مقدمة لكى أقول إننى من كثيرين لم يعودوا قادرين على فهم «حالة» جماعة الإخوان المسلمين (أرجو أن يكون واضحا أن «عدم الفهم» أمر لا علاقة له بالاختلاف الفكرى والسياسى) فهى تبدو حالة نادرة فى الإبهام والغموض (إبهاما وغموضا عمدَيْن غالبا) ومن ثم صارت عصية على أى قياس ويصعب أو يستحيل أن تجد لها شبيها بين الجماعات الناشطة على المسرح السياسى فى أى بلد يتمتع بنظام ديمقراطى ويستظل مجتمعه بدولة القانون. وبالطبع فإن ضيق المساحة لا يترك مجالا للتفصيل والإسهاب فى رصد وتتبع كل معالم ومظاهر غرابة «الحالة» الإخوانية، ولهذا سأكتفى بعبور سريع على بعض المظاهر التى نراها حاليا تلوِّن صورة السلوك السياسى للجماعة بألوان مثيرة للعجب والحيرة ربما أكثر مما تثير الحنق والغضب، منها على سبيل المثال احتفاظها المراوغ بوظيفتين من جنسين مختلفين اختلافا بيِّنا، أولهما الوظيفة الدعوية (دعك من غرابة «دعوة» المصريين المسلمين للإسلام بعد مرور 14 قرنا على إسلامهم) ووظيفة سياسية تفاجئنا تلك الجماعة التى تنسب نفسها إلى الدين الحنيف بأنها تمارسها بقدر عظيم ولا محدود من «البراجماتية» التى تقتحم كثيرا حدود الانتهازية السياسية الصريحة! ورغم سقوط نعت «الحظر» تماما ونهائيا عن جماعة الإخوان، بل وانتقالها من حال الملاحقة إلى التمتع بتدليل و«تدليع» لا تخطئهما عين، فإن الجماعة تحافظ على وضع تنظيمى منفلت من أى قانون، فهى أنشأت (أو ولَدت) حزبا سياسيا أفرزت له ما يكفى من الأعضاء وعينت قياداته (بالمخالفة لكل القواعد والأصول المتعارف عليها فى النظم الديمقراطية فى الدنيا كلها) لكنها لم تذب فى هذا الحزب وإنما بقيت واقفة خلفه أو بالأحرى أمامه تقوده وتوجهه وتصدر هى قراراته وتحدد مواقفه علنا. غير أن ذلك ليس أغرب ولا أسوأ ما فى الحالة الراهنة للجماعة، فهى أخذت من الشرعية وسقوط الحظر الميزات والغنائم فقط، وأهملت بغرور وصلف كل الواجبات والالتزامات، وأهمها الانتظام فى الأطر القانونية المعمول بها فى الدولة المصرية والسارية على جميع مواطنيها، فقد أبقت هذه الجماعة نفسها كيانا «عرفيا» ينأى بذاته ويتعالى عن أى تقنين أو رقابة (مالية وسلوكية) تخضع لها كل الجمعيات والمنظمات العاملة فى مصر. باختصار صارت دولة موازية للدولة، ومستقلة ذات منعة وسيادة تحميها وترد عن حدودها نظم وقوانين دولة مصر. وأخيرا.. هل لهذا الكلام مناسبة الآن؟! نعم.. مناسبته التواطؤ والصمت عن أى كلام فى موضوع «وضع الجماعة» القانونى بعد أن «وضعت» حزبها وقامت بالسلامة!