حين أراد الرئيس السيسى تفويضًا من الشعب لمحاربة الإرهاب حصل عليه، وها هو الآن يحارب الإرهاب -بطريقته- مسلحًا بهذا التفويض الشعبى، لكنه حين قرر المشاركة فى حرب اليمن -وهو قرارٌ أخطر- لم يطلب تفويضًا من الشعب، بل اتخذ القرار منفردًا، ولم يحصل الشعب حتى الآن على إجابة مقنعة للسؤال: لماذا تشارك مصر فى هذه الحرب؟ هذا الشعب أيد السيسى وسانده، حين تقدم بشجاعة لتخليصه من بين أنياب جماعة إرهابية، اختطفت بدعم دولى ثورة مصر ثم حكم مصر، وقتها أعلنت القوات المسلحة أنها تنقذ الشعب، لأنه (لم يجد أحدًا يحنو عليه)، وفى الحرب الشرسة ضد الإرهاب على الحدود وفى المدن، يسقط كل يوم تقريبًا شهداء من الضباط والجنود، وهم يواجهون هذا الإرهاب القذر ضد مصر وشعبها، لكن الشعب صابرٌ محتسب إياهم عند الله شهداء بررة، فهى معركة وافق على خوضها فى تفويضه الشهير للسيسى، لذلك يتحمل ثمنها الدموى الباهظ رغم فداحته، وهو يتطلع إلى الانتصار فيها، كى يتوقف نزيف دم أبنائه من الضباط والجنود. أما الحال الآن فهو: فى غياب مجلس نواب يمثل الشعب لم يطلب الرئيس تفويضًا من ذلك الشعب لخوض حرب فى اليمن، وأرسل أو قد يرسل أبناء هذا الشعب جنودًا يحاربون شعبًا آخر هو شعب اليمن المظلوم، ثم لم يبرر خوض هذه المعركة، أو يشرح المصلحة المصرية التى تستحق إسالة دماء المصريين فيها، وهذا يطرح سؤالا مصيريا: مَن المسؤول عن دم الجنود المصريين فى تلك الحرب اللا أخلاقية؟ مسؤولية مَن هذا الدم البرىء؟! وفى غياب حجة رسمية مقنعة تبرر هذه المشاركة فى الحرب على الشعب اليمنى، تخبط الإعلام، الذى ما عاد يستحق أصلًا مسمى إعلام، بحثًا عن مبرر يسوقه للشعب، فلم يجد إلا مبرر (حماية باب المندب)، والحقيقة فعلًا أن باب المندب يستحق الحماية، لأنه معبر دولى إلى قناة السويس، التى هى بالنسبة إلينا شريان حياة، لكن لأنه معبر دولى فدول العالم الكبرى تحميه أصلًا ولا ينتظر حماية مصرية! ولأن عموم الشعب لم يكن يعرف أن باب المندب تحميه أساطيل القوى العظمى، صدق للوهلة الأولى، لكن سرعان ما انتشرت هذه المعلومة، فسقط المبرر وعاد الشعب ليتساءل من جديد: لماذا يخوض جيشنا هذه الحرب اللا أخلاقية، وهو الجيش الذى ترسخت فى أعماقنا صورة له: أنه لا يخوض إلا حروبًا عادلة لأجل حماية الوطن من الأعداء الطامعين؟! وشهداؤنا كانوا دائمًا عبر التاريخ شهداء فى حروب تدافع عن مصر، أو فى حروب لطرد احتلال أجنبى من أراضيها؟! وبسقوط مبرر (باب المندب) وبروز سؤال مسؤولية الدم المصرى فى حرب اليمن، تبدأ ملامح أخرى فى الظهور أمام الشعب المصرى الذى لا يزال لا يجد أحدًا يحنو عليه: أولًا: كيف يصل الحال بمصر إلى حد أن تخوض حربًا بالوكالة لحماية عرش آل سعود؟! والسؤال لا يتضمن فقط رفضًا شعبيًّا صميمًا لفكرة أن يتحول جيش مصر العظيم المبجل شعبيًّا -لا قدر الله ولا سمح- إلى جيش بالأجرة، بل أيضًا، هناك رفضٌ أصيل فى الوجدان الشعبى المصرى لأن تكون مصر تابعة لأى قوة فى العالم، فما بالك بخزى التبعية لمملكة الاستبداد النفطى الظلامية تلك؟! ثانيًا: لماذا يُستهان بحق الشعب فى أن يتخذ بنفسه قرار حرب سيكون أبناؤه وقودها؟ وهل فى غياب برلمان يمثل الشعب يحق لأى رئيس أن يقرر خوض حرب خارج الحدود؟ ستظل إذن كل قطرة دم لجندى مصرى فى هذه الحرب القذرة ضد شعب اليمن، مسؤولية معلقة فى رقبة الرئيس وحده، ولو كره المنافقون. ثالثًا: منذ أسقط الشعب حُكم الجماعة الإرهابية، دائمًا نسمع الرئيس يقول، وفى رأينا الشخصى نظنه صادقًا: «من غيركم يا مصريين ما أقدرش أعمل حاجة»، حسنًا يا ريّس: إذا كنت مضغوطًا بهذه المساعدات السعودية والإماراتية المذلة، ولا تريد أن تحمل فى عنقك مسؤولية دم المصريين فى حرب آل سعود على الشعب اليمنى، إذن عُد إلى شعبك الذى لا يمكنك -كما تقول- أن تفعل شيئًا دون إذنه، إذا كنت -لاعتبارات عديدة- غير قادر على قولها بعد أن ضيقوا عليك الخناق بملياراتهم، إذن دع الشعب يقولها، فالعالم عادة، ولو مرغمًا كارهًا، يرضخ لكلمة الشعوب المباشرة، إذن اطلب تفويض الشعب، أو اعقد استفتاءً شعبيًّا، ودع الشعب يقولها للعالم. لا لخوض حرب لا تخص مصر. لا لخوض حرب تحمى عروش حكام الخليج. لا لاسترخاص دم المصريين، لا لشرائه ولو بمليارات رز الخليج. ألم تقل إنك تواجه العالم بالشعب المصرى؟! ألم تقل «إنتو يا مصريين مش أنا اللى قررتوا تواجهوا»؟! حسنًا دعنا نحن من خلفك نواجه آل سعود: لن نسمح بإراقة دم أبنائنا لحماية عروشكم، ارحلوا عن مصر، نعم، ارحلوا.