فتحت الضربات الجوية التى يشنها التحالف الإقليمى الذى تتقدمه السعودية ضد مواقع الحوثيين والرئيس الأسبق على عبدالله صالح فى اليمن الباب أمام سيناريوهات عدة لاحتمالات تطور الصراع العسكرى فى هذا البلد الذى يعانى تقليديا من ضعف حضور الدولة مقابل غلبة نفوذ القوى القلبلية أو الجهوية أو الطائفية والإرهابية، وتفوقها العسكرى، فى أقاليم الدولة المختلفة. وبينما يتمثل الهدف المباشر للضربات الجوية السعودية بالأساس فى تقويض قدرات الحوثيين العسكرية، فإن الغاية النهائية التى تبتغى الحملة السعودية بالأساس والمسماة «عاصفة الحزم» لا تزال غير واضحة حتى اللحظة. ويبدو أن تلك الغاية النهائية لن تتجاوز أحد بديلين: 1- إعادة الحوثيين إلى مائدة التفاوض السياسى مع بقية الأطراف اليمنية على أسس جديدة من توازن القوى تحول دون ما بدا من تغول حوثى على الساحة السياسية فى اليمن خلال الأشهر القليلة الماضية منذ اقتحامهم العاصمة صنعاء فى سبتمبر الماضى. ويمكن تحقيق تلك الغاية من خلال أحد سبيلين، أولهما طرح مشروع لبناء دولة وطنية حقيقية لم تتحقق مطلقا فى اليمن، أو إعادة إنتاج نموذج توازن الضعف الهش بين مختلف الأطراف اليمنية. 2- القضاء على ما بدا من نفوذ إيرانى متنام يعمل على استغلال فشل الدولة ويحاول «تطييف» الصراعات السياسية والمجتمعية فى اليمن الذى طالما اعتبره النظام السعودى منذ نشأة المملكة «حديقة خلفية» يعمل على تقويض تمدد أى نفوذ مناوئ لرؤاه وأنساق مصالحه فيها. واعتمد النظام السعودى فى عملية التقويض تلك على توظيف دقيق، بل وخطر فى كثير من الأحيان، للتوازنات الهشة بين المكونات الاجتماعية المختلفة فى اليمن، بما يتيح استغلالها ضد بعضها البعض ويضمن إقصاء أى نفوذ خارجى «معادٍ» يمتد إلى أحد هذه الأطراف أو حتى إلى عدد منها. وبالرغم من أن كلا الغايتين لا تتعارضان بالضرورة، إلا أن غياب أى طرح سياسى واضح لما بعد الضربات العسكرية ينبئ بأن المرجح حتى اللحظة هو العمل بشكل أساسى على إعادة إنتاج نموذج توازن الضعف الهش بشكل رئيسى، بأكثر مما يبدو أنه قد يراهن على العمل على بناء دولة وطنية وجامعة فى اليمن. ويرجح ذلك خبرة التعامل الخليجى والسعودى خاصة مع مساعى اليمن الرسمية منذ العام 1996 للالتحاق بمجلس التعاون الخليجى، وهى المساعى التى طالما قوبلت إما برفض خليجى حتى العام 2000، أو بتحفظات على تطوير حدود هذا الالتحاق ومداه منذ تم قبول عضوية اليمن فى عدد من الهيئات التابعة للمجلس، فى قمة مسقط الخليجية عام 2000. ويمكن فهم هذا التحفظ الخليجى عامة، والسعودى خاصة، فى ضوء عاملين: 1- التركيبة السكانية اليمنية التى يشكل الشيعة الزيدية حاليا ما يتراوح بين 30% إلى 40% منها يتركزون فى المناطق المشالية المجاورة للحدود السعودية. ويبدو أن السياسة السعودية تخشى أن يؤدى إمكانية انتقال عدد كبير من المواطنين اليمنيين من المنتمين إلى المذهب الشيعى الزيدى إلى داخل المملكة حال تمتع اليمن بعضوية كاملة فى مجلس التعاون الخليجى إلى حدوث خلل فى التركيبة المذهبية للملكة. 2- وجود خلافات حدودية قديمة بين السعودية واليمن بشأن بعض المناطق التى أصبحت جزءا من المملكة العربية السعودية عقب صدامات عسكرية متقطعة دارت بين الطرفين منذ العام 1924 وحتى العام 1934. ويبدو أن صدى هذه الخلافات لا يزال يتردد فى العقول والأنفس، ويثير خشية الحكام والأنظمة. بعبارة أخرى، يبدو أن ضعف الطبيعة الوطنية للدولة التى تضمن المساواة بأشكالها المختلفة بين جميع مواطنيها فى منطقة الخليج، وعجز دول المنطقة، بالتالى، عن تطوير نموذج استيعاب حقيقى لكل سكانها خاصة من الشيعة على قاعدة المساواة الوطنية الكاملة، لا يستثير فقط خشية هذه الدول من الأقليات الشيعية داخلها، ولكن أيضا خشيتها من التداعيات الديموغرافية لأى عضوية كاملة لليمن فى البناء الخليجى، خاصة وأن عدد سكان اليمن الذى يتجاوز الخمسة وعشرين مليون نسمة يفوق عدد مواطنى دول الخليج العربية الست مجتمعة. كما تقف السياسة السعودية مترددة فى دعم نموذج وطنى ديمقراطى حقيقى فى اليمن قد يؤدى إلى صعود قوى لا تقبل بها المملكة إلى سدة السلطة والسياسة فى اليمن. من تلك المعطيات جميعا يبدو أن الخيار المرجح للحملة الحالية فى اليمن لن يستهدف الوصول إلى طرح مشروع وطنى يسعى إلى تكامل القوى المجتمعية اليمنية جميعها وأو توحدها فى إطار نموذج لدولة وطنية جامعة تمثل الرهان الحقيقى لإنقاذ اليمن، بل سيحاول إعادة توازن الضعف الهش والحفاظ على تقليدية المجتمع اليمنى التى طالما ضمنت للسياسة السعودية استغلال تناحر تلك القوى ضد بعضها البعض وضد أى نفوذ خارجى فى آن واحد. لن تقتصر خطورة هذا الطرح لن تقتصر الرئيسية فقط على احتمال استبدال التغول الحوثى بإعادة إنتاج القوة القبلية فى مواجهة الدولة الضعيفة، ولكن يبدو أن هذا الخطر قد يتطور فى ضوء الخطاب الطائفى المحيط بالأزمة اليمنية الراهنة إلى تعزيز قوى التطرف والإرهاب المتواجدة أصلا فى اليمن، ممثلة فى تنظيم القاعدة، أو حتى تنظيم «داعش» الذى تتوافر مؤشرات إلى محاولته الدخول إلى الساحة اليمنية كأحد بدائل أى اندحار لوجوده فى الشام والعراق. إلا أن الأخطر أن مواصلة تغليب العوامل اللاوطنية فى التعاطى مع أزمات الدولة العربية سيعزز انتشار التطرف والطائفية خارج نطاق الدول المأزومة لتصبح المنطقة بأسرها فى مواجهة خطر حريق طائفى يبدو أن الحدود والقدرات المالية باتت تعجز بشكل متزايد عن احتوائه.