ليس من الحصافة أو الصدقية فى شىء المبالغة بأن مصر استعادت دورا ومكانة يؤهلانها لاستعادة نفوذ الماضى القريب أو البعيد span lang="AR-EG" style="font-family:"Arial","sans-serif";mso-ascii-font-family: Calibri;mso-hansi-font-family:Calibri;mso-bidi-language:AR-EG"ينصرف نجاح مؤتمر شرم الشيخ لدعم الاقتصاد المصرى، حتى اللحظة، إلى إبراز الاهتمام العالمى والإقليمى بمكانة مصر ودورها وقدراتها والرهان على تلك العوامل جميعها فى ظل تحولات إقليمية وعالمية، تشهد تزايدا غير مسبوق فى حدة المخاطر وضبابية الرؤية ومحدودية فاعلية الأدوات المطروحة جميعها. لكن يبقى استثمار هذا النجاح وتحويله إلى واقع فعلى رهن بشروط أخرى لم تكتمل جميعها بعد. ومما يُعد مؤشرا إيجابيا أن الحوار السياسى والمجتمعى الداخلى فيما يتعلق بالشق الاقتصادى قد بدأ يتحرر سريعا من تداعيات الصورة وأوهامها ومعاركها التى استعرت إبان البث الحى لوقائع المؤتمر، لينتقل هذا الحوار سريعا إلى مناقشة سبل استغلال الفرص التى أتاحها المؤتمر وإدراك أن إقالة الاقتصاد المصرى ليس مرهونا بوعود خارجية، على أهميتها، بقدر من أنه مرهون برؤى وخطط عمل وإصلاحات داخلية فى المقام الأول. وبقدر ما أن دور مصر يعد أحد أبرز رهانات الاطراف المشاركة فى هذا المؤتمر، فإن سياستها الخارجية ستكون من أبرز مقومات استثمار هذا الاهتمام وإدامته. span lang="AR-EG" style="font-family:"Arial","sans-serif";mso-ascii-font-family: Calibri;mso-hansi-font-family:Calibri;mso-bidi-language:AR-EG"وفى هذا الصدد، فإنه ليس من الحصافة أو الصدقية فى شيء المبالغة بأن مصر استعادت دورا ومكانة يؤهلانها لاستعادة نفوذ الماضى القريب أو البعيد، كما أنه ليس من الإنصاف فى شيء ايضا الزعم أن هذا الاهتمام وتلك الرهانات ترتبط ارتباطا آليا فقط بمقدرات جيواستراتيجية تمتلكها مصر بحكم الطبيعة والتاريخ، فى محاولة لإنكار دور ثورة 30 يونيو والنظام السياسى الذى تأسس مستندا إلى شرعيتها فى إبراز أهمية تلك المقدرات وإعادة إنتاجها بعدما تآكلت واضمحل تأثيرها طوال عقود. span lang="AR-EG" style="font-family:"Arial","sans-serif";mso-ascii-font-family: Calibri;mso-hansi-font-family:Calibri;mso-bidi-language:AR-EG"غاية ما يمكن قوله فى هذا الصدد أن النظام المصرى، وبشكل أكثر تحديدا، الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى، نجحا، من خلال مشاريع مثل تطوير محور قناة السويس، وجهود مقاومة التطرف والإرهاب والعوامل المغذية لهما داخليا وإقليميا، فى إبراز إمكانيات دور مصرى مستقل وفاعل، فى مواجهة العديد من التحديات الإقليمية، ليس فقط المرتبطة بمخاطر الاحتراب المذهبى والطائفى، ولكن أيضا بمحاولات تقليص الأهمية الجيواقتصادية للإقليم. لكن لا يمكن الزعم أن هذا الدور قد تبلور أو تكاملت أدواته بقدر ما أنه بات يمثل فرصة، وتحديا فى آن واحد، امام العديد من القوى العالمية والإقليمية. وهنا يجب الوعى أن أى اهتمام بالدور المصرى وأى رهانات عليه، ليسا بالضرورة إيجابيان، بل يمكن الجزم أن جزءا لا يستهان به من هذا الاهتمام وتلك الرهانات إنما يستهدف احتواء هذا الدور وتقييده، ورده إلى حالة الارتهان الأولى، لتكون مصر مجرد عنصر توازن غير فاعل إلا بقدر إرادة خارجية، وليس إرادة وطنية مستقلة. span lang="AR-EG" style="font-family:"Arial","sans-serif";mso-ascii-font-family: Calibri;mso-hansi-font-family:Calibri;mso-bidi-language:AR-EG"يتمثل الرهان الحقيقى أمام السياسة الخارجية المصرية، بالتالى، فى إدراك أن هذا الاهتمام بمصر، وبل وأن حماية وجودها ذاته من المخاطر التى تتهدد المنطقة بأسرها، باتا رهن بتحرير الإرادة المصرية من أى تبعية خارجية، والتأسيس على عناصر ثلاثة برزت مؤخرا يمكن أن يرتكز عليها هذا الدور، وتعكس الطبيعة المبدعة للوجود الحضارى المصري: span lang="AR-EG" style="font-family:"Arial","sans-serif";mso-ascii-font-family: Calibri;mso-hansi-font-family:Calibri;mso-bidi-language:AR-EG"أولى هذه العناصر، استعادة التوازن العالمى للسياسة الخارجية المصرية وهو توازن افتقد، فى الواقع، منذ الفتح العربى لمصر، ولم تفلح ثورة 23 يوليو فى استعادته بشكل كامل. ويتطلب هذا التوازن التحرر من التبعية لهذا المعسكر أو ذاك، إقليميا او عالميا، والانفتاح برؤية تعاونية مبدعة ومتكاملة على قوى وأقاليم ظل وزنها دائما ضيئلا فى السياسة الخارجية المصرية خاصة أمريكا اللاتينية، أو تم تهميش حضورها فى تلك السياسة منذ سبعينيات القرن العشرين خاصة إفريقيا وآسيا، لكن يبقى الشرط الأساسى لاستعادة التوازن فى نظام عالمى تقاربت أركانه بشكل غير مسبوق، هو امتلاك رؤية تؤسس ليس فقط لعلاقة متوازنة مع مختلف القوى الصاعدة فى هذا النظام المضطرب حاليا، ولكن تؤسس ايضا لكيفية انخراط مصر فى جهود المراجعة العالمية لجعل النظام العالمى أكثر توازنا وعدالة وتشاركية. span lang="AR-EG" style="font-family:"Arial","sans-serif";mso-ascii-font-family: Calibri;mso-hansi-font-family:Calibri;mso-bidi-language:AR-EG"أما ثانى هذا العناصر فيتمثل فى استقلال الدور المصرى، وإذا كانت استعادة التوازن أحد شروط تحقيق استقلال الدور المصرى، فإن شرطه الأهم هو استعادة زخم مشروع تحديث مصرى شامل لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية مثلما كان الحال طوال ما يزيد على عقدين من الزمن، بل الأهم أن يكون التحديث والتحرر الفكريين والمعرفيين من كل أوهام التقليدية السياسية والدينية والمجتمعية ركنا أساسيا ورئيسيا وليس مجرد نتيجة عرضية لما يمكن أن يشهده أى من فضاءات التحديث الأخرى. وهنا يجب الوعى أن العامل الأكثر خطورة وراء كل إخفاقات مشروع التحديث المصرى إنما يرتبط بإهمال التحديث الفكرى، بل والرهان على البنى الفكرية والمجتمعية التقليدية لتاسيس حداثة مقيدة تحفظ للتسلط والاستبداد حضورهما. span lang="AR-EG" style="font-family:"Arial","sans-serif";mso-ascii-font-family: Calibri;mso-hansi-font-family:Calibri;mso-bidi-language:AR-EG"ثالثا وأخيرا، تبقى قوة النموذج، هى العنصر الأهم فى كل ركائز قدرة مصر ودورها، وترتبط هذه القوة فيما مثلته مصر تةاريخيا من بوتقة صهر إنسانية تاريخية فريدة، بوتقة صهر صبغت الأعراق والأديان والثقافات المختلفة التى امتزجت على أرضها بطابع وطنى ذاتى يتكامل فيه التعدد والتنوع، ويعلى فى نهاية المطاف من قيمة الوطن على ما عداه من انتماءات. ويمثل إحياء هذا النموذج داخليا، وشروط هذا الإحياء سياسيا واقتصاديا وفكريا، الإجابة الحقيقية التى تحتاجها منطقتنا فى مواجهة مخاطر الانهيار التى تتهددها حاليا، وبقدر ما يمثل، أى إحياء نموذج التكامل الوطنى الفاعل والقادر، الرهان الحقيقى لاستعادة مصر قيادة تلك المنطقة لتكون شريكا عالميا حقيقيا فى تقدم البشرية، وليست مجرد تهديد يجب احتواؤه أو بئر يتم استنزافه.