تعرض الفنان محمد منير لحملة شتائم وسخرية عنيفة على مواقع التواصل الاجتماعى، بعدها بأيام تعرض الدكتور أحمد عكاشة لحملة مماثلة، قبلهما كان البرادعى ومبارك، وحمدين صباحى، والإخوان، والسيسى، وأنت، وأنا. فكلما طالعت التعليقات أسفل مقالى تصيبنى درجة كبيرة من الإحباط، لأن 90% من التعليقات إما تكون إشادة مثل: رائع، عظيم، أو شتائم أقلها: عبيط، وحمار! شغلتنى مشكلة التلقى وطريقة تفاعل جمهور الإنترنت مع الأخبار والآراء، وتذكرت دراسة قام بها عدد من أساتذة علوم الاتصال بجامعة ويسكنسون ماديسن فى الولاياتالمتحدة، تحت إشراف الدكتور دومينيك بروسارد، وزميله ديترام شيفل، وكتب عنها دومينيك مقالا فى صحيفة نيويورك تايمز ، بعد نشر نص الدراسة فى مجلة Journal of Computer-Mediated Communication . يقول دومينيك: فى البدء، فتحت الإنترنت مجالا رائعا للتواصل والنقاش وتبادل الأفكار، وحطمت المسافات والحواجز الجغرافية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وكانت الفاتورة سهلة، لكن أحدهم اخترع صندوقا لتعليقات القراء، فخسرنا الجنة. يضيف دومينيك: المشكلة ليست فى مضمون التعليقات بل فى لهجتها، وهذا ما توصلت إليه الدراسة التى ضمَّت 1183 مشتركا، طلبوا منهم قراءة موضوع عن مخاطر وفوائد النانو تكنولوجى، وهو كما يبدو لكم موضوع علمى متخصص. يقول دومينيك: قسمنا العينة إلى نصفين، عرضنا على الأول المقال منشورا على الإنترنت وتحته تعليقات لطيفة واستفسارات منطقية من قراء آخرين، وعرضنا على النصف الثانى المقال ومعه تعليقات فظّة مزعجة. وبعد فحص التعليقات وجدنا أن ردود العينة الأولى جاءت علمية، وألفاظهم محترمة وجادة، أما قراء العينة الثانية فاستخدموا ألفاظا بذيئة ولعنات مثل: إذا كنت لا تعرف فوائد تكنولوجيا النانو فأنت أحمق ! أو أنت غبى ، وما هو أكثر من ذلك. كانت النتائج مثيرة للقلق، فقد افتعل القراء مشاجرات وخلافات تخصهم وتخرج كثيرا عن مضمون المقال، ففى العينة الأولى ظل الذين يرفضون تكنولوجيا النانو على خلافهم لكن بلغة متحضرة فى التعليقات. أما قراء التعليقات الفظّة فتمادوا فى الاشتباكات والشتائم، وانتهى بهم المطاف إلى فهم أحادىّ ومتعصب للموضوع، بعضهم يدافع باستماتة، وبعضهم يهاجم بعنف، وسط تراشق وسباب غاب عنه العقل. هكذا استخلصت الدراسة أن هناك حالة من التوجيه العشوائى تؤثر على طريقة تلقى الخبر أو الرأى حسب اتجاه المعلقين، وحذرت الدراسة من هذا الأثر السلبى فى التلقى، لأن 60% من الأمريكيين يستمدّون معلوماتهم فى كل شؤون الحياة من شبكة الإنترنت. وأوضحت الدراسة أن الإعلام الإلكترونى تحول عمليًّا إلى منتدى عام جديد يفتقر إلى منظومة التقاليد الاجتماعية السابقة، كما يفتقر إلى وضع قواعد للتنظيم الذاتى الذى يحكم عادة عملية تبادل الرأى والمعلومات دون تعارض مع الأخلاق أو الدقة المعرفية أو الاحترام المتبادل. وقالت الدراسة فى توصياتها: هناك طريقة لتخفيف الأثر السيئ للإعلام الإلكترونى وهى إغلاق تعليقات القراء على الإنترنت تماما، وقد نفذ بعض المؤسسات الإعلامية والمدونين ذلك فعلا، منذ كتب بول كروجمان مقاله عن الذكرى السنوية العاشرة ل11 سبتمبر، ونشره على موقع ويب نيوز واختتمه بعبارة: لن أسمح بالتعليقات على هذا المقال، والأسباب واضحة ، فى حين وقفت وسائل إعلام أخرى فى المنتصف، ووضعت تحذيرات تؤكد الاحترام وعدم استخدام الألفاظ الخارجة أو التهريج، ولجأت أخرى إلى إدارة تعليقات القراء وفرزها قبل عرضها على مواقعها. لكن المعضلة التى توقفت عندها الدراسة تلخصت فى سؤال: إذا كان هذا هو حال مواقع الأخبار الصحفية، فكيف يكون الحال مع مواقع مفتوحة للتواصل الاجتماعى مثل تويتر و فيسبوك ؟ لقد خرج الجِنّىّ من القمقم، وأصبح تفاعل القراء جزءا أساسيا من عالم الويب، ولا أحد يريد أن يصادر هذا التفاعل، لأن التكنولوجيا القادمة تكرس هذا الاتجاه، ولا شك أن التفاعل يمكن أن يضيف أبعادا إيجابية للسياق الاجتماعى، ويغيّر طبيعة العلاقات، لكننا نريد أن يكون ذلك إلى الأفضل لا إلى الأسوأ، ولا بديل إلا أن تتحول التراشقات إلى لغة عقلية متحضرة.. إلى ذلك الحين، أنصحك بتجنب تأثير التعليقات السيئة.