فى زمن جنون «داعش» تعرض نشرات الأخبار حوادث القتل والعنف بشكل شبه يومى: ذبح المصريين فى ليبيا، حرق الطيار الأردنى، ذبح الرهائن الأجانب فى سوريا، قتل شيماء الصباغ فى مظاهرة سلمية، مقتل مشجعى نادى الزمالك لرغبتهم فى دخول المباراة، مقتل محام داخل قسم الشرطة نتيجة التعذيب، مقتل جنودنا فى سيناء على يد الإرهاب، حتى الحيوانات لم تسلم من دموية البشر فذبح جزار وعاطل كلبًا وفيًّا دافع عن صاحبه فى مشاجرة، وتتفنن وسائل الإعلام الجماهيرية والبديلة عبر الإنترنت فى التسابق لعرض أكثر المشاهد دموية وبشاعة رغبة فى تحقيق المكاسب ورفع نسب المشاهدة والمبيعات، أو رفع معدلات النقر على صفحاتها على الإنترنت. ليس ذلك فحسب، بل يتفنن المذيعون والمذيعات فى توزيع ألقاب الشهادة وسرد المرثيات، حسبما يتفق أو يختلف مع اتجاهاتهم واتجاهات أصحاب المحطات وولائهم نحو الضحايا والأفكار التى يمثلونها، ويتبارون فى عرض الفراغ الحزين الذى سيخلفه القتل فى حياة ذويه وردود أفعالهم، دون مراعاة الإعلام لما يصح عرضه على المشاهدين وفى أى أوقات من اليوم، تفاديًا لاقتحام الدماء لغرفة معيشة الأسرة إجباريا، وتعرض الأطفال لمضامين لا يصح أن يروها، أو حتى عدم مراعاة حرمة الميت وعرض صور غير لائقة دون مراعاة أهله وتأثيرها النفسى عليهم. إضافة إلى ذلك تسفر مشاهدة العنف على المدى الطويل، وفقًا للدراسات عن أثرين محتملين: أولهما انخفاض درجة الحساسية إزاء العنف والدماء، بشكل يقلل من التعاطف الإنسانى مع الضعيف، ويزيد من قبول العنف فى الحياة اليومية، وثانيهما احتمالية أكبر لتقليد السلوك العنيف، فمنذ أيام قلّد عدد من الصبية فيديو داعش فى لعبة هزلية، لكنها ذات معان مرعبة، ومنذ أيام ذبح شخص كلبًا وعذبه على مرأى ومسمع العشرات. ولكن لا يتوقف التحيز فى التغطية الإعلامية عند هذا الحد، فالثنائية تتضح فى اختلاف المعايير عند معالجة وتصوير الضحايا، إما شهداء أبرياء لا ذنب لهم وإما قتلى سقطوا نتيجة أخطائهم مثل تصوير الإعلام قتل الخلايا الإرهابية، باعتباره الجزاء العادل الأوحد، متجاهلين الحل القانونى، ومن هنا تأتى انتقائية البكاء على الضحايا، القتلى الذين لقوا ما يستحقون فى مقابل الشهداء الذين قتلوا غدرًا وغيلةً فى أثناء تأدية عملهم، ليتحول اللقب إلى أداة فى دور الاستعطاف أو اتهام الضحايا بالرعونة، لكن الأخطر هو الدور اللا أخلاقى الذى تلعبه وسائل الإعلام فى توزيع هذه الألقاب، كأن يحكم الصحفى على أفعال ونيات من ماتوا، فهل من مات محاولاً دخول مباراة للكرة يستحق الموت؟ حتى وإن لم يكن معه تذكرة؟ وعلى العكس: هل كل من ينتمى إلى القوات الأمنية متورط فى قضايا تعذيب أو قتل شهداء يناير حتى يحتفى البعض بعدالة الجزاء؟ الحقيقة أن الإعلام ينشر اللا تسامح وعمومية العقاب بدلاً من نشر منطق لا تزر وازرة وزر أخرى .